قبل أيام، عرضت إحدى القنوات المحلية فى أوكرانيا مشاهد لحشود فى شبه جزيرة القرم الناطقة بالروسية وهم يقومون بإنزال علم أوكرانيا ذات اللونين الأصفر والأزرق أمام مجلس بلدية المدينة، والتلويح بعلم روسيا ذات الألوان الأبيض والأزرق والأحمر. هذا المشهد يستدعى السؤال الأكثر تداولا الآن على الساحة الدولية، بشأن الصراع بين أمريكاوروسيا وتأثيره على المستقبل السياسى لأوكرانيا. الأمر المؤكد حتى الآن، أن أوكرانيا تمثل محور صراع سياسى دولى، وضحية جديدة للحرب الباردة بين الولاياتالمتحدةوروسيا، فالقوتان العظمتان تريدان بسط نفوذهما على الجمهورية السابقة فى الاتحاد السوفيتى، وإذا كانت فكرة دخول الولاياتالمتحدة وحلفائها فى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا أمر غير مطروح إلى حد كبير، إلا أن المواجهة قد تأخذ أبعادا أخرى منها التدخل الاقتصادى، حيث نجد أن روسيا كانت قد وافقت فى نوفمبر الماضى على حزمة إنقاذ قيمتها 15 مليار دولار لأوكرانيا المثقلة بالديون، ووعدت بخفض السعر الذى تشترى به أوكرانيا الغاز الروسى، ويمثل حجب هذه الأموال وسيلة ضغط لحمل أوكرانيا على البقاء فى جانب روسيا، وقد نوهت موسكو صراحة فى الأيام الأخيرة إلى أنها ستستخدم هذه الوسيلة، ومن بين وسائل الضغط الأخرى التى قد يمكنها اللجوء إليها تعلية الحواجز أمام الواردات من أوكرانيا. من جهة أخرى، يبدى الاتحاد الأوروبى استعداده لتحمل المسئولية كاملة عما ستؤول إليه الأوضاع فى أوكرانيا، حيث وعد "أولى رين" مفوض الشئون الاقتصادية بالمفوضية الأوروبية بدعم مالى كبير، بل خالف الآراء السياسية السائدة بالقول إنه يجب اتاحة الفرصة أمام أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ذات يوم، حيث قال رين بعد اجتماعه مع كبار المسئولين الماليين فى العالم فى سيدنى: "من وجهة النظر الأوروبية من المهم أن نقدم منظورا أوروبيا واضحا للشعب الأوكرانى الذى أبدى التزامه بالقيم الأوروبية"، ومصطلح المنظور الأوروبى فى لغة الاتحاد الأوروبى هو فرصة العضوية، وأوضح رين أن بروكسل مستعدة لتقديم أكثر من المساعدة الفورية البالغة 610 ملايين يورو (838 مليون دولار) التى عرضت فى نوفمبر الماضى، عندما رفض يانوكوفيتش اتفاقا اقتصاديا واسع النطاق مع الاتحاد الأوروبى وفضل عليه وعدا من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بخطة إنقاذ قيمتها 15 مليار دولار. هذا الصراع الدائر بين القوى العالمية بشأن أوكرانيا كان مجالا للعديد من التحليلات الصحفية فى كبريات الصحف العالمية التى أجمعت على أن أوكرانيا تمثل جولة جديدة من الصراع بين أمريكاوروسيا، وإن كانت بعض الصحف انتقدت الموقف الضعيف سواء لأمريكا أو الدول الغربية، فذكرت صحيفة "جارديان" البريطانية أن أوكرانيا تحولت إلى أرض للصراع بين روسيا والدول الغربية، مشيرة إلى إعلان الولاياتالمتحدةالأمريكية عن انشغالها العميق بالوضع فى هذا البلد، ورأت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية أن الغزو الروسى لأوكرانيا قد بدأ فعليا انطلاقا من شبه جزيرة القرم بعد نشر مقاتلين روس ، مما أثار حفيظة واشنطن والمجتمع الدولى الذين طالبوا باحترام الوحدة الترابية لأوكرانيا. من ناحية أخرى، انتقدت صحيفة “ الأوبزيرفر” البريطانية الموقف الغربى، قائلة إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين يرسم الأحداث فى أوكرانيا، وأشارت الصحيفة إلى أن موقف الغرب تجاه الأزمة الأوكرانية كان خجولا، وأوضحت الصحيفة أن روسيا سبق أن ردت بقوة على محاولات الغرب ضم جورجيا إلى حلف شمال الأطلسى، وكذلك على محاولات توثيق الغرب والولاياتالمتحدة العلاقات مع أوكرانيا. وفى نفس السياق، ذكرت صحيفة “التايمز” أن ضعف البلدان الغربية شجع بوتين على الاعتقاد بقدرته على فرض إرادته ونظرته للتغيير بدول أوروبا الشرقية، وشددت الصحيفة على أن أوروبا وحلف شمال الأطلسى تواجه أخطر وضع أمنى منذ غزو القوات الروسية لشمال جورجيا خلال 2008، بل منذ نهاية الحرب الباردة. وأشارت صحيفة “الديلى ميل” البريطانية إلى أن المعسكر الغربى أصبح يقف فى وضع العاجز أمام تطورات الوضع، مضيفة أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين واع كل الوعى بعدم رغبة واشنطن وباقى الأطراف فى الانسياق وراء مواجهة عسكرية، وأضافت أن بوتين يعلم علم اليقين أنه قادر على تكبيد دول أوروبا، بما فيها الاقتصاد البريطانى، خسائر جسيمة من خلال قطع إمدادات الغاز عنها. من جانبها، حذرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية من أن إثارة أى تطورات فى أوكرانيا لن يكون فى مصلحة أى طرف سواء كانت روسيا أو الغرب، داعية كلا من الجانبين إلى العمل معًا للمساعدة فى استقرار البلاد سياسيًا واقتصاديًا، كما حذرت الصحيفة من مخاطر التشجيع على انفصال دائم لشبه جزيرة القرم، مضيفةً أنها على يقين من أن تكتيكات فلاديمير بوتين الخطيرة ستأتى بنتائج عكسية، وذكرت أن روسيا والغرب على حد سواء لديهم مصالح مشروعة فى أوكرانيا ومستقبلها، داعيةً الجانبين إلى التعاون للمساعدة فى استقرار البلاد سياسيًا ووضع خطط اقتصادية وتجارية من شأنها أن تبدأ فى حل الأزمة الاقتصادية.