الذين صنعوا النصر هم البشر وهم أيضا القادرون علي صنع الحجر جملة سمعتها من شيخ مسن منهك القوي يعيش في بيت متواضع بابه ستارة من شعر الابل. في غرفة الضيافة لم نجد سوي حصيرة مهلهلة ووسادة محشوة بالليف والرمل. بجوارهما كيس بلاستيكي مليء بأصناف متعددة من علب الدواء.. هذا المسن المريض يوما ما كان من اسباب انتصار اكتوبر هو ومثله من بدو سيناء كانوا حصنا منيعا ضد ضياعها ولكن الحكومات لم تهتم بالحجر ولم تلق بالا للبشر. الشيخ عودة صباح الوليمي العرابين يعيش بالمنبطح بسيناء لايملك إلا آلامه والذكريات. كانت معاناتنا تحت الاحتلال كبيرة تعرض كل من تشككت فيه قوات الاحتلال للعنت والتضييق والامتهان.. والسجن والتعذيب كما حدث معي. يقول عودة الوليمي.. بعد أن أفشلنا مخطط اسرائيل باعلان تدويل سيناء في مؤتمر الحسنة الذي دعا إليه موشي ديان الاعلام العالمي ودعانا لنعلن مطالبنا بذلك بعدها بدأت اسرائيل تتعنت معنا. ورغم ذلك لم نأبه لتعنتها وبدأت مع عدد كبير من أبناء سيناء في العمل مع المخابرات الحربية. قمت بعدة عمليات ناجحة في جمع معلومات عن العدو. وتنفيذ عمليات خلف خطوطه ومنها تفجير مستودعات ذخيرة وقبل إحدي العمليات قبض علي وسجنت عاما تعرضت فيه للأذي البدني والتعذيب والشديد.. عشت حرب1967 وعمري20 سنة, رأيت جنودنا يقتلون بدم بارد بعد أسرهم في الجورة وفي منطقة الطويل رأيت مجنزرة اسرائيلية تستوقف27 جنديا مصريا عند انسحابهم وتأمرهم قائدة المجنزرة( فتاة) بالانبطاح وتسحقهم.. وفي منطقة خلف العريش رأيت اكثر من25 جنديا علي بئر يشربون منها بعد رحلة علي الاقدام لعشرات الكيلو مترات وهبطت بجوارهم طائرة مروحية( هيلكوبتر) وبينما هم ينظرون اليها في استسلام واندهاش حصدتهم بالرصاص وقذف بهم اليهود في البئر وأهالوا عليه التراب هكذا حكي المجاهد البطل حسن خلف من الجورة عن هؤلاء البائسين. ويضيف: شاهدت كل هؤلاء وغيري شاهد الجنود موتي بلا قبور وإن لم تكشف عن جثثهم أو تعرف قبور دفنهم إلي الآن ولكنها معروفة لنا نحن ابناء سيناء وهي تحت الرمال الصوان والكثبان الرملية.. كيف أثرت فيك هذه الاحداث؟ سألت البطل العظيم فقال: غلت الدماء في عروقنا نحن أبناء سيناء وبدأنا في التفكير في فعل شيء. تسللت ضمن800 شاب من أبناء سيناء وعبرنا القناة. واتجهنا الي المخابرات الحربية.. طلبنا التجنيد وأنشأ الجيش منظمة تحرير سيناء وكنت في مجموعتها الأولي ومعي الأبطال المجاهدون مبارك صلاح براك جهينة عبد الكريم داف سليمان مغنم عبد المعطي فلاح وغيرهم بعضنا كان من الصعيد والسويس والاسماعيلية, ويستطرد البطل الفدائي حسن خلف: أقمت في بورسعيد حسب مقر قيادتي. وكان يطلب منا عبور القناة لتنفيذ عمليات خلف خطوط العدو.. والعبور نفسه كان صعبا يقترب من المستحيل.. دشم حصينة علي خط بارليف.. كاميرات تصور سطح الماء.. رشاشات مصحوبة لو كشفت الكاميرات أحدنا تتحول القناة إلي جهنم كما حدث عندما اكتشفونا بعد أن عبرت مجموعة قبلنا.. وفتحوا علينا النار... استشهد منا حسين المسعودي. لم نترك جثمانه حملناه... ودفن في جنازة عسكرية رغم أنه مدني... ويحكي البطل المناضل حسن خلف عن قيامه مع رفيقه واكد عطا الله مجند من أبناء سيناء بتخريب وتفجير موقع اسرائيلي ولا يتوقف عن ضرب موقعنا رغم أن بور فؤاد الشرقية لم تحتل لحمايتها بالملاحات. وتسللنا ب20 صاروخا ومعي22 مجندا فصبناها ولم يشعر بنا اليهود.. في الليلة الثانية اكتشفونا ضربونا بالهاون لم تصبنا الدانات التي كانت تطلق علينا لأنها كانت تنزل في طين الملاحات فتتناثر محملة به فيقل تأثيرها وبعد أن نصبنا الصواريخ عدنا في الليلة الثالثة لتفجيرها. اقتربنا من الموقع ضربنا موقع العدو بالقنايل الفسفورية. صرخ واكد: الحقني ذراعي طار وكثرت الاصابات في المجموعة. اتصلت بالقائد ولكن اليهود التقطوا الاشارة نشروا الاضاءات الكاشفة لم نجد حلا سوي أن يطلق موقعنا المدفعية الثقيلة لضرب