شهدت العاصمة اللبنانية بيروت يومي 13 و14 يوليو اجتماعاً تشاورياً للإعداد للقمة الثقافية العربية، التي يفترض أن تعقد في العام المقبل، عقدت الاجتماعات بدعوة من مؤسسة الفكر العربي، وشارك فيها قرابة المائة وعشرين مثقفاً من ثمانية عشر بلداً عربياً، ومؤسسة الفكر العربي وهي مؤسسة أهلية عربية أسسها الأمير خالد الفيصل منذ عشر سنوات واتخذت بيروت مقراً لها، كانت قد تبنت الدعوة إلي عقد قمة ثقافية عربية، تلك الدعوة التي أطلقها الدكتور مصطفي الفقي عضو الهيئة الاستشارية للمؤسسة منذ عام تقريباً في أحد مؤتمراتها الثقافية، ومنذ ذلك الحين تسعي المؤسسة ورئيسها الأمير خالد الفيصل لتحويل الدعوة إلي حقيقة واقعة من خلال التنسيق مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وكان اتحاد الكتاب والأدباء العرب الذي يرأسه الكاتب المبدع الأستاذ محمد سلماوي قد تبني دعوة مماثلة في نفس الوقت تقريباً، واتخذ الاتحاد هو الآخر خطوات عملية في اتجاه الدعوة لعقد القمة، وفي المؤتمر الأخير للاتحاد بمدينة سرت الليبية عرض مجلس الاتحاد ورئيسه الفكرة علي الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي فتبنتها القمة العربية الأخيرة التي عقدت في سرت، وبات من المحتمل أن تنعقد قمة عربية ثقافية علي غرار القمة الاقتصادية العربية التي عقدت مؤخراً. ومن هنا فقد بات من الضروري أن تبدأ اللقاءات التشاورية للإعداد لجدول أعمال القمة الثقافية، ولتقديم المقترحات ومشروعات القرارات ومسودات الاتفاقيات التي يري أصحاب الشأن أن علي القمة العربية الثقافية أن تتبناها. وأصحاب الشأن هنا هم بالطبع المبدعون من ناحية ومؤسسات العمل الثقافي من ناحية أخري، سواء المؤسسات الحكومية أو الأهلية أو الخاصة. وقد شهدت الأسابيع الأخيرة اجتماعين تحضيريين، عقد الأول في القاهرة بدعوة من اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وحضره ممثلون لاتحادات الكتاب في الدول العربية، وممثلون لبعض المنظمات النقابية الثقافية العربية، وعدد من المثقفين. أما الاجتماع الثاني فكان اجتماع بيروت الأخير الذي دعت إليه مؤسسة الفكر العربي، وشهد تمثيلاً للمسئولين الثقافيين الحكوميين في عدد من الدول العربية، ولجامعة الدول العربية وللمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، إلي جانب رؤساء الاتحادات العربية، وممثلين لبعض منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الثقافة، وعدد كبير من المبدعين والمثقفين العرب. وقد انقسم الاجتماع بعد الجلسة الافتتاحية إلي ثمان لجان عمل، ناقشت كل لجنة قضية ثقافية وانتهت فيها إلي توصيات محددة، ومن جماع هذه التوصيات جاءت الوثيقة الختامية للاجتماع، والتي أعلنها الدكتور سليمان عبد المنعم الأمين العام لمؤسسة الفكر العربي، وأعلن أنها سوف ترفع للسيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية. أما هذه اللجان الثمانية فهي: لجنة إنقاذ اللغة العربية، ولجنة حماية التراث، ولجنة الإبداع وحماية الملكية الفكرية، ولجنة رعاية ثقافة الطفل والشباب، ولجنة تحالف القيم وحوار الثقافات، ولجنة المحتوي الرقمي العربي علي شبكة الإنترنت، ولجنة السوق الثقافية العربية المشتركة، ثم لجنة الترجمة. وقد صاغت كل لجنة من اللجان مجموعة من التوصيات والمقترحات تصورت أنها ملائمة للعرض علي القمة لتتخذ في شأنها قراراً، ورغم أن معظم التوصيات والمقترحات أمسكت بقضايا مهمة في الواقع العربي، فإن بعضها ليس محله قمة للملوك والرؤساء العرب. إلا أن المشكلة الكبري في التوصيات فيما أعتقد كان ما يتعلق باللغة العربية، أو ما أسماه اللقاء "إنقاذ اللغة العربية"، لقد طرحت اللجنة في هذا الصدد مجموعة من التوصيات المهمة المتعلقة بتعليم اللغة العربية، وإعداد المعاجم اللغوية، لكن اللجنة تغولت في توصياتها، وتقدمت بمشروعات من قبيل، اعتبار اللغة العربية الفصحي اللغة الرسمية وفقاً للدساتير، ومنع استخدام العاميات العربية في الإعلانات أو في لغة الإعلام، إلي آخر مثل هذه التوصيات التي لن تؤدي إلي إنقاذ العربية الفصحي، فضلاً عن أنها لن تنفذ أصلاً، فقد تناست التوصيات أن من بين الدول العربية خمس دول علي الأقل بها مجموعات عرقية كبيرة غير ناطقة بالعربية، وتنص دساتير بعض هذه الدول وتشريعاتها علي اعتبار لغات هذه المجموعات العرقية لغات رسمية، مثل حال الأمازيغ في دول المغرب العر بي، خصوصا المغرب والجزائر، والأكراد في العراق، وسكان جنوب السودان، لقد أهدرت التوصيات حقوق ملايين من مواطني دول عربية وتعدت علي حقوقهم الثقافية واغتالتها بمنتهي الهدوء، كما تناست التوصيات أن قسماً كبيراً من الإبداع في عالمنا العربي كان ومازال بالعاميات العربية، أين سيذهب الشعر النبطي في الخليج والجزيرة العربية، أين تذهب إبداعات عبد الله النديم وبديع خيري وبيرم التونسي وفؤاد حداد وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب وفؤاد قاعود وأحمد فؤاد نجم وغيرهم... وكيف ننقذ الفصحي ونحارب العاميات في الإعلام والإعلان ونسبة الأمية في عالمنا العربي تتجاوز خمسين في المائة في بعض بلداننا العربية. أظن الأمر يحتاج إلي بعض التفكير.