كفاية جشع...حملة جديدة لمقاطعة اللحوم والبيض والفراخ..إليك الأسعار    مفاجأة في سعر الذهب اليوم الأحد 28 أبريل 2024 في اليمن    الكرملين: مصير زيلينسكي "محسوم"    إطلاق عشرات الصواريخ من جنوبي لبنان تجاه قاعدة "ميرون" الإسرائيلية    وزير الرياضة يهنئ الخماسي الحديث بالنتائج المتميزة بكأس العالم    أعراض سمية فيتامين د والجرعة الموصى بها    خليه في المياه.. منتجو الأسماك يتحدون حملات المقاطعة    السيسي لا يرحم الموتى ولا الأحياء..مشروع قانون الجبانات الجديد استنزاف ونهب للمصريين    انخفاض يصل ل 36%.. بشرى سارة بشأن أسعار زيوت الطعام والألبان والسمك| فيديو    دهاء أنور السادات واستراتيجية التعالي.. ماذا قال عنه كيسنجر؟    السفير الروسي بالقاهرة يشيد بمستوى العلاقة بين مصر وروسيا في عهد الرئيس السيسي    فيديو.. سفير روسيا لدى مصر: استخدام الدولار في المعاملات التجارية أصبح خطيرا جدا    لميس الحديدى: نعمت شفيق تواجه مصيرا صعبا .. واللوبي اليهودي والمجتمع العربي"غاضبين"    نتيجة وملخص أهداف مباراة تشيلسي ضد أستون فيلا في الدوري الإنجليزي    طلب عاجل من الأهلي بشأن مباراة الترجي في نهائي إفريقيا    حجز المركز الثاني.. النصر يضمن مشاركته في السوبر السعودي    شيكابالا يستعد لمواجهة دريمز الغاني بجلسة علاجية خاصة    باريس سان جيرمان يؤجل تتويجه بلقب الدوري الفرنسي بالتعادل مع لوهافر    خلاف على قطعة أرض.. إصابة شخصين في مشاجرة بالأسلحة النارية بالمنيا    مصرع عروسين ومصور في انقلاب سيارة داخل ترعة بقنا    ضبط وتحرير 10 محاضر تموينية خلال حملات مكبرة بالعريش    الزفاف تحول إلى مأتم.. مصرع عروسين ومصور أثناء حفل زفاف في قنا    أناقة وجمال.. إيمان عز الدين تخطف قلوب متابعيها    23 أكتوبر.. انطلاق مهرجان مالمو الدولي للعود والأغنية العربية    «الأزهر للفتاوى الإلكترونية»: دخول المواقع المعنية بصناعة الجريمة حرام    أستاذ استثمار: مصر تستهدف زيادة الصادرات في الصناعات الهندسية    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    كيف تختارين النظارات الشمسية هذا الصيف؟    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من الإصابة بهذا المرض    رئيس جامعة أسيوط يشارك اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالجامعة المصرية اليابانية للعلوم    تليفونات بنى سويف يصدر بيان حول إصابة ' ابراهيم سليمان '    " يكلموني" لرامي جمال تتخطى النصف مليون مشاهدة    قبل نهاية الصيف.. طربول الصناعية: طرح أول طرازين من سيارات لادا محلية الصنع بأسعار مميزة    رقم سلبي تاريخي يقع فيه محمد صلاح بعد مشادته مع كلوب    مصر تواصل الجسر الجوى لإسقاط المساعدات على شمال غزة    حزب أبناء مصر يدشن الجمعية العمومية.. ويجدد الثقة للمهندس مدحت بركات    "الإسكندرية السينمائي" يمنح وسام عروس البحر المتوسط للسوري أيمن زيدان    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية «بيكلموني» التريند في 3 دول عربية    عزيز الشافعي عن «أنا