دولة بها أصول تقدر بحوالي مائة الف مليار جنيه غير مستغلة .تهدر قرابة 750 مليار من الضرائب والدعم. بها مواطنون ينفقون نحو 200 مليار علي المخدرات والسجائر والمنشطات والدروس الخصوصية، دولة هكذا لايمكن ان نطلق عليها لقب "فقيرة".. دولة قادرة علي تسديد التزاماتها بالعملة المحلية والنقد الأجنبي ولديها سيادة علي عملتها..لايمكن ان "تفلس". مصر حسب الخبراء والدراسات والأرقام ليست فقيرة ولن تفلس، ولكن مصيبتها في سوء إدارة أصولها وجهل المسئولين بقيمة كنوزها، وغياب الخطة لكيفية الاستفادة من هذه الكنوز. في البداية يؤكد الدكتور شريف دلاور أستاذ الإدارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والخبير السابق في التنمية الاقتصادية بالأمم المتحدة أنه إذا كان المقصود بالإفلاس هو عدم قدرة الحكومة علي الوفاء بالتزاماتها المحلية تجاه الموظفين، أو المقاولين، فإن ذلك غير وارد بالنسبة لمصر . كما أن مصر لديها سيادة علي عملتها المحلية بعكس اليونان، بمعني أن مصر إذا حدثت لديها أزمة تقوم بطبع نقود جديدة وهذا إن كان سيحدث نوعا من التضخم فإنه لا يعتبر إفلاسا فى حين تعجز اليونان عن طبع يورو واحد وتلجأ للاتحاد الأوربي إذا حدثت لديها أزمة. أما إذا كان المقصود بالإفلاس أن تكون مصر غير قادرة على سداد مستحقات الديون الخارجية، وفوائدها بالعملة الأجنبية – وإن كان هذا خطرا – فإنه يسمى عجزا وليس إفلاسا وهذا الأمر أيضا غير وارد خاصة أننا في شهر يناير الماضي سددنا قرابة 800 مليون دولار إلى نادى باريس وإن كانت مصر قد تأخرت في سداد بعض التزاماتها بالنقد الأجنبي: مثال تأخر سداد مستحقات شركات البترول الأجنبية البالغة قرابة خمسة مليارات دولار. وتم الاتفاق علي السداد بعد جدولة المبلغ ولا توجد مشكلة في هذا الصدد، وليس هناك فيما يخص سداد الديون الخارجية عجز أو حتى شبهة إفلاس. وتاريخيا يقول الدكتور شريف أن مصر وجهة شبح الإفلاس مرتين: الأولي في عهد الخديو إسماعيل عندما رفعت بريطانيا علي شركة قناة السويس-المصرية الفرنسية-قضية تتهمها بالسخرة وتوقف العمل بحفر القناة لمدة عام وتم استخدام الكراكات باهظة التكلفة وتم إعلان إفلاس مصر فى الخارج . اما المرة الثانية كانت عام 1989 بعد إتباع الرئيس الأسبق مبارك لسياسة اتسمت بالجمود الاقتصادى فأدت إلى عدم وجود نقد أجنبي. وعجزت مصر عن سداد المستحقات الخارجية من النقد الأجنبي ولولا حرب الخليج، ومشاركة مصر فيها مما أدى إلى تخفيض ديون مصر بنسبة50٪ وجدولة الباقى وقدره 25 مليار دولار علي خمس سنوات لحدثت كارثة. هل مصر دولة فقيرة حقا؟ حسب آراء الخبراء العالميين وبلغة الأرقام، فإن مصر دولة غنية جدا بمواردها ولكنها فقيرة للغاية في وجود إدارة تستفيد من هذه الموارد. ففي شهر فبراير من عام 2012 قالت كاثرين اشتون المفوضية العليا للاتحاد الاوربى: إن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوربية، وأن ما تم سرقته وإهداره من أموال وأرصدة طبيعية خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك يكفى لظهور ملايين الأثرياء في مصر. أما مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، فقد أكد خلال زيارة للقاهرة إن مصر لديها ثروات ضخمة غير مستغلة كافية لمساعدة حوالى50 دولة على مستوي العالم. وبلغة الأرقام فإن مصر- حسب التقارير الرسمية – لديها احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية غير المستغلة ومنها علي سبيل المثال: احتياطيات من الحديد تقدر بحوالي 400 مليون طن فى أسوان، والواحات