الحية: نأمل زيادة المساعدات للوفاء باحتياجات أهالي غزة    الباشا والزعيم    لم ينجح أحد    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في الصاغة بعد ارتفاعه 80 جنيهًا    أسعار الطماطم والخضار والفاكهة في أسواق الشرقية اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وإلغاء التوقيت الصيفي (تفاصيل)    قائد القوات البحرية: قواتنا قادرة على مواجهة التحديات لحماية الوطن    السر المُذاع في المغرب    ب 250 مليون دولار.. ترامب يعلن هدم جزء من الجناح الشرقي ل البيت الأبيض لبناء قاعة رقص    ياسين منصور يكشف إمكانية طرح شركة الأهلي في البورصة    وزير «الرياضة» يقرر إيقاف مجلس إدارة «الإسماعيلي» وإحالته للنيابة    منتخب السويس يواجه العبور.. النجوم يصطدم ب جمهورية شبين بدوري القسم الثاني «ب»    اندفاع كتلة هواء قادمة من أوروبا.. تعرف موعد تحسن حالة الطقس وسقوط الأمطار    السيطرة على حريق داخل مستشفى بالمنيا    تأييد المشدد 5 سنوات لربة منزل وآخرين بتهمة «تهريب المخدرات»    تعرف على برجك اليوم 2025/10/21.. «الحمل»: حوّل تركيزك لاتخاذ خطوات جريئة.. و«الجدي»: لا تنسى من يحبك    هنا الزاهد: فيه ممثلين كبار حواليهم ناس بيطبلوا لهم.. وأنا ما بحبش المجاملات    «50 سنة يسرا».. نصف قرن من مسيرة فنية ذهبية لأشهر نجمات مصر    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    في نص ساعة جاهز للأكل.. طريقة تجهيز الخيار المخلل السريع    لا مزيد من الروائح الكريهة.. تنظيف الميكروويف ب 3 مكونات في المنزل    أهمها استنساق البخار والمحلول الملحي.. 6 حلول عاجلة لعلاج انسداد الأنف في المنزل    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    إعلام: ترامب متحمس جدًا لإنهاء حرب أوكرانيا    المتحف المصري الكبير.. قلعة الحضارة المصرية في ثوب أمني غير مسبوق    واشنطن تتعهد بعدم الرضوخ للابتزاز الصيني    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    محمد الدماطي: ترشحت لخدمة الأهلي.. ونهائي القرن أغلى بطولاتي    عمر خيرت يعزف للحياة ويتابع حديث النغم مع البيانو بحفل مهرجان الموسيقى العربية    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    مصرع شاب صدمه قطارا أثناء عبوره السكة الحديد فى العياط    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    بالأرقام.. قطار البناء والتنمية يواصل مسيرته بالمبادرات الرئاسية    خناقة اتحاد تنس الطاولة    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    امتحانات أكتوبر موحدة داخل الإدارات التعليمية وتقتصر على مقررات الشهر فقط    تعرف على موعد إضافة المواليد على التموين في أسيوط    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    شبانة عن تتويج المغرب بمونديال الشباب: "عندهم نظام.. واحنا عندنا أزمات"    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    تعرف على سعر طن الأرز في أسيوط الثلاثاء 21/10/2025    أول تحرك من أوقاف الإسكندرية في محاولة سرقة مكتب بريد عبر حفر نفق من داخل مسجد    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    وزير القرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    كيف نحب آل البيت؟.. أمين الفتوى يجيب    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    منتجة مسلسل "ورد" تنفي وجود