غلطان»: قصتها مبنية على تجربتي الشخصية (فيديو)    شرايين الحياة إلى سيناء    «القاهرة الإخبارية»: مواجهات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين أمام وزارة الدفاع فى تل أبيب    محافظ القاهرة: استمرار حملات إزالة التعديات والإشغالات بأحياء العاصمة    "مستحملش كلام أبوه".. تفاصيل سقوط شاب من أعلى منزل بالطالبية    جريمة طفل شبرا تكشف المسكوت عنه في الدارك ويب الجزء المظلم من الإنترنت    جامعة كفر الشيخ تنظم احتفالية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    أمين صندوق «الأطباء» يعلن تفاصيل جهود تطوير أندية النقابة (تفاصيل)    حبست زوجها وقدّمت تنازلات للفن وتصدرت التريند.. ما لا تعرفة عن ميار الببلاوي    سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    سمير فرج: مصر خاضت 4 معارك لتحرير سيناء.. آخرها من عامين    أمل السيد.. حكاية مؤسِّسة أول مبادرة نسائية لتمكين المرأة البدوية في مطروح    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    عاجل.. وزير الخارجية الأميركي يتوجه إلى السعودية والأردن وإسرائيل مطلع الأسبوع    النيابة تطلب تحريات إصابة سيدة إثر احتراق مسكنها في الإسكندرية    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو إحسان عبد القدوس
عاشق الحرية صانع الحب
نشر في أخبار اليوم يوم 07 - 01 - 2011

رغم مرور عشرين عاما علي رحيله إلا أن كتاباته مازالت تحمل أجمل قصص الحب التي عشناها، ونعيشها كل يوم، وتحمل لنا أيضا أروع رواية لم يكتبها، ولكن كتبتها الأيام والسنون في دفتر حياته كمبدع كبير.
في هذه الأيام تأتي ذكري مولد ووفاة إحسان عبد القدوس. الكاتب الذي عشق الحرية وصنع الحب في حياته لكل من عاش معه.
مابين الميلاد والرحيل كانت رحلة طويلة من الكتابات التي أثارت المتاعب والجدل والتهم حول أدب إحسان علي حد قوله : "لقد جلبت لي هذه القصص من المتاعب قدر ما جلبته لي كتاباتي في المواضيع السياسية والوطنية، وأثارت حولي من الجدل والتهم قدر ما أثارته (قضية الأسلحة الفاسدة) وكان يمكنني تجنب كل هذا لو أني رفعت من كل قصة بضعة سطور، ولكني رفضت أن ينزع سطر واحد برضاي، أنا أكتب القصص وأنا أعيش السياسة، وأكتب السياسة وأنا أعيش القصص"
لقد كتبت أكثر من ستمائة قصة، ولا يمكن أن أكون بطلها كلها بحكم الواقع الزمني الذي تستغرقه أحداث كل قصة، بالقياس إلي العمر الذي عشته كإنسان، إن البطل الحقيقي لكل قصصي هو المجتمع الذي وقفت أطل عليه، وأسجل بقلمي في صراحة وصدق ما كان يعانيه من أمراض
بين قصص إحسان القصيرة ورواياته الطويلة عاشت أجيالا كثيرة مع أبطاله حالات من الحب والإحباط والنجاح والفشل ، لأنه ببساطة كان يغوص في قاع المجتمع ويكتب ، ويغمس قلمه بين ثنايا الأحاسيس والمشاعر ويكتب ، بلا خوف أو تردد أو عين رقيب نفسي أو مجتمعي، فجاءت كتاباته تحكي قصص مختلفة للناس ، حتي يتخيل الكثيرون أنهم أبطال في هذه الروايات .
في أول يناير عام 1929 ولد الأديب والكاتب "إحسان عبد القدوس، وفي 11 يناير 1990 رحل عن عالمنا.