البحرية، والصحراء الشرقية، وجبل من الذهب فى منجم السكرى بمخزون يقدر بحوالى خمسة ملايين أوقية وهو الموقع الوحيد المعلن من بين قرابة 270 موقعا آخر في انتظار من يخرج منها الذهب. ولدى مصر أيضا مخزون من الفوسفات يصل إلي عشرة آلاف مليون طن فى المحاميد والمنطق المجاورة لها وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور. وإذا كان سعر الطن حوالي 80 دولار فإن لدينا مخزونا من الفوسفات يصل إلى 800 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك هناك مخزون من المنجنيز في سيناء يقدر بحوالي 175 ألف طن. وهناك مخزون من الرمال البيضاء التى تدخل في صناعة الزجاج، وشرائح الأجهزة الكهربائية، وإنتاج الكهرباء يقدر بحوالى 20 مليار طن. وطبقا لتقرير أعدته هيئه المساحة الجيولوجية الأمريكية حول الكميات الممكن استخراجها من غاز وبترول حول العالم، تأكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط بهما أكبر التقديرات علي مستوى العالم وبها 1800 مليار برميل بترول و223 ألف مليار قدم مكعب غاز و حوالي ستة مليارات برميل غاز مسال بالإضافة الى 5خمسة مليارات برميل بترول في البحر الأحمر و112 ألف مليار قدم مكعب غاز. وطبقا لدراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء، فإن مصر تملك أكبر مخزون من الرخام، والجرانيت، علي مستوى العالم، ويمكنها أن تصدر للخارج كميات بقيمة مليارى دولار سنويا إذا أحسن استغلال المحاجر. ويضاف إلى هذا مئات الملايين من الأطنان من الرمال السوداء التي تدخل في صناعة السيراميك وتفرط الدولة فيها بسعر45 قرش للمتر المكعب، فى حين يصل سعره العالمى إلى عشرات الدولارات. وتتكرر نفس كارثة الإهدار في الرمال البيضاء، وفي الطفلة التي تدخل في صناعة الاسمنت وتفرط فيها الدولة باقل من جنيه واحد للطن. وهناك كميات كبيرة من التلك، والكبريت، والجبس، والكوارتز، والكاولين ورمل الزجاج، والأحجار الكريمة، والالبستر، والحجر الجيرى، والشواطىء الخلابة، و المناخ الرائع، وثلثى آثار العالم وعبقرية الموقع. ثروات غير مستغلة يشبه الدكتور حسن أبوسعدة الخبير الاقتصادى والمالى ومسئول الملف الاقتصادي بحزب الوفد ثروات مصر غير المستغلة بالفتاة العذراء، مؤكدا أن كل من تولى حكم مصر لم يقدر ثروات هذا البلد وإمكاناته الحقيقية. ويشير فى هذا الصدد إلى دراسة شارك فى إعددها مع عدد من مكاتب الاستشارات المالية، والاقتصادية العالمية، وشركات التأمين، في الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وتضم جميعها خبراء مصريين وطنيين واستغرق إعدادها قرابة سبع سنوات وانتهى العمل فيها عام 2010 ويجرى حاليا تحديثها وتتناول المشروعات التنموية حتي عام 2050 وسوف تقدم للرئيس القادم. ومن أهم ما خلصت إليه الدراسة أن شركات التأمين العالمية توصلت إلى أن القيمة التأمينية لأصول مصر غير المملوكة للقطاع الخاص والتى يمكن استثمارها لتحقيق عائد مناسب لها تصل إلى 15 ألف مليار دولار أى ما يقارب مائة ألف مليار جنيه تشمل شكات القطاع العام، و البنوك، وقناة السويس، والهيئات، والمعادن، والأراضي القابلة للزراعة، من المياه الجوفية طبقا للأقمار الاصطناعية. كما خلصت الدراسة إلى أن مصر يمكن أن تصبح خلال خمس سنوات فى مصاف الدول العظمى إذا ما استثمرت هذه الأصول الاستثمار الجيد. وسيتم القضاء علي الفقر والعشوائيات والجهل - طبقا للدراسة – خلال نفس الفترة ..