خلافات مع مخرجته    بسمة داوود تكشف لتليفزيون اليوم السابع سبب توترها على الريدكاربت بالجونة    وزارة العمل: قرارات زيادة الأجور لا تصدر بشكل عشوائي بل بعد دراسات دقيقة    الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. حماس: ملتزمون بوقف إطلاق النار والاحتلال لديه ثوابت لاختراق الاتفاق.. ترامب يهدد بفرض رسوم على الصين تصل ل175%.. جهود لإنقاذ ناقلة نفط تشتعل بها النيران في خليج عدن    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    وزارة «التعليم» تقرر تعديل لائحة ترخيص طبع ونشر الكتب المدرسية الخارجية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أهل يا أنا
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 05 - 2014

كم مرة تنظر في المرأة لترى نفسك ؟ قد لايستطيع أي منا متابعة تاريخ نظره في المرآة ، منذ أن كان طفلا وشابا وكهلا وشيخا ، ومن الطبيعي ألا يتذكر منا عدد مرات رؤية نفسه في أي مرآة ، أو عن ماذا يبحث فيها ، ولكن من المؤكد أن أيا منا لا ينسى ملامحه ، أو مواجهة السؤال الذي يشغل الإنسان _ رجل أو امرأة _ ليعثر على إجابة قد لا تأتيه : « هل أنا مقبول _أو مقبولة _ حين يراني غيري ؟»
وقد نرتدي أفخم ما عندنا من ملابس أو قد نستعد لمقابلة هامة أو ذاهبين إلى مكان نلتقي فيه بمن نحب أن نكون معهم أصدقاء أو اقارب أو حفل .. أو .. أو .. أو إلى آخر أسباب الخروج من البيت ، بل هناك من ينظر في المرآة بلا سبب ، ليتأمل ملامحه دون أن يصل إلى سبب للتأمل .
وفي كل الأحوال نحن ننسى سؤالا أكثر أهمية مما نتذكر ، السؤال هو «من قاموا بتأليف هذه الصورة التي نراها في المرآة ؟».
قد ننسى _ على سبيل المثال لا الحصر _ مدرسة روضة الأطفال التي رحبت بنا في أول يوم نترك فيه يد الأب أو يد الأم التي قامت بتوصيلنا ، ففوجئنا بوجودنا كرقم ضمن أرقام أطفال كثيرين يحضرون إلى المدرسة لأول مرة . وقد ننسى وجه المدرس المرعب الذي لا أنساه أنا شخصيا حين طلب مني رسم أرنب على ورقة الرسم ، فرسمت كائنا لا هو أرنب ولا هو خروف ولا هو قط ولا هو كلب ، فما كان منه إلا أن قام بتضفير أصابع يدي بقلم رصاص ، بحيث يكون هناك أصبع فوق سطح القلم وإصبع تحت سطحه وضرب بخمسة مساطر أخرى على أصابعي ، فقفزت من شباك الفصل جاريا إلى مكتب أبي قائلا « مدرس الرسم مجنون .. أقسم بالله العظيم مجنون « . وذهب والدي معي إلى المدرسة ليطلب من ناظرها نقل هذا المدرس ، وقد كان له ما طلب .
ولن أنسى أبدا بنت الجيران في الحي الشعبي والتي كانت تسكن مع والدها في حجرة خشبية ببيت مكون من أعمدة خرسانية دون أن يكون له جدران ، وكان والدها قد أقام كحارس عقار بالمنزل الذي لم يستكمل بناؤه ، ولكنه كان يخرج في صباح الشتاء ليعمل شحاذا في قطار أبي قير الواصل من محطة قطار الإسكندرية وحتى شاطئ أبي قير ، أما في رمضان فكان يعمل مسحراتي ، وكان الاسم الذي نعرفه لإبنته هو « كيداهم « لا أدري من هم الذين تكيدهم . ولكني أعرف أنها تزوجت لعدة أشهر من عامل المقهى المسمى « سكر « لتطلق منه ، ولتبقى أثناء مراهقتي وكأنها أجمل من صوفيا لورين . وكنت أرتدي البدلة الكاملة لأقابلها في حدائق الشلالات ، وأدعوها لمشاهدة تمثال من نحت سيد النحت الفرنسي رودان كان موجودا في مقابر الخواجات المقابلة لحدائق الشلالات ، فكانت تضحك مني ساخرة لأني أمتلئ إعجابا بتمثال لملائكة ، وتهمس « ياعم أتكلم في الحب أحسن » .
