مثلك تماما سمعت كثيرا عن مصطلح « السياحة البيئية « ..ومثل كثيرين لم أكن أعلم عنه أكثر مما يوحى به اسمه: هو السياحة التى تعتمد على البيئة وتهتم بها ..لكن الحقيقة المبهرة كانت على ارض الواقع ..أرض سيناء ماهى السياحة البيئية ؟ مخيم صغير يقع فى أحضان جبل مطل على البحر ..و رغم سحر و روعة الموقع ,الا أنه ليس متفردا بالروعة التى تميز الساحل الممتد من طابا وحتى نويبع ..تشعر باختلاف المخيم للوهلة الاولى و قبل حتى ان تطأه قدمك ,فاللوحة التى تحمل اسمه كتبت بالاصداف الكبيرة و بخط « بدائى « متعمد..أما الدهشة الحقيقية فستنتابك بمجرد الوصول الى « خيمة « الاستقبال حيث يستقبلك شاب بدوى بسيط ليطلب منك خلع حذائك !! مع ان الارض مفروشة بالابسطة البدوية فوق الرمال مباشرة..لكن مهلا , لا تعلن دهشتك قبل ان تستمع الى باقى تعليمات المخيم و التى تقال للاجانب قبل المصريين . ممنوع تقديم الخمور أو جلبها وممنوع الجلوس على الشاطئ بدون رداء العوم كاملا ( حيث يهوى كثير من الاجانب ارتداء قطعة واحدة ) وممنوع تبادل المواقف الحميمة علانية وممنوع لمس او صيد اى كائنات بحرية المخيم لا يقدم خدمات الانترنت وليس به تليفزيون ولا يوفر كهرباء فى اماكن الاقامة!! ويقدم وجبة واحدة و فيما عداها عليك ان تطهوه بنفسك فى مطبخ يعتمد على اوان بدائية وبه ما قد تحتاج اليه من المكونات الاولية للطهى ..خذ ما شئت لكن عليك تسجيل ما اخذت فى ورقة مخصصة حتى تتم محاسبتك عند الرحيل (ثقة مطلقة !!) وعليك رمى القمامة منفصلة فى اماكن مخصصة للورق و البلاستيك و المواد العضوية اما اماكن الاقامة فهى عبارة عن « عشش « من البوص تقع فى مواجهة البحر مباشرة ..لا تحتوى العشة سوى على سرير أومرتبة مفروشة ببساط بدوى و «طبلية « عليها شمعة و علبة كبريت و مرآة صغيرة معلقة على البوص و بساط اخر يتدلى ك « ساتر « بديلا عن ..الباب ! قد تعتقد ان المخيم خال من السواح بسبب تلك التعليمات لكن المدهش هو اننى شاهدت بنفسى عددا كبيرا منهم يغادر اسفا لانه لم يجد مكانا !!! يقول شريف الغمراوى صاحب المخيم : هذه التعليمات هى « تلخيص « لمعنى السياحة البيئية و التى تعنى وجود اماكن ذات طبيعة و بيئة نادرة ووجود سائح يهدف لاستكشاف تلك الاماكن دون الاخلال او الاضرار بها أو تغييرها.. و بالرجوع الى الاحصائيات العالمية نجد ان السياحة قد بدأت فى الرجوع لاصلها الذى قامت من اجله وهو التبادل الحضارى و التعرف على البيئات الطبيعية وهو ما يعرف بالسياحة البيئية اذ ان 15% من مجمل السائحين فى العالم يهتمون بالسياحة البيئية و هو ما يقدر ب 100 مليون سائح و هذا العدد فى تزايد مستمر مما يوضح انها ستكون مستقبل السياحة ..و مصر بما لديها من مقومات يجب ان تستعد لدور هام فى هذا الاتجاه ويفسر الغمراوى بعض التعليمات السابقة قائلا : البيئة الطبيعية فى سيناء هى بيئة بدوية و هى التى تضفى طابعا خاصا على المكان و تجذب اليه السياح اكثر مما تفعل الجبال و الشطآن ..