من أبرز أعماله : في بيتنا رجل ، لا تطفئ الشمس ، أنا حرة ،النظارة السوداء ،يا عزيزي كلنا لصوص ، الرصاصة لا تزال في جيبي ، لمن اترك كل هذا ، لن أعيش في جلباب أبي ،لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص ، التجربة الأولي ، الوسادة الخالية، رائحة الورد وأنوف لا تشم ، البنات والصيف ،بئر الحرمان ، الخيط الرفيع ،لا أنام ، العذراء والشعر الأبيض ،أيام شبابي ، وغيرها، الذين اقتربوا منه، وعملوا معه ، وعاشوا في حياته قالوا عنه: نادرا ما نجد شخصا لا يعرف الكراهية والأكثر ندرة أن نجد شخصا يوزع الحب علي الآخرين بغير حساب ، كانت صناعته الحب ، صنع الصحافة بالحب ، والسياسة بالحب ، وكتب الأدب بالحب ، وعاش حياته العريضة يدعو إلي الحب ،أحب الحياة ولم يعتزلها قط ، وظل حتي أخر لحظة يعطي بقوة ويحتفظ بقدرته علي الاستمرار . كان إحسان عبد القدوس صانعا كبيرا للحب كان واقعيا في السياسة .. رومانسيا في الأدب.
عاش بالحب وللحب
من أكثر الكتب التي كشفت جوانب خفية وأسرار في حياة كاتبنا الكبير، كتاب الكاتبة الدكتورة لوتس عبد الكريم حيث كانت واحدة من الذين اقتربوا من هذا الكاتب الكبير وصارت احد أصدقاء أسرته فاقتربت منه كانسان وكاتب وفنان واستطاعت أن تنسج من تلك العلاقة صفحات تحتوي علي ذكريات أو مواقف من حياة كاتبنا إحسان عبد القدوس ليضمها كتاب مصور يضم البومات نادرة للكاتب ، وترسم بقلمها لقطات من حياته لتشعر بأنك تطالع مذكرات يومية للمؤلفة
من بين ما كشفته د.لوتس في كتابها: أن إحسان عبد القدوس اعترف للزعيم الراحل جمال عبد الناصر بأنه هاوٍ للكتابة قبل أن يكون محترفاً، وأنه استعان دائماً بالحب علي مواجهة كل التناقضات في حياته الأولي، وأن إحسان عبد القدوس كان يخفي دائماً وجهه بيده لتأذيه من مظهر أنفه! وأنه اختار في زوجته النقيض من والدته روزا اليوسف، ولم يتمن في حياته مطلقاً أن يتزوج من امرأة عاملة مثل (مدام كوري)، وكان يبحث دوماً عن امرأة تحب عيوبه وليس اسمه!
كتبت عنه تقول: لم أقابل في حياتي إنسانا يستمتع بلذة الإنصات والاستماع دون تذمر مثل إحسان وكأن وظيفته الإنصات والتأمل والتحليل ثم الكتابة أنة يعيش الآخرين ويكتب.
وتصف لنا المؤلفة خلال سطور كتابها مكتب الكاتب إحسان عبد القدوس ، تلك الصومعة التي خرجت منها أجمل أعمالة ومؤلفاته فتقول:
صومعة الفن الجميل ، مهبط الوحي وتسجيل الإلهام ، مكتب كبير وأريكة وفوتيهات .. ثم كتب وتماثيل وتحف ولوحات ، وتسترعي انتباهي لوحة زيتية بورتريه تحتل جانبا من المكان لسيدة رقيقة جميلة العينين .. أنها لواحظ المهيلمي ( لولا ) زوجته مصدر الإلهام أو الأساس أو المحور أو الحياة كما سماها في احدي قصصه
الكاتبة لا تسرد قصة حياه الكاتب إحسان عبد القدوس، بقدر إلقاء الضوء علي أهم النقاط في حياته والتي أثرت فيه وتأثر هو بها فكان إحسان يقول عن نفسه كما ذكرت المؤلفة في كتابها
أنا دائما أقول عن نفسي: أنني نصفان.. نصف خيالي وفني صرف وهذا النصف ورثته عن أبي الفنان (محمد عبد القدوس) ، أما نصفي الآخر فهو واقعي يعيش الحياة بحلوها ومرها ذلك النصف الواقعي الذي ورثته عن أمي السيدة (روز اليوسف، وقد تربي إحسان في ظل أسرة محافظة بطلاها جدة الشيخ (رضوان) وعمته (نعمات هانم) وهي بيئة تقليدية تحرص علي الدين والحجاب بالنسبة للمرأة وقد دخل إحسان الكتاب وحفظ القرآن، وكان الطفل إحسان يلحظ كم تقف أسرته بشدة ضد كل خروج عن آداب الدين والتقاليد ، كما لاحظ مدي التباين بين نوع الحياة التي تعيشها أمة الفنانة والصحفية المعروفة وكان يقول : كان الانتقال بين هذين المناخيين يصيبني بما يشبه الدوار الذهني، ولكني استطعت التوفيق بين هذه المتناقضات في حياتي
