رياح هبت فى غير موسمها بدأت إطلالتها من تونس ومن ثم مصر وانتشرت بعد ذلك فى ربوع الوطن العربى لتمكث حينا ولتمر مرور الكرام حينا آخر ، رياح الربيع العربى ، التى هزت الوطن العربى فى سنواته الثلاث الاخيرة. لتعلن ميلاد وموت انظمة جديدة وحكام لم يكن اقصى طموحهم ان يكونوا نوابا فى برلمانات بلادهم، ولم تكن هذه الرياح مرحبا بها بالطبع من قبل الحكام ولكنها كانت اقوى منهم ، ولاتزال امواج الغضب مستمرة فمنها ما سار فى مسار السياسة ومنها لايزال فى ميدان الثورة لا يجد الاستقرار ولا الامانى التى كان يصبو اليها وبين هذه الانظمة وتلك العديد من الانعاكسات على واقع ومستقبل الشرق الاوسط ،كان حوارنا مع المفكر والاديب العربى ،الدكتور صباح على الشاهر، والذى حدثنا عن ثورات الربيع العربى والتغيرت السياسية والاقتصادية التى اعقبتها وضرورة الاتحاد بين الدول العربية لمواجهة الهيمنه الغربية، وتحدث عن الارهاب الذى يحدث فى المنطقة والذى القى بظلاله الكئيبة على مصر ،وهل ما حدث من انتفاضات شعبية كان مخططا خارجيا ام انه محلى الصنع والإرادة ، وإلى نص الحوار اذا بدأنا برياح الربيع العربى التى زارت العديد من الدول العربية ، هل ترى ان هناك دولا لم يكن من المفترض ان يقوم بها انتفاضات او ثورات شعبية مثل اليمن وليبيا؟ ماحدث فى بعض الدول العربية هو حراك جماهيري، ولا يمكن أن يكون ثورات حتى تجاوزاً، فالثورات لا تحدث كى تغير رأس النظام ، ولا رموز النظام ، وإنما هى تُغيّرالنظام جذرياً ، وتنقله من وضع إقتصادى إجتماعى سياسى ، إلى وضع إقتصادى إجتماعى سياسى مغاير، ومختلف جذرياً، ومثل هذا لم يحدث فى أى بلد من البلدان التى تعرضت للهبات الجماهيرية المليونية، ويمكن القول أن ما حدث فى مصر على وجه الخصوص ، وبالشكل والحجم الذى رأيناه جميعاً ورآه العالم كله، شيء لا مثيل له، على الأقل فى التاريخ الحديث، وأن هذا الحراك المصرى تعبير عن عبقرية خاصة، ملتصقة بالعبقرية المصرية، وحيث أن الحراك المصرى لايزال متواصلاً فإن العملية ستكون حبلى بالجديد، إلا أنه من المؤكد أن ما بعد الحراك لن يكون وبأى حال من الأحوال مثل ما قبل الحراك، لقد إنطلق المارد المصرى من القمقم، وسيتحفنا الشعب المصرى بإبداعات أخرى ، ربما تأخذ وقتاً كى تكتمل. ولمعرفتى عن قرب بالأوضاع فى اليمن قبل الحراك، وكذلك للأوضاع فى ليبيا، ليس عبر القراءة والسماع ، وإنما عبر المعايشة ، حيث قيض لى الإطلاع على الأوضاع من الداخل، عبر زياراتى للبلدين كنت أتوقع حدوث تمرد فى ليبيا وكذلك فى اليمن ، ولكن ليس وفق السيناريو الذى حدث فى البلدين . اليمن فقير وليبيا غني، ولكن البلدين معاً كانا فقيرين إلى أقصى حد من حيث الحرية والديمقراطية والعدالة، وهذا لا يمنع من القول أن الحراكين فى البلدين لم يتما بسبب الأوضاع الداخلية فقط، وإنما بتأثيرات خارجية ، وبالأخص فى ليبيا التى كان الحراك فيها مخططا ومصمما ومنفذا خارجيا. ولا يوجد بلد عربى غير محتاج لرياح الربيع العربى ، الربيع العربى وليس الشتاء العربى . هل ترى ان ثورتى الياسمين بتونس و25 يناير بمصر قد نجحتا؟ وأيهما أنجح من وجهة نظرك؟ لكل من الحراكين طبيعته وظروفه، وإن تشابهت أسبابه، ولكن مصر غير تونس، موقعاً وحجماً وتأثيراً، بالإضافة إلى اختلاف الإخوان المسلمين فى مصر، عن فرع الإخوان ( حزب النهضة) فى تونس، وقوّة الأحزاب والتيار اليسارى فى تونس وضعفه نسبياً فى مصر، ووجود قيادة واضحة للحراك ، ممثله بأحزاب المعارضة التونسية ، وعدم وجود قيادة موحدة ، أو ذات خبرة ، فيما يتعلق بالحراك المصرى ، ولعل هذا من أهم الأسباب التى سهلت سرقة الحراك من قبل فصيل قوى له باع طويل بالعمل السياسى والتنظيمى ، ألا وهو الأخوان المسلمين فى مصر، الذين حظوا بدعم غير متناه من قبل التنظيم العالمى للأخوان ، ودعم كبير من قبل بعض الدول العربية كقطر، وبعض الدول الإسلامية كتركيا، بالإضافة إلى حماس ، والتنظيمات الدينية والإسلامية الأخرى . لهذه الأسباب وغيرها إتخذ مسار الصراع منحى مختلفا فى البلدين، بحيث أمكن للأحزاب التونسية إيجاد مخرج مناسب للإختلاف ، فى حين لم يكن ممكنا بالنسبة لمصر إلا حدوث زلزال الثلاثين من يونيو وتصدى القوات المسلحة المصرية لحسم الأمر، فأقوى ما فى مصر( بعد شعبها) جيشها، ليس ككم عددى وإنما كتنظيم وانضباط ، أما فى تونس فالأحزاب وتنظيمات المجتمع المدنى قوية وفعالة ، ويمكن القول أنها أكثر فاعلية وتأثيراً حتى من الجيش، ولهذا فقد اختلف مسار الحراكين، ولعله من المبكر القول أى منهما أنجح من الآخر، فتطور الأحداث سيكون كفيلاً بالإجابة على مثل هذا السؤال. كيف تخرج سوريا من هذه الازمة الطاحنة ، وهل حقا ما يحدث فى سوريا ثورة لتغيير نظام سياسى أم ان الامر اخذ صبغة دينية ؟ هل هى ثورة سورية ، أم ثورة عالمية ؟ فى سوريا يقاتل مقاتلون من أكثر من ثمانين بلداً ، مدعومين مما يسمى أصدقاء سوريا، وأصدقاء سوريا هم كامل العالم الرأسمالى وأنصار إسرائيل، وقطر الطامحة لقيادة الأمة دونما دالة ، وتركيا الطامحة بعودة الإمبراطورية العثمانية . هل ثمة بعد ثلاث سنوات من الدمار الذى لا مثيل له ، والجرائم التى فاقت كل تصور، سواء قطع الرؤوس وأكل القلوب والأكباد يوجد من يتحدث عن ثورة سورية ؟ ما يحدث فى سوريا ليس ثورة، وإنما هو صراع دولى على سوريا ساحته سوريا، صراع بين نظام آيل للسقوط بقيادة أمريكا وحلفائها ، ونظام منافس ينهض معتمداً على قوته، ومستغلاً ضعف من كان يحكم العالم بلا منازع، لا علاقة للدين بما يحدث فى سوريا ، وإذا وجد من يردد شعارات طائفية أو دينية فهو يستعمل الذرائع التى طالما استعملت عبر التاريخ، الدين هنا يُستغل مع الأسف الشديد ، يُستغل لأهداف هى بالضد تماماً