وبدو سيناء هم أهم مقومات السياحة البيئية و المجتمع البدوى له تقاليد رائعة يجب الحفاظ عليها و عدم تغييرها و يجب على السياح احترامها ..لكن فى نفس الوقت يعتبر أحد اهم اهداف السياحة البيئية هو التنمية الاجتماعية التى تتحقق من اختلاط البدو بالسواح فى تبادل حضارى يسهم فى تنميتهم و استيعابهم للثقافات الاخرى مع احتفاظهم بهويتهم و اعتزازهم بعاداتهم ..و الهدف الهام الاخر هو تنميتهم اقتصاديا حيث يستفيدون من السياحة البيئية التى تعتمد عليهم فى تنظيم رحلات السفارى بالجمال و السيارات و شراء ما يصطادونه من اسماك و ما يصنعونه من مشغولات يدوية و ايضا عمل بعضهم فى المخيمات السياحية لذلك تعتبر السياحة البيئية هى اسرع و اسهل و ارخص طريقة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية فى سيناء لماذا الارخص ؟ يجيب عن هذا السؤال الشيخ سليم محمد صاحب أحد المخيمات قائلا : انتشرت سياحة المخيمات بشكل سريع فى المنطقة الواقعة بين طابا و نويبع حتى ان عددها تجاوز المئة مخيم فى هذه المنطقة المحدودة و ذلك لرخص اقامتها و تكلفتها القليلة ..فالبدوى يملك الارض التى ورثها عن اجداده بوضع اليد مما شجع الكثيرين منا الى تحويل الخيام الى عشش نطلق عليها « خوش « ..و هذا التحويل لم يتكلف كثيرا خاصة انه تم بشكل تدريجى ومن الممكن القيام به اثناء اقامة السواح الذين ظلت اعدادهم تتزايد مما شجعنى انا شخصيا على التوسع فى اقامة العشش حتى بلغت 80 عشة و مع ذلك كانت تمتلئ عن اخرها معظم ايام السنة قبل ان تقوم الثورة و تداعياتها من انفلات امنى اثر على السياحة فى مصر كلها لكننا تأثرنا بشكل خاص لدرجة ان معظم ايام الاسبوع تخلو العشش من السواح الا عشتين او ثلاثة !! و يؤيده سلمان الذى يمتلك مخيما اخرا بقوله : اقامة المخيم لا تتكلف الكثير لان السياحة البيئية تعتمد على استخدام مواد طبيعية و من البيئة نفسها و تكون فى اغلبها من البوص و الغاب بمشتقاته و الطوب النييء و الاحجار النارية..و ليست مثل اقامة المنتجعات السياحية التى تتكلف الملايين و تحتاج الى سنوات طويلة قبل ان تبدأ فى استردادها لذلك تتنامى بسرعة موفرة العديد من فرص العمل و قد يعتقد البعض انها ستوفر العمل للبدو فقط لكن الحقيقة هى ان التوسع فى هذا النوع من السياحة السهل و الرخيص يوفر الالاف من فرص العمل للوافدين من المحافظات الاخرى ذات الوفرة فى الايدى العاملة لسببين , الاول هو ان البدو عددهم قليل جدا بالنسبة الى المساحة الشاسعة التى يسكنونها اذ لا يتجاوز نصف مليون نسمة يقيمون فى شمال و جنوبسيناء ! و السبب الثانى ان رجال البدو يرفضون العمل فى كثير من المهن فضلا عن عدم اجادتهم لها مثل الطهى و خدمة السواح و غيرها و يقتصرون فى السياحة على العمل كمرشدين يقودون السواح فى الجبال بجمالهم و سياراتهم ..