ثم لا أنسى الرجل الذي كنت أتمنى أن أجعل عموم المصريين يدخلون في أفكاره ليخبرهم كيف يتعرفون على أنفسهم وعاداتهم وتقاليدهم وهو الأستاذ الدكتور أحمد أبو زيد مؤسس علم الإنثروبولجيا في بر مصر المحروسة ، فأستيقظ في السادسة صباحا _ مهما كان سهري في الليلة السابقة ، وذلك كي أصل إلى مدرج الفلسفة المطل على الكورنيش في المبنى الذي تحتله حاليا إدارة جامعة الإسكندرية ، وكان يحدثنا عن أن إنجلترا قامت بتأسيس علم الإنثروبولجيا _ أي دراسة سلوك وعادات الإنسان والجماعات البشرية _ كي تتعرف على أخلاقيات وقيم المجتمعات التي كانت تستعمرها ، وكان الإنجليز يهتمون بالخطوط العريضة من سلوك الأفراد في مجتمعاتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، أما الولايات المتحدة فكانت لا تكتفي بالخطوط العريضة ؛ بل تبحث عن أدق التفاصيل ، لأنها ببساطة كانت تستعد لوراثة إنجلترا وفرنسا كأمبراطوريتين غاربتين .
ثم ألتقي بمن كان يكتب لنا أسئلة إمتحان آخر السنة في أول محاضرة يلقيها علينا في علم النفس ، لنجد أمامنا عشرين سؤالا ننقلها بدقة لعلنا نستذكر إجاباتها لنحصل على درجات عالية ، ثم يبدأ هو في الإجابة عن كل سؤال لنكتشف أن الأستاذ الدكتور سعد جلال العالم النفسي الكبير قد حول المقرر الدراسي إلى عشرين سؤالا ، ومن كان يحضر المحاضرة فله أن يسمع تذكاراته مع طه حسين ، حيث كان سعد جلال هو أول خريجي قسم التاريخ ، وناداه طه حسين ليقول له « ما رأيك أن تدرس فن دراسة التاريخ الشخصي لأي إنسان يطلب المساعدة كي يخرج من أزمة ما تقابله ؟ « ووافق سعد جلال على فكرة طه حسين فيبعثه إلى جامعة إستانفورد ليدرس على النفس ، ويعود لنا أستاذا يقيم علاقة حية مع كل تلاميذه . ولن أنسى سخريته وتذكاراته مع أحد المبعوثين وكان اسمه « سيد قطب » الذي صرنا نعرف فيما بعد أنه فيلسوف الإرهاب الإخواني وهو من قال عنه أحد قادة الإخوان المعاصرين د. محمد حبيب بأن الإخوان أعطوا كتابه في تفسير القرآن ليوسف القرضاوي مفتي قطر كي يخفف ما فيه من تكفير للغير ، فأعاد يوسف القرضاوي كتاب سيد قطب بعد ثلاثة أشهر معلنا أن « التكفير هو صلب هذا الكتاب » . ولم نكن نعلم في عام 1958 أن الإخوان سيكمنون للمصريين في الظلام ليكتشفهم عبد الناصر عام 1965 ويحاكمهم لأنهم شاءوا إغتياله للمرة الثانية بعد فشل محاولتهم الأولى عام 1954 ، ويتم إعدام سيد قطب ومعه ثلة من معاونيه في إحياء تنظيم هدفه قتل كل من يختلفون معهم في الرؤى .
