استعادة هيبة الدولة كانت المبرر الرئيسى لحالة الصخب الإعلامى التى صاحبت تنفيذ قرارات الإزالة فى العديد من الأبراج التى تم بناؤها بشكل غير شرعى لتحقق نوع من الردع للمخالفين.. ولكن.. ما مصير الأبراج المخالفة التى تم بالفعل تسكينها؟ هل من الوارد أن يتم طرد سكانها إلى الشارع وتنفيذ قرارات الإزالة قسراً؟ وما ذنب السكان؟ فالساكن فى أغلب الأحوال مواطن بسيط يبحث عن أمل فى شقة للزواج أو لاستثمار مدخرات حياته ليفاجأ بوقوعه فى الفخ بين مطرقة الحكومة وجبروت مالك العقار. الواقع يؤكد أن المشكلة الحقيقية فى التعامل مع الأبراج المخالفة تتضاعف وتتفاقم بشدة إذا كانت مأهولة بالسكان.. فهنا يكون من الصعب ما لم يكن مستحيلاً تنفيذ قرارات الإزالة لهذه الأبراج.. فلن تجد ساكناً واحداً يقوم بإخلاء شقته بعد أن دفع فيها «شقى عمره» ليتم إزالتها بالديناميت فى لحظات معدودة.. بينما فى حالة الأبراج التى لم يكتمل بناؤها أو يتم تسكينها فيتم تنفيذ الإزالة بسهولة نسبية والمتضرر الوحيد يكون صاحب العقار الذى تعمد أن يقوم بالبناء المخالف ودون الحصول على تصاريح، فكيف يتعامل المواطن البسيط المتضرر فى هذه الحالة؟. النماذج كثيرة ومتعددة لمواطنين سقطوا فى فخ شراء «شقة» بأحد الأبراج المخالفة دون أن يعرفوا، وحتى إذا علموا فإن حلم امتلاك شقة يكون تأثيره أقوى بكثير، ولسان البعض يقول «هى جت عليا»! ومن الأبراج المخالفة فى القاهرةوالجيزة إلى نظيرتها فى كافة المحافظات يا قلبى لا تحزن.. آلاف الحالات تعيش فى رعب وبعضها يتملكه الندم وهو يندب حظه العاثر الذى جعله يضع «تحويشة العمر» فى شقة مهددة بالزوال. خالد إبراهيم فى الخمسينات من العمر يعول 5 أطفال ومعاق طرفياً فى قدميه، ويسكن فى الدور ال 13 فى أحد الأبراج المهددة بالإزالة فى حدائق القبة، حالته لا تحتاج إلى شرح فما الذى يجبره من الأساس رغم ظروف الإعاقة على السكن فى الدور الأخير من أحد الأبراج، إلا الضرورة القصوي، وهل من الممكن أن يجد نفسه هو وأطفاله فجأة فى الشارع بلا مأوي. ويعيش جمال عبد الحميد الموظف بوزارة المالية فى قلق بالغ بعد أن أصبحت شقته أيضاً مهددة بالضياع إذا تم تنفيذ قرار الإزالة لها رغم أنه لا يزال يدفع أقساط شقته التى حصل عليها بقرض من البنك بضمان وظيفته. أما السيدة مديحة محمد فهى أرملة وتعول طفلتين فى عمر الزهور، فقد أصبحت فجأة مهددة بأن تصبح بلا مأوى بعد أن تم إزالة 3 أبراج مجاورين للعقار الذى تسكن به، وفوجئت باحتمال أن تصل الإزالات إلى العمارة التى تسكن بها. معظم هذه الحالات لا حول لهم ولا قوة ويدفعون ثمن الحرب بين الدولة وأباطرة البناء المخالف، ولكن من المثير للدهشة أن تجد مقراً للحزب المصرى الديمقراطى فى أحد العقارات المهددة بالإزالة، دون أن ينتبه أحد قادته إلى هذه النقطة. اسماعيل على يقطن فى برج مهدد بالإزالة وبه أكثر من 70 أسرة ويتساءل بغضب شديد، ما ذنبنا فى أن يتم تهديد معيشتنا ومستقبل أبنائنا، وأين كانت الدولة عندما كانت عمليات البناء تجرى على قدم وساق فى الأبنية المخالفة. ويتفق معه اللواء محمد عبد المنعم بالمعاش قائلاً ان هذه الأبراج لم يتم بناؤها فى يوم وليلة، بل كانت تتم تحت سمع وبصر المسئولين، فلا تحاول أن تقنعنى أن المسئولين بالأحياء فوجئوا بهذه الأبراج، الكل يعلم ما يجري، والحيل لا تنضب للتعامل مع قرارات الإزالة والدراسات الأمنية التى تتم قبل تنفيذها، وفى النهاية يفلت مالك العقار أو يتصالح مع الدولة مقابل مبلغ لا يتناسب على الإطلاق مع الأرباح الخرافية التى يحققها خاصة إذا كانت الأرض مملوكة للدولة. والسؤال هنا كيف ننقذ المواطن البسيط من التهديد بالتشرد، والقانون أعمى فى تطبيقه، ولكن البسطاء غالباً هم من يدفعون الثمن. أعضاء اللجنة الدائمة لمراجعة تشريعات البناء والإسكان توصلوا إلى فكرة ربما تكون هى الحل ولكن تنفيذها يحتاج إلى حسم شديد، الفكرة تقوم على مصادرة جميع المبانى المخالفة التى تم بناؤها عقب ثورة 25 يناير، وتوجيه حصيلة بيعها لمصلحة إسكان محدودى الدخل، كى لا يستفيد المخالف. بل وطالبت اللجنة بأن يتم تحصيل قيمة هذه الوحدات من مالك العقار إذا كان قد قام ببيعها حتى تغلق الباب أمام تحقيقه لأى مكسب مادى مما يحقق ردعاً حقيقياً لأصحاب العقارات المخالفة، لكن ذلك سيتحقق فقط إذا دخلت توصية اللجنة حيز التنفيذ الفعلى ولم تقف عند حاجز الاقتراحات. الدكتور على عبد الرحمن محافظ الجيزة كان له رأى فى القضية بضرورة تحقيق التوازن بين حماية حقوق المواطن البسيط ومعاقبة المستغلين ملاك العقارات المخالفة، مع مراعاة حقوق الدولة فى نفس الوقت. وحول آلية تنفيذ ذلك يوضح المحافظ أنه يتم منع تسجيل العقارات المخالفة أو إجراء أى تعامل قانونى عليها، ولا يتم تقنين أوضاعها إلا بعد التعامل بتشريع جديد يقره مجلس الشعب، مشدداً على أنه لن يتم توصيل المرافق إلى العقارات المخالفة إلا بعد تقنين أوضاعها. وحول الإجراء الذى يتم اتباعه مع أصحاب العقارات المخالفة قال على عبد الرحمن إنه يتم تحويلهم إلى النيابة، التى تتعامل معهم وتتخذ ضدهم الإجراءات القانونية اللازمة من الحبس والغرامة وغيرها من الإجراءات الرادعة.