فى الحلقة الماضية كتب السفير بسيونى صفحة جديدة من تاريخ حرب أكتوبر أكد فيها أن العميد يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 مشاة هو البطل الحقيقى للمقاومة الشعبية فى السويس، وأن الدبابات البرمائية التى نقلت جنود العدو لمنطقة الدفرسوار فى الثغرة كانت من آليات الجسر الجوى الأمريكى أثناء الحرب، مضيفا أن قوات العدو كانت كتابا مفتوحا للجيش المصرى بفضل عناصر المخابرات والاستطلاع. ويواصل السفير بسيونى فى حلقة اليوم قائلا: إنه عندما انتهت الحرب تسابق جنرالات إسرائيل فى كتابة مذكراتهم، حيث اجتمعوا على قلب رجل واحد - رغم أنهم اتفقوا على ألاّ يتفقوا- اتفقوا جميعًا أن المقاتل المصرى كان المفاجأة الحقيقية فى حرب كيبور، حقيقة اعترفت بها جولدا مائير، وموشيه ديان، وإيلى زعير، وديفيد بن إليعازر، وحاييم هيرتسوج رئيس المخابرات العسكرية الأسبق، وزئيف شيف الخبير الاستراتيجى والمحلل العسكرى الإسرائيلى الأشهر.. كل هؤلاء وهؤلاء وغيرهم الكثير والكثير قد آمنوا بقدرة المقاتل المصرى على فعل المستحيل من أجل النصر أو الشهادة. وأقرب مثال على ذلك -كما يقول السفير بسيونى- هو المقدم طيار أحمد فكرى قائد سرب الطيران المصرى على الجبهة السورية، والذى نجح بقدرة الله أولاً ودقة التنفيذ والتخطيط ثانيا، أن يسقط بطائرته (الميج 17) الطائرة الفانتوم الإسرائيلية، وهى الطائرة التى كان يقال عنها ملكة الجو فى الجيش الإسرائيلى، لأنها كانت أحدث ما أنتجته الترسانة الأمريكية فى ذلك الوقت، وهى الطائرات التى خصت بها أمريكا إسرائيل فى حربى 67 و73. والطائرة الفانتوم أو ال f4 - كما يقول السفير بسيونى كانت تساوى بالتقريب تسليح سرب كامل من طائرات الميج.. وكان سقوط الفانتوم بالطائرة الميج 17 معجزة حقيقية، لعدم وجود وجه مقارنة بينهما، وقد شبه خبراء العسكرية والمعارك الجوية الطائرة الفانتوم التى كان يقودها الطيار الإسرائيلى بسيارة «مرسيدس» موديل 2011 فى حين كانت الطائرة الميج 17 التى يقودها الطيار المصرى المقدم أحمد فكرى لاتختلف كثيرا عن السيارة ال «فولكس» موديل 56.. ومن هنا كانت المعجزة.. معجزة المقاتل المصرى الذى يدخل المعركة وهو يعلم أنه سيموت لا محالة.. ولكنه أدرك بقوة إيمانه أن الله أكبر وأن النصر لايكون بالسلاح فحسب، ولكن بعقيدة المقاتل الذى يحمل هذا السلاح والإيمان الذى يتحلى به هذا المقاتل. كما تجلت شجاعة المقاتل المصرى فى أنه نجح أيضا فى قطع ذراع إسرائيل الطويلة التى لا تقهر وذلك عن طريق صواريخ «استريللا» المحمولة على الكتف، وكانت تلك الصواريخ مفاجأة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، لأنه لأول مرة فى تاريخ الحروب أن يقوم جندى دفاع جوى بإسقاط طائرة فانتوم بواسطة صواريخ محمولة على الكتف. ومن خلال خزانة أسراره كشف السفير بسيونى أن القيادة العسكرية المصرية قامت بتدريب كتائب كاملة من أفراد الدفاع الجوى على مواجهة طائرات العدو بتلك الصواريخ التى نجحت فى إسقاط عدد لابأس به من طائرات العدو لدرجة أنه فى عملية واحدة استطاع أربعة من أبطال الدفاع الجوى من اسقاط 4 طائرات فانتوم فى أول أيام الحرب، حيث حاولت تلك الطائرات إسقاط حمولتها على رؤوس الكبارى والمعابر، بالقرب من شط القناة والمفاجأة أنه فى طريق عودتها انطلقت تلك الصواريخ كالسهام المارقة بمعرفة 4 من «نشنجية» الطيران فى سيمفونية قتالية لم يسبق لها مثيل فى تاريخ العلوم العسكرية. وقد اعترفت - كما يقول السفير بسيونى - لجنة اجرانات التى تم تشكيلها لمعرفة