ركز البيان الختامى للقمة العربية فى الكويت على قضية تطوير منظومة التربية والتعليم، ودعا الى تعزيز الجهود المعنية بالعملية التعليمية و الإرتقاء بالمؤسسات التعليمية بأسرها على نحو عاجل وتأهيلها بما يكفل لها آداء رسالتها بكفاءة ومهنية وإقتدار وبالتطوير النوعى لمناهج التعليم، وعلى نحو خاص التعليم الفنى الذى يواكب التطورات التقنية الحديثة واكتشافات العصر وفتوحاته العلمية، وضمان أن يتمتع الخريجون بالمعرفة والمهارات العالمية التى تتيح لهم الإسهام فى دفع عملية التنمية المستدامة. والحقيقة أن الاهتمام بتطوير المنظومة التربوية والتعليمية فى العالم العربى سابقة تحسب لهذا المؤتمر حيث لم يتم تناولها بهذا التفصيل فى مؤتمرات القمة السابقة، وهو أفضل استثمار فى رأس المال البشرى العربى ولكن ما أريد أن أسلط الضوء عليه هو أن تطوير هذه المنظومة يجب أن يشمل الجانب الثقافى وليس العلمى فقط، وكيفية تربية النشء على التفكير النقدى الذى يساعدهم على الخلق والإبداع ويمنحهم القدرة على تمحيص مايصل اليهم من أفكار يستطيعون التمييز بين الثمين والغث منها حتى لايكونون فريسة للأفكار المتطرفة التى تسمم عقولهم، وتفسد ضمائرهم وتحولهم الى قتلة وإرهابيين ومنتحرين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. صحيح أن التعليم يوسع من مدارك العقل، ولكنه يبدو وحده غير كاف بدون وعى ثقافى منفتح على الغير فقد رأينا بعض المتعلمين بمن فيهم أعضاء فى هيئة التدريس بالجامعات وقعوا ضحايا لجامعات إرهابية متطرفة ولم يحول حصولهم على قسط وافر من التعليم دون ذلك. إن التركيز على الجانب الثقافى والسلوك الحضارى والانفتاح على العالم فى العملية التعليمية يكتسب أهمية قصوى خاصة أن مجتمعنا الحالى يمر بظلمات كثيرة ظهرت من خلال تأسيس الجهل ومحاربة المبدع ونفيه عن وطنه إما قسراً أو طوعاً، كما راجت عندنا صناعة العصبية وقمع المعرفة وتأطيرها فى مجالات معينة لا يخرج عنها إلا مارق أو مخالف أو حتى كافر! فالكل يعلم كيف استعان بعض المتطرفين والانغلاقيين بقانون الحسبة باتهام الدكتور نصر حامد أبو زيد رحمه الله بالكفر والإلحاد لمجرد أنه تجرأ على استخدام عقله، والأسوأ من ذلك هو محاربة التجديد والإصلاح المعرفى والاحتفاء بالتقاليد العرفية، وكأنما هى نصوص مقدسة جاء بها الوحي! واليوم ونحن نخطط لتطوير منظومة التعليم فى مجتمعنا علينا أن ندرك أننا فى حاجة ملحة الى استعادة أفكار التنوير التى غابت عن الأجيال الشابة، ولكن المشكلة التى تواجهنا للأسف والتى تراكم على الاعتقاد بها أجيال من المسلمين هى أنهم يعتبرون أن التنوير اليوم هو إسقاط تام واستنساخ كامل لمشروع التنوير الأوروبى .. والقبول بالتنوير هو القبول بالعقلانية الإلحادية والمادية المنحرفة!. وهنا يجب أن نقر بأنه مهما تخوفنا وتوارينا عن التنوير الأوروبى الذى قام على أفكار كانط وهيجل وفولتير وروسو .. وغيرهم فإنه فى عصرنا الحاضر يعتبر المشروع التنويرى الأبرز والأقوي، ووجوده فى العالم كله أصبح واقعاً لايمكن أن نغمض أعيننا عنه، فنظرياته وأدبياته المعرفية والفلسفية حاضرة فى العالم كله شئنا أم أبينا. وعلينا أن ندرك أن فلسفة التنوير وما قدمته من نظريات معرفية لم ينتج مباشرة من أوروبا بل هو مستفاد من نتاج أمم سابقة أهمها ما قدمه العرب المسلمون من علوم ومكتشفات ساهمت فى دفع النهضة الأوروبية من تراجم وشرح ابن رشد لأرسطو على سبيل المثال، ثم الإسهامات التى قدمها جمع من العلماء كالحسن ابن الهيثم والخوارزمى والكندى وابن سينا .. وغيرهم .. وهذه الإسهامات لا ينكرها إلا جاحد أو جاهل، فالتواصل المعرفى بين الحضارات يقتضى أن نستفيد من انتاج الأمم الأخري،فلقد كان بيان القمة العربية فى هذه الظروف الصعبة مهما فى تركيزه على التطوير النوعى للمنظومة التعليمية وبناء القدرات وصولاً الى تراكم الرأسمال البشرى وليس هناك من شك فى أن تطوير هذه المنظومة هو الخطوة الأولى نحو بناء القدرات التى نحتاج اليها فى الدول العربية لبناء مجتمعات المعرفة والحكم الرشيد. د. عماد إسماعيل