تستدعى تحيزات الانتخابات الرئاسية وأجندة اهتماماتها فى تغطية الصحف والقنوات الفضائية لرجال الأعمال المسماة ب «الإعلام الخاص» قصة صعود رأسمالية المحاسيب فى مصر . وتحديدا قصة هذا الصعود مع مأزق غياب وتشوه الديموقراطية فى مجتمع أريد له منذ عقود ان يقوم على احتكار القلة و الاستبعاد والاقصاء لأغلبية المواطنين وعلى دولة بوليسية تقوم على قمع الحريات واهدار حقوق الإنسان . ولقد أبرزت قصة رجل الأعمال «حسين سالم» التى خطها كاتب هذا المقال على صفحات «الأهرام» فى يونيو 2011 ثم صدرت لاحقا فى كتاب كيف ولدت رأسمالية المحاسيب من رحم التجربة الناصرية وبيروقراطيتها ورجال دولتها مع انها نقيض لمشروع عبد الناصر وتوجهات عهده نحو التنمية المستقلة والاستقلال الوطنى والعدالة الإجتماعية. تماما مثلما ورثت الساداتية ثم المباركية الناصرية عبر انتقال سلس لما يسمى بشرعية الحكم. وتحديدا رئاسة البلاد. ولكن وفق مسار وآليات تفتقد الى التعددية والإختيار الديموقراطى الحر. وأعتقد انه لا يمكن فهم المشهد الإعلامى الإنتخابى الراهن ومعه طبيعة وتطور رأسمالية المحاسيب فى بلادنا بوصفها إقتصادا سياسيا يقوم على تزاوج السلطة والثروة ويتوقف فيه نجاح الأعمال (البزنيس) على علاقات الفساد الوثيقة بين رجال الأعمال والمسئولين الرسميين إلا بالعودة الى محطات لافتة فى هذا التطور. هنا يتذكر المرء القصف الأيديولوجى الإعلامى بحلول عقد التسعينيات ومع صعود رجال الأعمال الجدد فى عهد مبارك .وأقصد هذا النوع من الكتابات التى بشرت ببناء رأسمالية تنتعش وتسيطر فيما تهبط مساحة الحريات وتضيق. أى رأسمالية وفق المنهج الشمولى التعبوى الفوقى الذى كان سائدا فى عهد الحزب الواحد «الإتحاد الاشتراكى». وإذا ما رجعنا الى الصحف فى تلك الفترة لن ندهش إذا ما اكتشفنا أن هؤلاء المبشرين بهذا النمط السلطوى من الرأسمالية هم ذات الاسماء التى التحقت فيما بعد بلجنة سياسات الحزب الوطنى الحاكم وتحلقت حول «جمال مبارك». وتمكنت من السطو على منابر الإعلام ومارست احتكارا موازيا للاحتكار الحاصل فى مجالى الإقتصاد والسياسة. والآن أمامى دراسة شيقة حديثة باللغة الإنجليزية للباحث الألمانى «ستيفان رول» بعنوان «نخبة رجال أعمال مصر بعد مبارك: لاعب قوى بين الجنرالات و الإخوان المسلمين». وخلاصة هذه الدراسة تفيد بأن رجال الأعمال المحاسيب لعهد مبارك تمكنوا من الحفاظ على نفوذهم وسلطتهم الإقتصادية والسياسية بعد ثورة 25 يناير 2011 ، مع ماكانت تمثله هذه الثورة من تهديد ومع انها لم تكن فقط ثورة ضد محاولة مبارك الأب توريث الحكم لنجله.