وتساءل أبو سعدة: كيف يكون لدينا أصول تقدر بحوالي مائة الف مليار وتدر عائدا قدره 70 مليار فقط حاليا ؟. وأضاف أنه طبقا للدراسة فإن حصيلة الضرائب سترتفع بعد ثلاث سنوات من تطبيق هذه الإستراتيجية إلي أكثر من ألف مليار. الإفلاس لا يقتل أما الدكتور شريف دلاور فيرى أن الإفلاس مثل ضربة الشمس لا تقتل غالبا كما حدث في البرازيل والتي تحولت خلال سنوات إلى دولة غنية. ويؤكد أن مصر غنية جدا بمواردها ولكن إشكاليتها الأساسية تتمثل في إدارتها لهذه الأصول، والموارد سواء الطبيعية أو البشرية. ونبه الدكتور شريف إلى تبديد الموارد الذى يتم بشكل خطير بداية بالمياه التى يضيع منها قرابة 40٪ نتيجة تهالك الخطوط وغياب الصيانة، وأيضا الهالك في المرور من ساعات العمل والذى قدر طبقا لدراسات علمية بحوالي ثلاث ساعات يوميا وصولا إلى الهالك من القمامة. ويشير إلى أن اليابان تبنت في التسعينيات برنامجا قوميا للفاقد وهناك صناعات قائمة بالكامل علي القمامة، وتدر عائد بالمليارات . بل أن الشركات العالمية أصبحت ملزمة بنشر ثلاثة تقارير سنوية بجانب التقرير المالى حول كيفية إدارتها للمياه، والطاقة، والفاقد داخل المنشآت. وأصبحت هذه التقارير جزءا أساسيا من تقييم الشركة، مشيرا إلى إأننا حكومة وشعب نتعامل فى حياتنا الخاصة وكأننا في منتهي الثراء و ليس كبلد يتطلع إلى النمو. ضرائب ضائعة وفي إطار الحديث عن الفاقد، فإن الدكتور اشرف العربى عام 2011 وقت أن كان خبيرا بالبنك الدولى قبل ان يتولي وزارة التخطيط قال إن مصر يضيع عليها قرابة 60٪ من الضرائب بما يوازي فى ذاك الوقت حوالى 350 مليار سنويا فيما يعرف بالاقتصاد غير الرسمى، والذى يقدر بحوالي 2200 مليار جنيه. وأوضح أن الضرائب التى يتم تحصيلها والمقدرة بحوالي230 مليار – في ذلك الوقت – تاتي من الاقتصاد الرسمي البالغ قرابة 1800 مليار بما يعنى أن تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمى وإلزامه بدفع الضرائب المستحقة علية سيزيد الحصيلة إلى550 مليار جنيه سنويا. ويؤكد هرناندو دي سوتو خبير الاقتصاد الدولى والذى أجرى عددا من الدراسات حول الاقتصاد المصرى، وخلص إلى أنه يجب على الحكومة المصرية تقنين الاقتصاد غير الرسمى بما يوفر عليها مئات المليارات التى تبحث عنها عبر الاقتراض من الداخل والخارج. أموال مهدرة وفى إطار الحديث عن الأموال المهدرة والتي تصب في اتجاه أن مصر دولة غنية وليس كما يصدر لنا البعض أنها فقيرة، ففى تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات صدر قبل ثورة 25 يناير وقدم إلى مجلس الشعب بخصوص الصناديق الخاصة – حصيلة المدفوعات والرسوم المختلفة للمحليات، وعدد من الجهات ولا تصب في موازنة الدولة – قدر حجم الأموال الموجودة في هذه الصناديق عام 2009 بحوالي 1300 مليار جنيه أى أكثر من خمسة أضعاف عجز الموازنة في ذالك الوقت. وفي نفس السياق، قدرت بعض الدراسات قيمة المبانى المخالفة التى تم بناءها خلال السنوات العشر الأخيرة بحوالي 500 مليار جنيه . وطبقا لتصريحات المسئولين، فإن المهدر من الدعم سنويا يصل إلى حوالى 100 مليار جنيه ومثل هذا الرقم مهدر أيضا من الدعم غير المباشر وهو ما يعرف بالفرصة البديلة وأن تكاليف الدروس الخصوصية تقدر بنحو20 مليار، وأن ما ينفقه المواطنون على المخدرات، و السجائر، والمنشطات حوالي 160 مليار بالإضافة الى عشرات المليارات التى تذهب فى صورة رشاوى للموظفين. وختاما، يخلص الخبراء إلي أن مصر دولة قوية بمواردها وغير قابلة للإفلاس بل لديها الإمكانات اللازمة لتكون في مقدمة الدول الغنية بكنوزها غير المستغلة وأن ما تحتاج إليه هو الإدارة الرشيدة المبدعة والجادة.