وطبعا لن أنسى عبد الحليم حافظ وإحسان عبد القدوس ، حين ألتقيتهما في صباح أحد أيام السبت بأغسطس 1958وهما يسبحان في بلاج ميامي وأصر على الابتعاد عنهما ، فيقول صديقي البحار أحمد نجيب « إحسان وعبد الحليم معانا في البحر تعالى نسلم عليهم ، فأرد على صديقي « هم جاءوا ليستريحوا في يوم أجازة ولا داعي لإزعاجهم» ،فيناديني إحسان عبد القدوس ليسألني لماذا أقول ذلك لصديقي ، فأقول « أنا أقرأ وأكتب وأعلم أن من حق الكاتب والفنان ألا يزعجه أحد « فيطلب مني أن أعرض عليه ما أكتب ، وتكون تلك هي الطلقة الأولى في رحلتي مع الكتابة . ومن المدهش أن تمر سنوات أربع عشرة لألتقي بعبد الحليم في باريس على مائدة سفير أهدى جمال عبد الناصر اسما للتنظيم الذي قام بثورة يوليو هو السفير جمال منصور فهو صاحب اقتراح تسمية تنظيم الضباط باسم « الضباط الأحرار » ، وحتى نوجز جمال منصور في جملة محددة يمكننا أن نتذكر قول الجليل جمال عبد الناصر لصديق أيامه محمد حسنين هيكل أن جمال منصور هو واحد من قلة لم يطلب لنفسه شيئا منذ قيام الثورة ، بل إنه تقدم لامتحان الخارجية لينجح ويلتحق بالسلك السياسي . وعلى مائدة العشاء في بيت جمال منصور في يناير 1964 يطلب مني عبد الحليم أن أكتب مذكراته بحلوها ومرارتها ، فأندهش لأنه صديق كبار الكتاب فكيف يطلب من كاتب شاب أن يحكي حكاية معروفة للجميع ، فيؤكد عبد الحليم أن دراستي لعلم النفس هي التي جعلته يطلب مني هذا الطلب ، ولنحققه معا بعد هذا العشاء بتسع سنوات كاملة .
أتذكر قول فتحي غانم الروائي الفذ وأحد الأساتذة الذين صاغوا ضميري وهو يبتسم متسائلا « هل سيكون عبد الحليم صادقا فيما سيرويه لك ؟ أنت تعلم أن الشاعر كامل الشناوي قام بتشخيص حكايات عبد الحليم بأنه يكذب طوال الوقت ويعيش الصدق فقط أثناء الغناء ؟ ، فأقول لأستاذي» سأحاول عبر الاختبارات النفسية استخلاص معظم التفاصيل ، وهو من كتب على نفسه بأن من مسئوليتي أن أروي كل ما يحب أن يعرفه عنه الناس وهو حي ، أما كيف عاش حياته فقد أوصى بكتابته بعد عمر طويل «. ولم يكن عمر عبد الحليم طويلا كما تمنيت ، فرحل الجسد وبقي الصوت الذي يولد مع كل قصة حب .
وتلقيني سفينة الأيام أمام رجل شديد الاحترام بتقديس الوطن ، هو محمد زغلول كامل وكان يعمل وكيلا للمخابرات ثم يترك العمل بها ليظل عضوا فى هيئة مكتب جمال عبد الناصر ، وكان يرقب كل التفاصيل ويرفض الضار ويهدي النافع . أما سبب لقائي به فهو دسيسة شاءها أحد السفراء وقام السيد زغلول كامل بالتحقيق فيها وعندما ثبت له صدقي وكذب السفير أرسل له عتابا قاسيا ووجه لي الشكر وصار صديقي إلى أن رحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة .
وحين يطل الشيخ الشعراوي بخواطره الإيمانية على شاشة التليفزيون ، أسعى للتعرف عليه وأرقب رحلته من السكن بجانب الإمام الحسين إلى القصر الفاره في الهرم ، ويكلفني بإعداد تفسيره للقرآن الكريم ليتم نشره بجريدة اللواء الإسلامي ، ثم كأجزاء بأخبار اليوم ، وأصر على لا أكتب اسمي كمعد على هذا العمل ، احتسابا لوجه الله ، كما أني لم أحب يوما لقب « كاتب إسلامي « فالدين لا يصلح أن يكون مهنة ، بل إطار يقبل عليه من يحب دون إدعاء أو « منظرة ».
وهل أنسى لقائي مع الأب متى المسكين الذي آمن أن ملكوت السماء يجب أن نحقق بعضا من ملامحه على الأرض فيؤسس ديرا بوادي النطرون يضم ثمانين راهبا ويعمل معهم قرابه خمسمائة عامل مسلم أو مسيحي لا فرق ، ويزرعون آلاف الأفدنة ليجعلوا الصحراء تهبهم خيرات بغير حد ؟
وأدور مع منصورحسن إبان عمله وزيرا في عهد السادات وكان منصور يعلم أني لا أطيق السادات أو عصره ، ولكنه كان يرى في آرائي بعضا من فائدة .