زوجته وإبداعاته
كانت زوجته ( لولا ) تعامله كطفل مدلل دون ملل أو تذمر ، تقول عنها المؤلفة : إنها تبدو واسعة الفهم شديدة الذكاء ، وفهمت دورها الحقيقي في حياته فكانت مصدر الهامه، كانت تحيطه باهتمامها وتحترمه وتتحمل ثورته وتفهم تقلبه في هدوء وعقل وابتسامة دائمة مهما حدث ، وكان يقول عنها إحسان : (إنها رئيس مجلس إدارة حياتي).. فهي تدير كل شئونه الصغيرة والكبيرة فهو لا يعرف عن حياته قدر ما تعرف هي ، إذن كان الكاتب الكبير متفرغا تماما لإنتاجه الأدبي وإبداعاته العظيمة
وقد كتب عنها إحسان في مقدمة احدي كتبة: (الهدوء الذي صان ثورتي ، والصبر الذي رطب لهفتي ، والعقل الذي أضاء فني ، والصفح الذي غفر أخطائي
ويقول عنها أيضا : لقد اخترت المرأة التي تقف كل حياتها ووقتها للبيت وللزوج ، بعكس والدتي الذي كان الزواج بالنسبة لها أمرا ثانويا إلي جانب العمل ، ولم يكن وقتها يتسع لي وقد اجتمع بين أمي وزوجتي صفات القوة في التحمل ومواجهة الأحداث والقدرة علي اتخاذ القرارات
الجانب الخفي في حياته
إذا كان كتاب الكاتبة الكبيرة لوتس عبد الكريم قد كشف جانبا خفيا من حياة كاتبنا الكبير إحسان عبد القدوس فان كتاباته قد كشفت الكثير لنا عن جوانب خفية في حياتنا ومجتمعنا سواء بالرمز أو بالكتابة الصريحة ، وإحسان عبد القدوس كان يحب أن يقدم مقدمات تسبق عمله الإبداعي يوضح فيه حالته النفسية قبل الشروع في الكتابة أو يكتب الأسباب التي جعلته يكتب هذه الرواية أو تلك الحكاية ،وأحيانا تسبقها حكمة فلسفية.
كتب يقول في مجموعته القصصية "أسف لم استطيع" التي صدرت عن مكتبة مصر في عام 1980تحت عنوان " هل قرأ عبد الناصر الرسالة ".
عزيزي السيد الرئيس تحية وشوق أبلغني صديقي الأستاذ هيكل رأي سيادتكم في مجموعة القصص التي نشرتها أخيرا بعنوان " البنات والصيف " وقد سبق أن أبلغني نفس الرأي السيد حسن صبري مدير الرقابة واتفقت معه علي تعديل الاتجاه الذي تسير فيه قصصي ورغم ذلك فإني أريد أن أشرح لسيادتكم الدافع والهدف اللذين يدفعانني إلي كتابة قصصي لا دفاعا عن نفسي : بل فقط لأكون قد أبلغتكم رأيي ، أنا لا أكتب القصص بدافع الربح المادي فإني مازلت أقل كتاب القصص ربحا ولا أكتبها بدافع الرغبة في رفع توزيع المجلة فقد كنت أكتب هذه القصص في الوقت الذي لم تكن المجلة في حاجة إلي رفع توزيعها ... وإذا كان رفع توزيع المجلة يعتمد علي نشر القصص المسلسلة فان القصص الاجتماعية الصريحة ليست وحدها التي ترفع التوزيع وقد سبق أن نشرت في روزا ليوسف قصة " في بيتنا رجل " وهي قصة وطنية خالصة ليس فيها مشكلة حب ولا مشكلة جنس ورغم ذلك فقد رفعت هذه القصة من توزيع المجلة أكثر مما رفعته قصة "لا أنام" مثلا التي تدور حول مشكلة عاطفية ... فأنا لا أتعمد اختيار نوع معين من القصص أو اتجاه معين .. ولكن تفكيري في القصة يبدأ دائما بالتفكير في عيوب المجتمع وفي العقد النفسية التي يعانيها الناس وعندما انتهي من دراسة زوايا المجتمع أسجل دراستي في قصة.. وكل القصص التي كتبتها كانت دراسة صادقة جريئة لعيوب مجتمعنا ، وهي عيوب قد يجهلها البعض ، ولكن الكثيرين يعرفونها وهي عيوب تحتاج لجرأة الكاتب حتي يتحمل مسئولية مواجهة الناس بها ومنذ سنين عديدة وجدت في نفسي الجرأة لتحمل هذه المسئولية ..