أوجه التقصير فى حرب كيبور بكفاءة المقاتل المصرى، وخاصة قوات الكوماندوز الذين قاتلوا خلف خطوط العدو ببسالة منقطعة النظير وكان لهم دور بارز فى ضرب احتياطى العدو الإسرائيلى بأسلحة مضادة للدروع مثل آر بى جى والبازوكا والمالوتيكا وقد اعترف جنرالات اسرائيل كما جاء فى مذكراتهم أن تلك القوات كانت تقاتل وكأنها فى مهمة انتحارية. وباعتراف حاييم هيرتسوج المتحدث العسكرى الإسرائيلى ومدير المخابرات الأسبق يقول السفير بسيونى إن 30 مقاتلا من قوات الصاعقة والكوماندوز المصرية نجحوا فى صد هجوم لواء مدرع بمدافع البازوكا، ولذلك قال حاييم كنا نعتقد المصريين جذوع نخل، ولكن رأيناهم كالأشباح التى تظهر فجأة وتختفى أيضًا فجأة. أما «سادة المعارك» وهم أفراد «سلاح المشاة»، فقد رأيتهم - كما يقول السفير بسيونى. يتسابقون على الفوز بالشهادة ودخول الجنة فى نهار رمضان، تساوى فى ذلك القادة بالجنود، الكل كان يسعى لتقديم روحه فداء لمصر، فداء لتحرير الأرض والعرض، أدركوا مبكرا أن مصر فوق الجميع، وأنها وطن يعيش فينا، بالإضافة إلى كونها وطنا نعيش فيه، كما قال البابا شنودة مؤخرًا. ومن خلال أوراقه يروى السفير بسيونى سرًا يذاع لأول مرة يكشف حكاية بطل.. حكاية جندى مشاة قلما يجود الزمان بمثله، شاب فى مقتبل العمر، وحيد على أربع بنات، لم يدع البطولة الزائفة، ولم يهرب من ساحة القتال، ولم يفكر فى الحياة قدر تفكيره فى الفوز بالشهادة، هذا الجندى البطل ظل رابضا فى حفرته حتى تأتى الفرصة المناسبة لاصطياد جنود العدو.. وحانت ساعة الصفر عندما رأى 8 من الجنود الإسرائيليين يتوجهون إلى خيمة القائد الذى أصابته قذيفة أقعدته عن الحركة ورفض -رغم اصابته- ترك الميدان، وحتى يكتمل المشهد يقول السفير بسيونى: عندما استعد الجندى لاصطياد الجنود أصابته رصاصة فى الكتف فلم يعبأ بها وفى بطولة منقطعة النظير حصد الجندى البطل أحمد همام أرواح الجنود الثمانية فى لمح البصر، ثم وافته المنية فيما بعد، ليكتب النجاة لقائده، الذى حكى سيرته من بعده، وكتب تقريرا شاملا عنه لرعاية أسرته، حيث تبين أنه أخ لأربع بنات ولم يقل إنه وحيد والديه حتى ينال شرف النصر فى حرب أكتوبر أو الفوز بالشهادة على رمال سيناء ومع استشهاد جنود المشاة على خط المواجهة فقد تسابق القادة أيضا على الفوز بالشهادة، ولن ينسى التاريخ أو رفقاء السلاح الشهيد البطل أحمد حمدى أحد عمالقة سلاح المهندسين العظام، الذى كان ولا يزال مثالا حيا على التضحية والبطولة.. أحمد حمدى مهندس معبر الشط، وصاحب الفضل الأكبر فى عبور قوات الجيش الثالث الميدانى لشرق القناة.. تغلب على المواقع والمواقع بنفس أبية، وروح فولاذية، قال صراحة: إذا لم تعبر الدبابات والمدرعات والمركبات من على معبر الشط.. سأموت حتى تعبر على جسدى، ويتذكر السفير بسيونى أنه فى قطاع الجيش الثالث واجهت العميد أحمد حمدى قائد قوات كبارى العبور صعوبات لا حصر لها كان أخطرها تلك التربة الصخرية التى لم تنفع معها مدافع المياه، وبحث القائد الشهيد عن حلول أخرى، حتى نجح فى إقامة معبر الشط الذى تحمل الجزء الأكبر من نقل معدات الجيش الثالث إلى شرق القناة. ويبدو أن القدر قد كتب لهذا البطل الشهادة فبعد ضربة الطيران الأولى والتى تجاوزت ال 200 طائرة، وقصف مواقع القيادة والسيطرة والشوشرة فى أم مرجم وأم خشيب، والجدى ومتلا، ومطارات المليز، وتمادا، ورأس نصرانى.. استيقظ العدو على واقع أليم، وقام بهجمات مضادة ضد المعابر ورؤوس الكبارى لإعاقة تقدم القوات المصرية شرق القناة وأصابت قذيفة