لما يدعو إليه الدين. الحل السياسى يبدو بعيد المنال حالياً، فالصراع بين القوتين على نطاق العالم يشتد ، هو صراع كسر عظم كما يُقال، وأعتقد أن الحكم سيكون أولاً وأخيراً للميدان ، فمن سينتصر فى ساحات القتال ، هو الذى سيضع بصمته على شكل ولون سوريا المستقبل . كان هدف الصراع الجارى فى سوريا تغيير النظام ، من نظام ممانع، إلى نظام متابع ومشايع، ويبدو أن هذا لن يحدث، على الأقل فى المدى المنظور. لماذا من وجهة نظرك لم تمكث رياح الربيع العربى فى الدول التى هى ممالك مثل المغرب والبحرين على سبيل المثال ؟ فى البحرين ثمة حراك سلمى منذ أكثر من ثلاث سنوات ، ولكن مُعتم عليه ، ربما لأسباب طائفية ، أما المغرب فبالرغم من استشراء الفقر والفساد والتهميش ، وتعمق التمايز ، إلا أن مملكة المغرب ومنذ عقود نهجت نهجاً أثبتت الأحداث فاعليته، ألا وهو تسليم الحكم لمن تأتى به صناديق الاقتراع ، وبذا عزل القصر نفسه عن إخفاقات الحكومة ، ولذا فإن الغضب فى حالة تدهور الأحوال سينصب على الحكومة التى هى منتخبة ، وليست معينة من القصر ، وسيُصرف الغضب عبر الإتيان بحكومة أخرى منتخبة هى الأخرى .. إنها اللعبة الديمقراطية أياها التى تجعل كل شيء يدور فى حلقة مُفرغة ، تماماً كدوران ثور الناعور، بعض الممالك العربية لم تستفد من هذا الدرس لذا أعتقد أنها ستواجه هزات ، ربما ستغير طبيعة بعض الأنظمة . هل انت مع وجهة النظر التى تقول ان كل ما حدث من انتفاضات وموجات ثورية بالوطن العربى هو فى الأساس مخطط غربى تم وضعه بعناية ؟ لا.. ليس الأمر على هذا النحو تماماً ، لقد فوجئ الغرب بالحراك التونسى ، وفوجئ أكثر بالحراك المصري، ولعل هذا ما يُفسر التخبط الذى اتسمت به مواقف الغرب وأمريكا من الحدثين ، لقد كانت الأسباب التى دفعت لهذا الحراك أسباباً موضوعية داخلية ، تتعلق بتدهور الأوضاع فى هذين البلدين لدرجة لم تعد محتملة ، وإنسداد الأفق أمام إمكانية أى تغيير، لكن أمريكا والغرب حاولا بعد تجاوز الصدمة الاستفادة مما حدث ، وكانت لهما وسائلهما التى أعانتهما على اختراق الحراك وعقد تفاهمات مع قوى كانت محسوبة على الحراك، كالإخوان المسلمين، تفاهمات تجاوزت حدود البلد ذاته إلى رسم خارطة جديدة للمنطقة ، لقد تدخل الغرب ووكلاؤه فى الحراك فيما بعد ، وأفسد هذا التدخل نقاء الحراك، وحرّف مساره. هل الشعوب العربية حقا غير مؤهلة للديمقراطية وتستخدم الحريات المكتسبة من الثورات بوجهها السيئ فقط ؟ لا يوجد شعب فى العالم غير مؤهل للديمقراطية ، لكن الديمقراطية ليست ثوباً على مقاس كل الأجسام ، تجب مراعاة أن لكل جسم ثوبه ومقاساته، فما يصلح فى السويد قد لا يصلح فى الحجاز مثلاً ، قيم الديمقراطية واحدة ، لا خلاف عليها ، لكن تطبيقاتها متعددة ومتنوعة ، تنوع وتعدد المجتمعات الإنسانية ، فى ما مضى ، فى أواسط القرن الماضى طبق الزعيم سوكارنو ما سمُى بالديمقراطية الموجهة ، كانت تلك الديمقراطية إبداعا آسيويا ، ربطت الديمقراطية بالعدالة الإجتماعية ، فالديمقراطية إذا لم توفر رغيف العيش تصبح ترفاً و لهواً، ولعبة بيد الأغنياء والنخب. لقد حيل بيننا كشرقيين وبين تقديم رؤيتنا لكيفية إدارة مجتمعاتنا ، تلك المجتمعات التى اتسمت بميل فطرى للعدالة الإجتماعية ، وبنمط خاص من الإنتاج ، أسماه ماركس بنمط الإنتاج الآسيوى . توجد ثورة، وتوجد ردة، أو ثورات مضادة ، الردات هى التى تستخدم الحريات المكتسبة من الثورات بشكل خاطئ، وعلى عكس منطق وتوجهات الثورات ذاتها، الثورات الحقيقية هى الثورات المنتصرة ، والثورات المنتصرة هى ثورات دائمة ، لا وفق المفهوم التروتسكى الفوضوى ، وإنما وفق منطق الثورة ذاتها، فتحقيق غاية يولد غاية أخرى يتوجب تحقيقها ، ومن هنا يصح القول أن الثورة هى نقطة إنطلاق لتحقيق غايات لا متناهية، عندما ترى الثورة أنها حققت ما أرادت تحقيقه تكون قد إنتهت كثورة، وتحولت إلى تاريخ، وربما سيكون المجتمع بعد حين بحاجة إلى ثورة جديدة . هل ترى ان مصر ارض خصبة للارهاب مثل دول عديدة ام ان الامر مسألة وقت وسينتهى ؟ يؤسفنى القول ( نعم) ، ولعل الإرهاب لو انطلق فى مصر لا سمح الله ، فإنه سيكون أشد هولاً مما حدث فى البلدان الأخرى . يوجد عدد ليس قليلا من أولئك البشر الذين منحوا عقولهم إجازة، متصورين أنهم وحدهم من يحتكر الصواب، بل من يحتكر الكلام باسم الله، هؤلاء لم يظهروا فجأة ، وإنما تربوا وتشكلوا عبر مراحل زمنية طويلة نسبياً، مراحل كانت راكدة ، شاعت فيها أفكار التخلف والظلامية مترافقة مع التهميش ، وتضاؤل فرص العيش الكريم ، وإنعدامها أحياناً، لذا فإن مواجهة مثل هذا الخطر لا تعتمد فقط على القوة، وإنما عبر محاصرة التخلف بالتقدم، والظلامية بالتنوير هل تعتقد ان فكرة القومية العربية التى كان رائدها جمال عبد الناصر من الممكن أن تُنفذ الان أم أن هذه الأفكار صارت تخص زمنا مضى وغير مواتية لهذا العصر؟ القومية العربية ليست فكرة، ولا أيديولوجيا، العروبة هوية، واقع حال، شيء كالبداهة الأولي، ولا حيلة لك ولي، فنحن شئنا أم أبينا عرب، نتاج هذه البقعة الجغرافية الممتدة من المحيط إلى الخليج ، وخلاصة تاريخ يمتد عميقاً فى أحشاء التاريخ، تربطنا بعضنا ببعض مصالح واقعية ، غير مُفترضة ولا مُبتدعة ، وقد أثبتت التجارب أننا جميعاً سنكون أفضل وأحسن وآمن ، عندما نكون معاً ، وسنكون أضعف وأفقر ، وأهون على الآخرين عندما نكون متفرقين ، العروبة هى الحبل الذى يمكن أن يشدنا بعضنا إلى البعض بالرغم من اختلاف أنظمتنا ، وسيكون شيئا يندرج فى باب البلاهة أن نقطع هذا الحبل، وطالما العرب على سطح هذا الكوكب فسيكون للعروبة تجل واضح، وستكون لها بصمتها على سيماء العصر الراهن، إذا أحسنت معرفة ثقلها، وقدرت دورها، وبررت وجودها.