والهدف من إبراز هذه العيوب هو أن يحس الناس بأن أخطاءهم ليست أخطاء فردية بل هي أخطاء مجتمع كامل أخطاء لها أسبابها وظروفها في داخل المجتمع ونشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون وسيؤدي بهم السخط إلي الاقتناع بضرورة التعاون علي وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا تتسع للتطور الكبير الذي نجتازه وتحمي أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التي يتعرضون لها نتيجة هذا التطور وهذا هو الهدف الذي حققته قصصي لقد بدأ الناس يسخطون ولكنهم بدل أن يسخطوا علي أنفسهم وبدل أن يسخطوا علي المجتمع سخطوا علي الكاتب أي سخطوا علي أنا .. ولكني كنت مؤمنا بأن مع استمراري وتصميمي سينقلب السخط علي إلي سخط علي عيوب المجتمع ومن ثم يبدأ الناس في التعاون علي إصلاح ما بأنفسهم .
وأن ما أراه يا سيدي الرئيس في مجتمعنا لشيء مخيف إن الانحلال والأخطاء والحيرة والضحايا كل ذلك لم يعد مقصورا علي طبقة واحدة من طبقات المجتمع بل امتد إلي كل الطبقات وحتي الطبقة الثورية بدأ الجيل الجديد منها ينجذب إلي مجتمع الخطايا وأصبحت البيوت المستقرة التي تقوم علي الخلق القوي والتقاليد القويمة بيوتا لا تمثل مجتمعنا بل تمثل حالات فردية متناثرة هنا وهناك ... وقد أبلغني صديقي هيكل أن سيادتكم قد فوجئت عندما قرأت في إحدي قصصي " البنات والصيف " ما يمكن أن يحدث داخل الكبائن علي شواطئ الإسكندرية ..والذي سجلته في قصصي يا سيادة الرئيس يحدث فعلا ويحدث أكثر منه وبوليس الآداب لن يستطيع أن يمنع وقوعه والقانون لا يحول دون وقوعه .. إنها ليست حالات فردية - كما قلت - إنه مجتمع .. مجتمع منحل .. ولن يصلح هذا المجتمع إلا دعوة إلا انبثاق فكرة، تنبثق من سخط الناس، كما انبثقت ثورة 23 يوليو.. لهذا أكتب قصصي .
كانت هذه سطور الرسالة التي كتبها إحسان عبد القدوس إلي الرئيس جمال عبدالناصر ويقول في مقدمتها انه لا يتذكر هل أرسلها بالفعل الي الرئيس أم ظلت حبيسة الإدراج إلي أن أفرج عنها في هذا الكتاب .
وجهك ليس فتوچنيكيا
قد يعتقد البعض إن الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس تميز بكتابة الرواية الطويلة ولكنه في الواقع كتب القصة القصيرة بنفس قوة الرواية الطويلة حتي أن معظم القصص القصيرة تحولت إلي أعمال سينمائية مثل الراقصة والطبال ،العذراء والشعر الأبيض يا ابنتي لا تحيرني معك وبئر الحرمان وأين عمري والوسادة الخالية والبنات والصيف ودمي ودموعي وابتسامتي والرصاصة لا تزال في جيبي وغيرها.
