هل يمكن للأزمة بين أمريكاوروسيا حول أوكرانيا أن تشعل حربا باردة جديدة بينهما؟.إنه السؤال الأبرز فى الآونة الأخيرة، والذى يقف أمامه المحللون السياسيون فى الغرب منقسمين بشكل حاد. وكان التصعيد الأخير فى أواخر شهر مارس الماضى من قبل حلف شمال الأطلنطى، بتعليق التعاون المدنى والعسكرى مع روسيا على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم قد أعاد من جديد التساؤل عما إذا كانت الازمة الحالية ستيعد اشعال الحرب الباردة بين موسكو والغرب؟! ففى نوفمبرعام 1989 سقط حائط برلين إيذانا بانتهاء الحرب الباردة، التى كانت قد بدأت فى عام 1949 عقب حدوث الانقسام بين المعسكرين الشرقى والغربى، وإنشاء حلف الناتو بقيادة الولاياتالمتحدة فى مواجهة حلف وارسو الذى أنشىء عام 1955 بقيادة الإتحاد السوفيتى. وبعد إنتهاء الحرب الباردة تحسنت العلاقة بين الجانبين وإتخذت شكل التعاون، ورغم حدوث خلافات حول بعض القضايا، فإنها لم تصل إلى حد الأزمة، إلى أن وقعت الأحداث الأخيرة فى أوكرانيا. ورغم أن البعض إعتبر الأزمة بداية لعودة الحرب الباردة، فإن محللين أخرين عرضوا أسبابا قوية جعلتهم مقتنعين بأن الحرب الباردة ليست ممكنة أو محتملة. من بين هذه التحليلات، أن العالم لم يعد منقسما الآن إلى معسكرين معاديين لبعضهما البعض، سواء من حيث الأنظمة السياسية أو الاقتصادية، حيث كان الغرب فى فترة الحرب الباردة منقسما بين معسكرين المعسكر الشرقى ويتبنى سياسة اشتراكية والغربى ويقوم على اساس الفكر الرأسمالى الحر.وهوالانقسام الذى تلاشى بعد إنهيار الاتحاد السوفيتى فى عام 1991 حيث انضمت روسيا إلى النظام الراسمالى وحدث تداخل وتعاون كبير بين الجانبين، روسيا والغرب. وإذا كان يبدو أن هناك صراعا يجرى الآن بين روسيا والغرب حول أوكرانيا، فإنه يجرى على خلفية اخرى غير تلك التى شهدها العالم فى الماضى. أحد الكتاب والخبراء المهتمين بالعلاقة بين أمريكاوروسيا، (بن جودان) قال، إن لهفة رجال الأعمال الغربيين على التعامل الاقتصادى مع روسيا كبيرة جدا، ولهم مصالح فى استمرار هذا التعاون، وهو ما يراهن عليه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلا أن بعض المحللين يرون أن الاعتماد المتبادل بين روسيا والغرب فى العلاقات الاقتصادية ممكن أن يسبب خسارة إقتصادية لموسكو، إذا ما إضطر الغرب إلى اتخاذ قرار عقابى حاد على روسيا. وكانت القرارات التى اتخذت من جانب أمريكا وأوروبا بفرض عقوبات على شخصيات روسية تشمل عدم منحهم تأشيرات دخول لهذه الدول أخيرا، مؤشرا على إحتمال توسيع نطاق العقوبات ضد روسيا. فى نفس الوقت الذى تستفيد فيه بنوك الغرب من أموال الروس الأغنياء الذين يملكون مليارات الدولارات، ويودعون جزءا منها فى البنوك الغربية أو يستثمرونها فى شراء عقارات فى أوروبا بينما تشير صحيفة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية إلى أن أى إجراءات إقتصادية ضد روسيا يمكن أن تسبب أضرارا للجانبين وليس لجانب واحد فقط، بالنظر إلى أن أوروبا تعتمد بقدر كبير على استيراد البترول والغاز من روسيا، وإذا حدث نقص فى الوقود المستورد منها، فإن ذلك سيكون له رد فعل رافض للعقوبات على موسكو من جانب المواطنين الأوروبيين. فى نفس الوقت، فإن تصدير روسيا للطاقة يمثل 70% من عوائد صادراتها من البترول والغاز، وهو أيضا مصدر دخل مهم لها،لا يمكن الاستغناء عنه. وعلى الجانب الآخر، صرح سيرجى جلازييف، مستشار الرئيس الروسى بأنه فى حالة فرض عقوبات على روسيا، فإن خسائر الاتحاد الأوروبى قد تصل إلى تريليون يورو، وأضاف أن خسائر ألمانيا على سبيل المثال قد تصل إلى 200 مليون يورو، فى حين تصل خسائر دول البلطيق إلى ما يعادل الناتج المحلى الإجمالى لها،اى ان كلا الجانبين وإن بديا فىصراع مع الآخر، إلا أنهما سيحرصان على أن تظل الأزمة محصورة فى حدود لا تتجاوزها إلى الإضرار بالمصالح المشتركة أو إلى إحياء عصر الحرب الباردة مرة أخرى.