منذ أن نبعت فكرة ضرورة عقد قمة ثقافية عربية في سياق مؤتمر عقدته مؤسسة الفكر العربيفي بيروت والبحث جار عن الموضوعات ومحاور البحث وأنماط القرارات التي يمكن أن تصدر عن هذه القمة حين تنعقد. والواقع أن هيئات شتي اهتمت اهتماما واضحا بهذه الفكرة الإيجابية. وفي مقدمة هذه الهيئات جامعة الدول العربية التي بادر أمينها العام السيد/ عمرو موسي بدعوة مجموعة مختارة من المثقفين العرب للاجتماع في مقر الجامعة في ندوة فكرية مهمة لمناقشة فكرة القمة الثقافية وحضر هذه الندوة الأمير خالد بن سعود رئيس مؤسسة الفكر العربي الذي نشأت الفكرة في سياق أحد مؤتمراتها. وقد دعيت لهذه الندوة الفكرية المهمة وبادرت بطلب الكلمة عقب انتهاء السيد/ عمرو موسي من تقديمه لأنني أمتلك إطارا نظريا متكاملا لدراسة الظواهر الثقافية العربية منذ أن أشرفت في سياق المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في الثمانينيات علي مشروع علمي كبير لدراسة السياسة الثقافية صدر عنه عدة أبحاث بالغة الأهمية. وقد حرصت في كلمتي أن أرسم ملامح المشهد الثقافي العربي الراهن وركزت بشكل نقدي علي مختلف الظواهر الثقافية العربية السلبية. وكانت كلمتي التي افتتحت النقاش مبعث تعليقات شتي بعد ذلك من أعضاء الندوة. وبعد أن تبلورت فكرة القمة الثقافية عقد اتحاد الكتاب العرب برئاسة الأستاذ محمد سلماوي اجتماعا مهما في مقر اتحاد الكتاب المصريين في محكي القلعة بالقاهرة اجتماعا مهما حضرته مجموعة من الأدباء والمثقفين العرب شاركت فيه باقتراح محاور محددة لتكون محل أبحاث تقدم للقمة الثقافية العربية. وقد يكون من العلاقات الإيجابية أن النخب السياسية والفكرية أدركت من واقع عديد من الممارسات السياسية والاجتماعية السلبية وأبرزها شيوع الفكر الديني المتطرف الذي أدي إلي الإرهاب, أن هناك أزمة ثقافية عربية من الضروري مواجهتها بجسارة. ومن هنا حين برزت فكرة القمة الثقافية العربية تم الترحيب بها في رئاسة القمة العربية. وإذا أردنا أن نشير إلي أبرز ملامح الأزمة الثقافية العربية لقلنا بدون تردد أنه غياب العقل النقدي العربي! وقد سبقتنا أوروبا منذ قرون في صياغة هذا العقل منذ أن رفعت شعار الحداثة وأهمها أن العقل, وليس النص الديني هو محك الحكم علي الأشياء! ومنذ أن أعلنت الثقافة الأوروبية ثورتها المعرفية ضد قيود التفكير, وأرست مباديء الشك الفلسفي الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة وحتي المعتقدات الميتافيزيقية تم إرساء قواعد التفكير النقدي. وتبدو أهمية العقل النقدي علي وجه الخصوص في سياق ثورة المعلومات التي أدت إلي تدفقها في كل المجالات المعرفية, مما يستدعي ضرورة وجود عقل نقدي قادر علي تصنيف وتحليل هذه المعلومات, وهو الوسيلة الوحيدة لتحويل المعلومات إلي معرفة, لأن المعلومات بذاتها ليست معرفية! ولو تأملنا المشهد المعرفي العربي الراهن لاكتشفنا أننا لم نستطع كعرب أن نجتاز عتبات الحداثة بتجلياتها المختلفة, وقنعنا بتجارب شتي من التحديث تفاوتت بين النجاح الجزئي والفشل التام لأنها لم توجهها نظرية متكاملة للتنمية المستديمة تركز علي العوامل الثقافية في المقام الأول. وأيا ما كان الأمر, فقد دعتني مؤسسة الفكر العربي لمؤتمر مهم تعقده في بيروت لمناقشة جدول أعمال القمة الثقافية العربية عقد يومي14,13 يوليو2010 ولم أستطع حضوره للأسف نظرا لوعكة مرضية طارئة ألمت بي. غير أنني حرصت علي أن أدون مقترحاتي بشأن جدول أعمال القمة الثقافية المقترحة وأرسلته إلي الدكتور سليمان عبدالمنعم الأمين العام للمؤسسة ليكون تحت بصر أعضاء المؤتمر وهم يناقشون مختلف الموضوعات التي ستعرض علي القمة. وقد اقترحت ستة محاور لتكون أساسا لجدول أعمال القمة الثقافية العربية وضعا في الاعتبار أن الرؤساء والملوك لن ينعقدوا في شكل ندوة فكرية للتناقش حول أمور الثقافة العربية, ولكن هو اجتماع رئاسي الغرض منه إصدار قرارات تتعلق بتطوير الوضع الثقافي العربي. والمحور الأول تدور أبحاثه حول العرب والعالم. وفي هذا المحور ستعرض مشكلات النظرة المزدوجة للذات وللآخر, بمعني التساؤل عن كيف ينظر العرب للعالم وكيف ينظر العالم للعرب؟ ولابد هناك من تحليل للقوالب النمطية الثابتة للبحث عن أسباب النظرة السلبية للغرب التي يتبناها وتروج لها بعض الجماعات السياسية والدينية العربية وأسباب النظرة السلبية للإسلام والمسلمين التي تتبناها جماعات سياسية متعددة في الغرب. وفي هذا الصدد يقترح أن تتبني القمة الثقافية العربية إعلان أبو ظبي الذي أعدته منظمة الثقافة والتربية والعلوم, والذي صدر عن اجتماع لخبراء عرب كنت واحدا منهم وهو يتضمن سياسة عربية مقترحة لحوار الثقافات تقوم علي أساس منهج محدد وفلسفة صريحة مفادها أنه ليس هناك كما يقرر اليونسكو ثقافة أسمي من ثقافة, وأن الحوار ينبغي أن يصدر عن مبدأ الندية المعرفية, لأن المعرفة الإنسانية ليست حكرا علي ثقافة دون ثقافة. والمحور الثاني يدور حول العرب والعولمة. وفي هذا المجال لابد من تحليل نقدي للإدراكات العربية المختلفة للعولمة والتأكيد علي ضرورة التفاعل الإيجابي الخلاق مع العولمة, واستخدام أدواتها لتوسيع نطاق التنمية العربية الشاملة. وأهم هذه الأدوات قاطبة ترسيخ قواعد مجتمع المعلومات في العالم العربي, والإعداد المنهجي لتأسيس مجتمع المعرفة العربي, بما يتضمنه ذلك من إحداث ثورة في نظام التعليم وتحويله من تعليم تلقيني إلي تعليم مؤسسي علي صياغة العقل النقدي, وتشجيع البحث العلمي, وتنمية الإبداع في صفوف الشباب العربي وفقا لخطة تعليمية تركز علي الأبعاد النفسية والاجتماعية. في هذا المحور لابد من اتخاذ موقف حضاري منفتح إزاء الثقافة الكونيةGlobal البازغة, والتأكيد علي أنها لاتتعارض بالضرورة مع الخصوصية الثقافية العربية. أما المحور الثالث فيتعلق بتحديات الفضاء المعلوماتيCyberSpace. ولابد من أن تعي النخب السياسية العربية أهمية نشوء فضاء عام جديد هو الفضاء المعلوماتي والذي هو أبرز علامات الثورة الاتصالية الكبري. وفي هذا الفضاء تتم تفاعلات شتي اقتصادية ومالية وتجارية وسياسية واجتماعية وثقافية. ونشأت أدوات اتصال جديدة بين البشر أهمها البريد الالكتروني وغرف النقاش والمدونات السياسية التي أصبحت أداة للنقد الاجتماعي والسياسي يمارسها الشباب العربي هروبا من القيود المتعددة التي يفرضها المجتمع العربي علي حرية التفكير وحرية التعبير. وظهر الفيس بوك والتويتر وغيرهما من أدوات الاتصال الحديثة. والمطلوب من القيادة العرب التسامح مع استخدام الشباب العربي لوسائل الاتصال الجديدة وعدم وضع قيود علي المدونين العرب الذين أصبحوا اليوم يعدون بالالاف, حتي يتاح لهم أن يعبروا عن الأجيال الجديدة العاجزة عن التعبير في ظل القيود الراهنة. ونصل في المحور الرابع إلي أكثر المشكلات حساسية وهي أزمة الديمقراطية في العالم العربي. ومما لاشك فيه أن المشهد العربي حافل بسيادة السلطوية السياسية والتي تعكس علاقات بالغة التعقيد بين المجتمع العربي والدولة, وغياب ثقافة الاختلاف والحوار, وغلبة القبائلية والطائفية والعصبيات علي حساب قيم المواطنة. وللأمانة والتاريخ شرعت عديد من الانظمة السياسية العربية في تطوير ممارستها الديموقراطية ولكن ببطء شديد وبإيقاع لايتناسب لامع روح العصر, ولا مطالب الجماهير العربية. كيف يمكن تسريع الانفتاح الديموقراطي؟ وكيف يمكن تدعيم المجتمع المدني العربي؟ كلها أسئلة مطروحة علي القمة الثقافية العربية. والمحور الخامس يتعلق بالتغيير الثقافي, ويناقش سياسة ثقافية مقترحة لمواجهة رؤي العالم المعلقة والمتشددة التي تتبناها جماعات إسلامية متطرفة. ومن هنا تبدو أهمية إنتاج خطاب ديني مستنير يعبر عن الوسطية الإسلامية. وهناك حاجة إلي تخفيف القيود عن حرية التفكير وحرية التعبير. ولايبقي سوي المحور السادس وعنوانه: كيف يمكن التعريف بالإبداع العربي المعاصر خارج الوطن العربي وخصوصا في مجال الفكر السياسي والاجتماعي وفي ميدان الإبداع الأدبي والفني؟ تلك هي مقترحاتنا بصدد جدول أعمال القمة الثقافية العربية نعرضها للنقاش العام.