ومن بين هذه القصص القصيرة اخترت قصة "فوتوجنيك " كتب يقول فيها : أنا مصور فوتوغرافي..
بدأت هاويا ، وانتهيت محترفا ولا أدري متي بدأت هوايتي ... بل أني لا أذكر يوم من عمري لم احمل فيه بين يدي آلة تصوير . فقد كان والدي من هواه التصوير أيضا، وكنت و أنا صغير أجري لأخطف آلة التصوير ، وأضمها إلي صدري فرحا ضاحكا كأني أضم كل ما في الدنيا ... وكنت إذا بكيت لا أسكت ألا إذا جاءت لي والدتي بآله التصوير.. وإذا أرادوا إن يسقوني ا(شربه) أو دواء مر تحايلوا علي باعطائي أله تصوير ..وعندما أصبحت في العاشرة من عمري ، ونلت الشهادة الابتدائية، أهداني والدي اله تصوير ، ومن يومها وأنا أري الدنيا وأري الناس، من خلال عدسه الكاميرا. لم يكن ما أراه بعيني يصلح للحكم علي الأشياء..
كان الحكم دائما لعدسه الكاميرا ..أي أني لو رأيت رجلا بعيني لا أستطيع أن احكم عليه لا أستطيع أن أحبه أو اكرهه..لا أستطيع أن احكم علي أخلاقه... وإنما كل ما يحدث لي أن يثير هذا الرجل اهتمامي أو لا يثيره.
وتقول سطور القصة: أن الوجه الذي تراه عينيك، يختلف عن نفس الوجه إذا التقطته أله التصوير .. فقط تري عينيك وجه فتاه في غاية الجمال ..ولكنك إذا التقطت صورتها بالعدسة وجدتها في الصورة أقل جمالا ..بل قد لا تكون جميله أبدا ..وهذا الاختلاف هوالذي أدي إلي تقسم وجوه البشر إلي :وجوه (فوتوجنيك )ووجوه (ليست فوتوجنيك) ..وهذا الخلاف بين عين الكاميرا وعين الإنسان وقد يبدو ضئيلا بالنسبة للرجل العادي ولكنه بالنسبة لفنان مثلي كبيرا ..
كبيرا جدا!..و بدا هذا الخلاف يحيرني منذ مده طويلة....كنت أسأل نفسي: ما الذي يجعل بعض الوجوه فوتوجنيك والبعض الاخر ليس فوتوجنيك؟؟؟ !!!...
من الناحية العلمية يستطيع أي أخصائي في التصوير أن يقول لك أن الظلال التي تلقيها ملامح الوجه هي التي تؤثر في مدي صلاحيته للتصوير، أي قد يكون وجهك جميل ولكن الظل الذي يلقيه أنفك علي وجنتيك يجعل وجهك يبدو في الصورة مسطحا ، فيصبح وجهك ليس فتوجنيكيا!!!..
عين الكاميرا أصدق
ويستمر الكاتب الكبير يسرد أحداث روايته قائلا: هناك سؤال أعمق... وأخطر!!؟ هل الفرق بين ما تراه عين الإنسان، وما تراه عين الكاميرا هو مجرد فرق في الشكل ..في المظهر الخارجي
...أي هل كل الفرق ينحصر في أن الوجه الذي تراه عين الإنسان جميلا قد يبدو في الصورة الفوتوغرافية أٌقل جمالا ... أم هو فرق في الحقيقة التي تختفي خلف الوجه ...حقيقة الشخص نفسه أخلاقه.. طباعه.. نياته .!! بمعني أخر ، هل تلتقط الكاميرا صوره الوجه فقط، أم تلتقط مع الوجه صوره الأخلاق والنيات؟؟سؤال خطير، لكني وجدت الجواب.الجواب هو أن الكاميرا تلتقط أيضا صوره الأعماق... صوره أخلاق كل ما يقف أمامها... فأنت - أو علي الأصح - أنا - أستطيع أن اعرف أخلاق الشخص من صوره الفوتوغرافية... بل أني لا أطمئن للشخص ألا بعد أن التقط صورته، وأدقق فيها لأعرف أخلاقه ونياته، وكثير... كثير جدا ... يحدث أن تلتقي بشخص وترتاح إليه وتطمئن لنياته ولكنك إذا التقطت صورته ودققت النظر فيها وجدت ملامحه تنطق بالخبث، والجشع، وسوء النية ..