إذا تجرأت وعلقت حبل لمبات على شرفتك أو استلمت شقتك الجديدة، وتأخرت فى تركيب عداد الكهرباء.. لأنك لم تسكنها بعد، لم يكن أحد أبدا ليعذرك أو ينذرك، وإنما تفاجئ بأنك مطلوب أمام القضاء متهما بجنحة سرقة تيار ..حدث هذا مع الكثير من المواطنين منهم من فعلها جهلا، ومنهم من فعلها سهوا، ففى مصر العقوبة والغرامة فقط للمواطنين، أما السرقات التى تملأ الشوارع بطولها وعرضها من الباعة الجائلين عمدا ومع سبق الإصرار، فلا جنحة ولا غرامة ولا حتى إزالة!! هذه السطور ليست تشجيعا للسارقين، وإنما تحريض للمسئولين حتى يفيقوا من سبات نوم عميق، وقبل أن يصرخوا مطالبين المواطنين بالترشيد، ومحذرين من تبعات صيف مظلم، عليهم أن يوقفوا هذا النزيف، فلا أحد يمكنه أبدا أن يتفهم نظرية تخفيف الأحمال عن بيته، وهو يرى الكهرباء مهدرة بكل بجاحة وإستهانة على الرصيف تقدمها الدولة مجانا للمخالفين !! مشاهداتى الشخصية مع وقائع السرقات العلنية كانت كالآتي: فى شارع الهرم وعلى بعد أمتار من مبنى محافظة الجيزة وجدت أحدهم جالسا على الرصيف يعد أكوابا من الشاى الساخن لبعض الجالسين تابعت بنظرى سخان الماء الكهربائى الذى يستخدمه فإذا به موصل بسلك أخرجه من فوهة فى قلب عامود الكهرباء الموجود بجواره .. هكذا بكل بساطة يستخرج سلكا ويوصله وكأنه يستخدم «فيشة» عادية فى مسكنه.. المشاهد كانت أكثر جرأة وتكرارا بطول منطقة نصر الدين بعد نفق الهرم مباشرة .. عشرات من عربات الكبدة والساندويتشات الساخنة وجميع أنواع المشروبات التى تعتمد على الخلاطات .. الكل ينهل بلاحرج ولا حياء من كهرباء الشارع .. وبمجرد أن يحل الغروب تبدأ كمية هائلة من الأضواء الملونة تتلألأ بطول عربات الأطعمة. أما الحال فى وسط البلد فلا يخفى على أحد ولا يحتاج لمغامرة صحفية لاكتشاف آلاف الوصلات المسروقة والكابلات المسحوبة «عينى عينك» من علب ودواليب الكهرباء المفتوح أبوابها بصورة توحى كأن هناك تسهيلا لمن يريد العبث بالأسلاك، والأمر المضحك فى شارع 26 يوليو والذى أصبح خاضعا تماما »لاستاندات » الملابس التى التهمت الرصيف وحوالى نصف عرض الطريق أن الباعة يضعون كمية هائلة من حبال الكهرباء ذات اللمبات الملونة بالإضافة إلى الكشافات الضخمة البيضاء .. وتمتد سرقاتهم حتى لافتة ضخمة مكتوب عليها«شركة جنوبالقاهرة للكهرباء»! سرقة من الحكومة الغريب أن كافة الأطراف المعنية بهذه الوقائع معترفون تماما بواقع سرقة الكهرباء فى بلادنا، فعلى مستوى الباعة الجائلين قال لى أحدهم: «معلش شوية سرقة من الحكومة مش هتعمل حاجة، وبعدين اعتبروا ده بدل وظيفة لأنى حاصل على مؤهل متوسط منذ عشر سنوات ولم أجد وظيفة، يبقى خلاص لازم يساعدونا أننا ناكل عيش» وبمنطق مشابه جاءتنى كلمات أحمد حسين رئيس نقابة الباعة الجائلين قائلا: أعترف طبعا بأن كل الكهرباء التى يستخدمها الباعة الجائلون مسروقة طبعا، ولكننا لا نريد استمرار هذا الوضع لذا أنشأنا نقابة لتقنين وضع البائع الجائل وإعطائه رخصة عمل يمكن من خلالها محاسبته ضريبا وكذلك على استهلاكه لكهرباء الشارع، وقد قمنا بالفعل بتقديم مشروع قانون لمجلس الشورى بهذا الشأن وإلى أن يتم التقنين فلا مفر من سرقة التيار. (الكيل بمكيالين) .. هو التعبير الذى استخدمته إحدى المواطنات التى أطلعتنا على صورة من إنذار بسرقة تيار محرر لها بسبب امتلاكها شقة مغلقة لم يدخلها سلك كهرباء واحد ومع ذلك قام الموظف بتحرير محضر ضدها مثلها مثل بعض سكان العمارة الذين سكنوا شققهم وقاموا بتوصيل كهرباء بدون عداد، تقول المواطنة: اضطررت لدفع غرامة تصالح بالرغم أن شقتى المغلقة منذ إستلامها ليس بها أى كهرباء سواء قبل أو بعد تحرير المخالفة، ولكننى أدركت أن متاهات إثبات حقى قد تقودنى للوقوف فى قفص الاتهام بجنحة سرقة تيار قبل أن أثبت براءتي، ولكننى أتحدى أن يحدث هذا السيناريو فى أى بلد فى العالم: تحرير محاضر للمواطنين الشرفاء وتجاهل اللصوص السارقين عمدا ومع سبق الإصرار!! محمد أبو طالب موظف يتساءل بحرقة: هل يعلم أى مسئول قوة اللمبة الواحدة التى يستخدم المخالفون منها عشرات اللمبات!! هذه اللمبة كفيلة بإضاءة شقتى واستذكار الأولاد .. ويضيف: لا نعلم لماذا نجعل المواطنين يعيشون فى ظلام متقطع إضافة لحر الصيف الذى يقف على الأبواب ولا نلجأ لإيقاف نزيف الكهرباء المسروقة خاصة أنها لا تدر أى عائد على الدولة فى حين أننا مثقلين بأرقام الفواتير!! مسئولية الشرطة " أما المسئولون فقد جاءت ردودهم مقتضبة وغريبة فأحد المصادر فى شرطة الكهرباء نفى مسئولية الشرطة عن الكهرباء المسروقة من أعمدة الكهرباء لأنها لا تتبع وزارة الكهرباء حسبما قال لنا وإنما تتبع إدارة الإنارة العامة فى المحافظة التى تقع الأعمدة ضمن أرضها، قائلا: نحن فقط مسئولون عن سرقة التيار الذى لا يدفع أحد قيمته،أما كهرباء الأعمدة فكل محافظة تدفع قيمة الاستهلاك سواء كان مسروقا من الغير أو مستهلكا للإنارة، ورفض المصدر إعطاء أى تصريحات أخرى بدعوى ضرورة الحصول على إذن. لجأنا للمتحدث الرسمى لوزارة الكهرباء الدكتور أكثم أبو العلا الذى ضاق ذرعا بسؤالنا واختصر إجابته فى عدة كلمات رفض أن يزيد عليها بدعوى أنه مشغول، وبالرغم أن إعطاء الصحفى معلومات صحيحة وكافية هى وظيفته الأساسية فى الوزراة ..إلا أنه اكتفى بالقول أن نصف الفاقد من الكهرباء سببه سرقة التيار فى الشوارع .