ومفاد الدراسة ان الحكومات التى تلت رحيل مبارك عن السلطة لم تسع الى مواجهة جدية مع فساد رأسمالية المحاسيب بما فى ذلك حكومات الإخوان والحكومة التالية للإطاحة بمرسى. بل ما حدث ان هذه الحكومات سعت لخطب ود رجال أعمال هذه الرأسمالية وسنت من التشريعات واتخذت من الإجراءات ما يحصن فسادهم. وحقيقة لا أعرف ماالذى كان بامكان الباحث الألمانى ان يزيده إذا ما قدر لدراسته ان تمتد الى قانون تحصين فساد بيع شركات القطاع العام وأراضى الدولة الذى أصدره الشهر الماضى رئيس الجمهورية المؤقت. لكن أبرز نتائج الدراسة اظنها تلك المتعلقة بنمو الدور السياسى لفضائيات وصحف رجال الأعمال المحاسيب وتعاظم هذا الاستثمار فى السياسة خلال السنوات والشهور الأخيرة. وأعود للمشهد الانتخابى والإعلامى الراهن كى نطرح على انفسنا الأسئلة التالية: ماهو حجم انفاق رموز ورجال رأسمالية المحاسيب فى حملة الانتخابات الرئاسية الجارية؟ ولصالح أى مرشح؟.وألا يلفت النظر فى حوارات وبرامج فضائيات وصحف رجال الأعمال هؤلاء غياب الأسئلة الجدية عن كيفية مواجهة الفساد الموروث عن عهد مبارك بما فى ذلك المحسوبية القائمة على الزواج الحرام بين المال والسلطة وعن الموقف من المرسوم بقانون بتحصين تعاقدات الدولة من طعن المواطنين والعمال عليها. وهل يلغيه المرشح الرئاسى فور فوزه ام يبقى عليه؟. وكذا تلك الأسئلة المتعلقة باعادة تشغيل شركات القطاع العام العائدة من فساد الخصخصة وتنفيذ الاحكام القضائية بعودة عمالها وتعويضهم، وكيفية تطبيق الحدين الأعلى والأدنى للأجور، وأى نظام ضرائبى يتبناه المرشح الرئاسى كآلية لتعظيم أو تقليل الفوارق الطبقية مع ضمان استثمار مسئول وجاد . وقد تكون انتخابات الرئاسة 2014 أقل تعددية وتنافسية وسخونة من نظيرتها عام 2012. أو لا تكون. لكن ألا يلفت النظر أيضا إعادة انتاج نفس المقولات الأيديولوجية الإعلامية لعقد التسعينيات. تلك التى مهدت لنمو رأسمالية المحاسيب وفسادها على نحو غير مسبوق . وأقصد الترويج الآن لحرية بلا قيود لرأس المال فى ظل دولة لا تكترث كثيرا بالحريات السياسية والحقوق الاجتماعية. دولة تقوم على ذات النمط السلطوى التعبوى الفوقى وعلى احتكار القلة للثروة والسلطة والإعلام .وتضيف اليه أولوية الهاجس الأمنى تحت مبرر مكافحة الإرهاب. وألا يلفت النظر محاولات صناعة ديكتاتور جديد تحت أكثر من مبرر وذريعة. وألا يحق التوقف عند استخدام البعض فى منابر رأسمالية المحاسيب لمصطلح «مرشح الدولة» فيما يفترض فى الدولة و أجهزتها الحياد فى الانتخابات وإلا فقدت الانتخابات معناها ولا استحقت شرف إسمها. الإجابة على الاسئلة السابقة وغيرها تفيد بأن هناك من يصر على استمرار احتكار الثروة والسلطة. ويتمسك بالسعى الى رأسمالية من دون ديموقراطية مع كل ما جنته البلاد من فساد وخراب. وكأننا على اعتاب مرحلة جديدة من رأسمالية المحاسيب .وقد إختار رجال هذه الرأسمالية البغيضة والمدانة فى أعتى المجتمعات الرأسمالية مرشحهم أو مرشحيهم فى الانتخابات الرئاسية فالبرلمانية . ولاعزاء للمواطنين المنتجين والعاطلين والمقموعين والمهمشين ضحايا هذا اللون من الرأسمالية . لمزيد من مقالات كارم يحيى