وعليك في هذه الحالة أن تصدق عين الكاميرا ولا تصدق عينيك ، لأن عين الإنسان - كما قلت لك - مشكوك في صدقهما ، وأصبحت هذه نظريتي في الحياة أري الناس والأشياء من خلال عدسه الكاميرا ، واحكم علي الناس والأشياء كما تحكم عليهم الكاميرا ... وكنت أسير في الحياة وفي يدي عدسه سحريه تطلعني علي خبايا النفوس.. عدسه الكاميرا!!.. إلي أن التقيت بسعاد.. رأيت سعاد من النظرة الأولي ..جميله .. رائعة وجهها ينم عن البراءة ...وعينها تشعان بذكاء طيب هادئ.. وابتسامتها تطرق قلبك بحنان غريب... أو شعرها منسدل علي كتفيها في راحة، كأنه منذ ولدت نائم في مكانه لم يوقظه احد. رأيتها كما أري حلم عشت فيه عمري كله... لم تسنح لي فرصه لتصويرها لأسابيع طويلة ولكني لم أكن في حاجه إلي تصويرها... كانت صورتها تزداد وضوحا في عيني يوما بعد يوم ...وحديثها الشائق يقودني إلي أعماقها... أعماق من النور ، وأحببتها ... أحببتها إلي حد أني كنت أنسي الكاميرا وأنا بجانبها... نعم إلي هذا الحد أحببتها.. ثم .. التقطت لها صوره بعين الكاميرا ...لم التقط صورتها لأني كنت أريد أن أعرفها أكثر.. فكنت واثق من أني لست في حاجه لأعرفها أكثر
وذهبت لمعملي وحمضت الصورة ، ثم أضاءت النور ونظرت إليها وأنا مطمئن النفس ...واثق من النتيجة .. ولكن.. أنها ليست فتوجنيك ! أن وجهها يبدو مسطحا..باهتا ...وابتسامتها تبدو مفتعله ..وفي عينها خبث.. وبشرتها تبدو خشنه وكأنها بشره فتاه أنهكتها التجارب لا ..لا يمكن ...لابد أن شيء حدث وأنا ألتقطها هذه الصورة ..!!؟؟
التقطت لها صوره أخري ..وثانيه ...وثالثه .. وعشرات الصور.. في أوضاع مختلفة.. من زوايا مختلفة... وعكست عليها النور من جميع الجهات..وصورتها دون أن تدري.. وصورتها وهي تدري ... و... والنتيجة واحدة.. أنها ليست فوتوجنيك .. أن عين الكاميرا لا تريد أن ترحمها. عين الكاميرا لا تريد أن تكذب.. ولكن من قال أن عين الكاميرا أصدق من عين الإنسان؟؟! أما هذه النظرية السخيفة التي ابتكرتها،أمنت بها !!. كيف اجعل هذه الإله الصماء -الكاميرا - تتحكم في منطقي وفي حكمي علي الأشياء والناس، ثم أتركها تتحكم الآن في عواطفي. هذه نظرية جوفاء.. هذه سخافة.. أني أحب سعاد... والحب هو الحقيقة الحب هو الصدق الحب هو حياتيّ...!! هجرت الكاميرا ...تركتها ...لم اعد أري الدنيا من خلال عدستها بل لما اعد ألتقط بها صورا... تركت التصوير الفوتوغرافي كل ما فعلته قبل إن اهجر الكاميرا والتصوير هو أني جئت بأحدي صور سعاد، وأجريت عليه بيدي رتوش كثيرة حتي بدت جميله ...جميله جدا..وأهديتها الصورة ذات الرتوش... الصورة المزورة... ثم تزوجتها...أتدري ماذا حدث؟؟ بعد سنه طلقت سعاد...لقد كانت عين الكاميرا ،أصدق من عين الإنسان...وعدت إلي الكاميرا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.