لذلك فان اقامة المزيد من تلك المخيمات التى تخدم البيئة سيساهم فى تعمير سيناء تعميرا حقيقيا أما عن المشاكل التى تواجه هذا النوع من السياحة فيلخصها أحد مالكى المخيمات فيقول : على الرغم من ان هذه المخيمات هى معظمها صديقة للبيئة و أنها لاتستهلك أنواع و موارد الطاقة المختلفة بل تحتاج الى اقل القليل من الكهرباء و المياه العذبة و حتى هذا « القليل « عجزت الدولة بحكوماتها المتعاقبة عن توفيره لدرجة ان معظم هذه المخيمات يعتمد اصحابها على انفسهم فى شراء مولدات كهرباء صغيرة لادارة المخيم حيث ان جميع العشش تضاء بالشموع كما يعتمدون على شراء المياه الناتجة عن محطات التحلية وهى لا تستخدم فى الطهى او الشرب الذى يضطرون من اجله لشراء المياه المعدنية..ومع ذلك فان كل هذه المشكلات تهون امام مشكلة الانفلات الامنى الذى تعانى منه مصر الان خاصة اننا منطقة حدودية تتأثر كثيرا حتى من مجرد الشائعات ولا يخفى على احد ان اسرائيل طالما استخدمت الشائعات الامنية لضرب السياحة فى سيناء و هى ما زالت حتى الان تستخدم تلك الشائعات ليس فقط لمنع مواطنيها من زيارة سيناء و لكن ايضا لمنع السواح « العابرين « وهم السواح من دول مختلفة الذين يقضون اجازتهم فى اسرائيل ثم يقررون العبور الى سيناء لقربها منهم -الذين كانوا يأتون الينا عبر اراضيها وهم يشكلون نسبة لا يستهان بها فى سياحة المخيمات ولن يعودوا الا بعودة الامن السياحة البيئية : هل هى للاجانب فقط؟ اثناء زيارتى لعدد من تلك المخيمات لفت انتباهى وجود اعداد كبيرة من السواح المصريين ..و على عكس التوقع لم يكن اغلبهم من الشباب لكن كان من بينهم عدد من الاسر بصحبة اطفالهم !! وعلمت من اصحاب المخيمات ان المصريين عرفوا طريقهم الى تلك المخيمات مؤخرا و اصبح هذا النوع من السياحة يعتمد عليهم بنفس قدر اعتماده على الاجانب خاصة بعد الثورة و انقطاع السياحة الخارجية ظلت هذه المخيمات مفتوحة بزوارها من المصريين الذين اكتشفوا روعة الطبيعة البكر و أحبوا الاحساس المختلف الذى توفره العودة الى البدائية و أغلبهم من الطبقة فوق المتوسطة. يقول احمد الشوبكى ,رجل اعمال : كنت فى السابق احرص على قضاء اجازاتى فى المنتجعات الفاخرة التى توفر لى افضل خدمة ,لكن منذ عدة سنوات كنت اقوم بتوصيل صديقى الى احد المخيمات على ان اعود لفندقى الفاخر و ما ان رأيت المخيم و « العشة « التى تلامس الموج و قعت فى هواه و أحضرت امتعتى و لم اغادر المخيم الا بعد انتهاء اجازتى و منذ ذلك اليوم لم اعد اذهب الى الفنادق الكبرى ! اما خالد على الذى يعمل مندوب مبيعات و يبلغ الثامنة و العشرين من عمره فيقول : احب ان اقضى اجازتى فى المخيمات لرخص سعرها حيث استاجر العشة ب 50 جنيها فى الليلة بالافطار !! و بهذا السعر استمتع بأحلى شاطئ و احلى جو فماذا اريد اكثر من ذلك ؟ و تشرح مروة بسيونى سبب تفضيلها لهذا النوع من السياحة فتقول : فى المرة الاولى التى اتيت الى هنا بصحبة زوجى شعرت بالخوف من المبيت فى العشة خاصة انها بلا اضاءة سوى إضاءة الشموع و بلا باب محكم ايضا !!و لم انم ليلتها لكننى سرعان ما تعودت على « الجو « بل اصبحت اعشق احساس المغامرة الذى تتيحه لى اقامتى فى المخيم .