طائشة المعبر.. عندها قام العميد أحمد حمدى بإصلاحه، وعاود الطيران الإسرائيلى الضرب مرة أخرى وبادر العميد حمدى بإصلاحه بنفسه للمرة الثانية.. وفى المرة الثالثة رفض الشهيد حمدى مغادرة الموقع وسط لهيب النيران وقال بلسان الواثق بالله، الراغب فى الشهادة «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، وفى تلك الأثناء تطايرت إحدى الشظايا ليفوز قائد قوات المعابر بالشهادة، وينضم إلى زملائه الأبرار ليؤكد من جديد أن جنود مصر هم خير أجناد الأرض. وفى درس عملى يقدم السفير بسيونى مشاهد حية وصفحات مجهولة من حياة الشهيد البطل العميد أ. ح إبراهيم الرفاعى ليكون عنوانا كبيرا، ودليلا أكيدا على وفاء أبناء مصر الذين قاتلوا العدو فى ميادين القتال وظلوا رابضين فى الخنادق 6 سنوات كاملة فى انتظار شرارة البدء و ساعة الحسم، منتظرين فى تأهب وترقب حتى أطلقوا عليهم مرضى الخنادق. والشهيد البطل العميد أركان حرب إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 قتال، لم يكن من أبطال حرب 73 فحسب، بل كان مقاتلا شرسا أيام العدوان الثلاثى فى بورسعيد وحرب اليمن و67 عندما اشتبك مع قوات العدو فى منطقة الممرات. ويتابع السفير بسيونى قائلا: كنت شاهد عيان على كل بطولات إبراهيم الرفاعى فى سيناء بل كنت من المشاركين فى تخطيط تلك العمليات لطبيعة عملى فى المخابرات الحربية لمدة تزيد على 14 عاما وأتذكر أن إبراهيم الرفاعى له بطولات كثيرة منها اشتباكه مع العدو فى منطقة رمانة وضربه «قول» إسرائيليا أثناء تقدمه فى اتجاه مدينة القنطرة شرق. ويسترسل السفير بسيونى مضيفا إن المجموعة 39 قتال التى شكلها العميد أ.ح إبراهيم الرفاعى نجحت فى تنفيذ عمل مخابراتى لن يمحى من ذاكرة العسكرية المصرية، وكان ذلك عام 68 عندما علم الفريق عبد المنعم رياض بأن العدو يمتلك صواريخ أرض- أرض يمكنها ضرب الحشود المصرية على الضفة الغربية للقناة إذا فكرت فى العبور باتجاه الشرق.. وطلب من إبراهيم الرفاعى معلومات متعلقة بمدى الصاروخ وقوة تأثيره على الأفراد والمعدات والمدرعات، وعن نظم التوجيه.. وعلى الفور انتفض الرفاعى كالصقر بلله القطر،وقام مع مجموعة من خيرة الضباط والجنود بالعبور إلى الضفة الشرقية للقناة، وتمركز خلف خطوط العدو فى بطولة منقطعة النظير، وتمكن من الوصول لقاعدة الصواريخ والاستيلاء على بعض منها، ثم ركض، وعاد من حيث أتى و هو العمل البطولى الذى كشف زيف أسطورة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وأهم ما كان يميز البطل إبراهيم الرفاعى كما يقول السفير بسيونى إنه كان يفضل القتال خلف خطوط العدو، فقبل 73 عبر 72 مرة إلى سيناء ونجح فى تفجير مخازن الذخيرة التى تركتها القوات المصرية، إثر الانسحاب المفاجئ فى 67 أما فى حرب 73 فقد نسف آبار البترول فى بلاعيم وأبورديس وتدمير خطوط الإمداد والتموين، لحرمان العدو من الاستفادة من البنزين والسولار، وقصف منشآت العدو فى الطور وشرم الشيخ ورأس محمد ورأس نصرانى. استشهد البطل إبراهيم الرفاعى صائما بعد أن وصلت شهرته الآفاق، وتكلم عنه العدو قبل الصديق، كان يعمل فى صمت.. عاش من أجل مصر، لم يبحث عن منصب، ولم يقاتل من أجل مصلحة، أقبل على الموت.. حتى يهب لشباب الثورة الحياة، إنه بطل من القوات المسلحة الذين لايعرف أقدارهم إلا الرجال.. رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه..ه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. ولله الأمر من قبل ومن بعد. فى العدد القادم حديث خاص عن المخابرات المصرية.