وبطبيعة الحال لا تنمحي من ذاكرتي دموعي التي كادت أن تصير فيضا حين وصلني نبأ رحيل سعاد حسني تلك المزدحمة بنقاء لم أشهد مثله في كثير من نساء الأرض ، وأتذكر محاولتها لتعمير حياة عائلة كانت مفككة فصار فيها ناجحين ومتفوقين ومبدعين .
كل ماسبق هو بداية _ مجرد بداية _ لسؤالي الذي أوجهه لنفسي « من قام بتأليفي ؟»، وفي حياتك أنت أيضا عشرات الآلاف من البشر والمواقف التي قامت بتأليفك ، وإن تذكرت بتسامح ما جعلك على هذه الصورة التي تقبلها في المرآة ، فأنت تضمن لنفسك جسرا من المصالحة مع ما مر بك ، وإن كان هناك مئات الأشخاص الذين أساءوا إليك _ من وجهة نظرك _ فلك أن تبحث في أسباب إساءاتهم وستجد أن لك نصيب في ميلاد تلك الإساءة ، ولا يعني ذلك أن تغرق في الندم ، ولكن عليك أن تراقب نفسك متذكرا ما قاله توفيق الحكيم» لا تغضب من نفسك حين تكرر الخطأ أكثر من مرة ، ولكن احرص على ألا يتحول ارتكاب الخطأ إلى إدمان فتكره نفسك وتجلس تحت شجرة أشواك تلتف حول واقعك وتحاصرك فتسبح بقية العمر في ندم لا ينتهي « قال الحكيم ذلك لواحد من مؤلفي البشر أستاذنا حسن فؤاد مؤسس شكل مجلة صباح الخير في عصرها الذهبي وشريك أحمد بهاء الدين وعبد الغني أبو العنين وإحسان عبد القدوس في صياغة قلوب أجيال آمنت بأن التحرر هو حق العقل وأن المستقبل هو من صناعة الإنسان . وكان هذا الإحساس هو الهواء الذي تتنفسه مصر بعد تأميم قناة السويس وبعد قهر ثلاثة دول هي إسرائيل وإنجلترا وفرنسا . وكانت القاهرة هي بيت الجرس الذي يدق ليوقظ آفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينة . ولم يكن المصريون سحرة بل حالمين يملكون القدرة على الخطو فوق أشواك أية ظروف ليحققوا ما يتراءى لهم من أحلام.
ولذلك فمن حقك أن تسأل الشمس في الصباح « ماذا يمكن أن أضيف لنفسي من ابتسامات الترحيب بي في أي مكان أوجد فيه ؟ وستجد أن في داخلك نافورة من مشاعر طيبة يمكن أن تروي بها حدائق عطشى إلى لحظة إحترام لما يعيشونه من ظروف .
ولأن الأهرام هو بيت التعرف على النفس من خلال معرفة أحوال الوطن والكون ، لذلك فقد أذن لي قادته أن أفتح بابا يرحب فيه أي منا بنفسه ، حتى ولو كان الواحد منا يرى ألسنة الآخرين بالنسبة إليه هى أسوار من الزجاج يجرح ويترك بعضا من نزيف مؤلم لا يراه أحد.
وسأحاول مع نفسي ومع أي قارئ أن نتعلم سويا عدم الخوف من التواصل مع تجارب حياتنا بحلاوتها أو مرارتها. ولن أصدق أبدا محاولة البعض على تصوير أنفسهم على أساس أن الواحد منهم مولود فى هذا العالم ليكون الخاسر الوحيد.
وهيا نحاول ضبط أوتار مشاعرنا لنحقق درجة من الانسجام مع النفس ومع الغير .
ولا داعي للخوف من الفشل ، لأني أثق أن أي منا سينجح في أمر ما ، صغر هذا الأمر أو كبر، أثق في أن أي منا قادر على أن يعيش مع انتصاراته البسيطة ليحولها إلى إبتسامة ثقة يخطو بها فوق تلال هزائمه مهما تراكمت ليحولها إلى حدائق مزدحمة بزهور الأمل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.