الكشافات لتغطية انسحابنا.. ومكثنا لأكثر من ساعة ننتظر حتي بدأ موقعنا في اطلاق مدافعه بعد أن استطاع قائد الموقع أن يتصل بقائد القطاع الشمالي ليعرض عليه الأمر ويأخذ موافقته حتي يستطيع قائد مدفعية الجميل الضرب.. وهو ما حدث بعد ساعة ففجر دبابة ودمر الكشاف. فانسحبنا.. الجنود المصريون الذين لم تصبهم رصاصات العدو الاسرائيلي نقلناهم الي قبيلة البياضية في بئر العبد لاعادتهم الي مصر, هكذا قال البطل يوسف براك النعامي أضاف: هربت من الحرب مع مجموعة من السواركة الي منطقة بعيدة عن العريش. رأينا50 جنديا يسيرون بأسلحتهم الخفيفة كانت حالتهم تعسة جوعي وعطشي ومنهكين. جمعهم الشيخ عيد ابو جرير شيخ قبيلة السواركة أمر النساء أن تخبز لهم الدقيق القليل معنا, رغيف واحد لكل جندي. وبدأنا في البحث عن رفاقهم من الجنود المنسحبين والتائهين من كل مناطق سيناء. وتم توصيلهم الي البياضية. ولكن كان هناك عدد كبير مازال في سيناء في حين وصلت قوات العدو الاسرائيلي الي شاطيء القناة. كان الشيخ خلف الخلفات من السواركة يأوي عددا منهم: ظلوا عنده شهرا. ساعدناهم في الوصول الي مصر بعد أن عالجنا المصابين منهم وكان بعض الجنود قد أصر علي البقاء مع زملائهم الجرحي حتي يعودوا معهم واجهتنا مشكلة تهريبهم فقد حكم اليهود السيطرة علي سيناء. أخذنا البطاقات الشخصية غير المستعملة من السجل المدني, وسجلنا عليها اسماءهم علي أنهم من قبيلة السواركة وظل بعضهم لمدة ثلاثة أشهر حتي سمح اليهود لمن أراد من أبناء سيناء الخروج فأخرجناهم الي فلسطين ومنها الي الأردن علي أنهم من بدو سيناء. وهناك سلموا أنفسهم للسفارة المصرية فأعادتهم. أتحدي أي دولة أن يكون فيها أبطال مثل هؤلاء الأشباح هكذا ابتدرني الكاتب الكبير ابراهيم مسعود صاحب رواية إعدام ميت سألته من هم الأشباح؟ فقال. أربعة أبطال حسن خلف الله والحاج سلامة صف ضابط سيناوي براك جهينة وعبد الكريم دافي.. ولفظ الأشباح هو الذي أطلقه عليهم موشي ديان عندما تعرض لاستجواب في الكنيست الاسرائيلي أثناء حرب الاستنزاف وانتقاده لعجزه عن السيطرة علي مواقعه والقبض علي من يقومون بهذه العمليات فقال: أنا أتعامل مع أشباح.. وهو الذي أطلقه ابراهيم مسعود علي مسلسل تليفزيوني يحكي بطولات هؤلاء وتوقف بعد الاتفاق عليه واعداده للتصوير بعد أن أمضي في كتابته سنوات يقول: عندما جلست أسجل حكايات بطولاتهم قالوا: لم نفعل سوي ما يمكن أن يفعله أي مصري ومضي ابراهيم مسعود يحكي عنهم قائلا كان اللواء صلاح الهادي قائد الخدمة السرية بالمخابرات الحربية وساعدني في الوصول اليهم ورأس مجموعتهم الرائد وقتها مدحت مرسي الذي كون مجموعته عيون الاستطلاع بالتعاون مع شيوخ سيناء ودرب البدو علي الأعمال الفدائية ودربوا5 جمال علي العوم في مياه القناة ليستخدمها بعد ذلك كمنصات لإطلاق الصواريخ, وعلم رجاله كيفية ضبط زوايا الإطلاق, فقاموا بتدمير كثير من المواقع الاسرائيلية منها أكبر مخازن الذخيرة وقاموا بأروع البطولات وتسابقوا إلي الشهادة حتي كاد حسن خلف الله وبراك أن يقتل أحدهما الآخر للفوز بالشهادة.. ففي إحدي العمليات توجها لتفجير أحد المواقع وعند التنفيذ تعطلت وصلة المفجر لكنهما أصرا علي إتمام العملية فكان علي أحدهما أن يستخدم المفجر ملاصقا تقريبا للعبوة وحتما سيؤدي ذلك الي موته وهنا بدأ الخلاف حول من يفوز بالشهادة ويفجر الموقع فاقترعا فكانت القرعة من نصيب يوسف فلم يقبل حسن اشمعني انت تموت وتكسب الشهادة فتعاركا بالأيدي وفي ذهن كلا منهما أن تخور قوي الاخر فينهض هو مسرعا وينفذ العملية ويموت ولم يتغلب أحدهما علي الاخر ومن الاجهاد وقعا في الحفر التي حفراها للتنفيذ.. وحان موعد العملية فاتفقا علي تفجيرها معا وهو ما حدث ومن شدة التفجير انهالت عليهما الرمال وهما في الحفرة وحمتهما من الموت وبدأ حسن يحفر بيده لإزاحة الرمال ثم حفر وأزاحها عن براك ونجا الاثنان من الموت وخسرا الشهادة كما قالا.