العدل قيمة كبرى ومعلم مهم فى كل رسالات السماء.. دعا اليه.. ودعا به سائر الرسل والأنبياء.. ثم هو من قبل ومن بعد.. ركيزة من أبرز ركائز الشريعة الخاتمة.. شريعة الإسلام.. به ومعه ينتظم عقد الجماعة.. وتتوافر فيها ولها الألفة والقوة والمناعة.. وفى ظل العدل تزدهر المدنية والحضارة.. وتتقدم الأمم وتنال الصدارة.. وتشرق وتتألق أرقى حقوق الإنسان.. والعدل الذى جاءت به رسالات السماء.. كما يلتزم به الناس فى الأحكام والمعاملات والسلوك والتصرفات.. قد عرفنا بسمو قيمته ورفعة مكانته القرآن الكريم فى قوله تعالي: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» (الحديد / 25).. ولقد كان حرص دستور السماء شديدا على إبراز قيمة العدل.. وهو القاسم المشترك فى مهام كافة الرسل والأنبياء.. فالعدل هو مبدأ أساسى فى شرع الله.. هو مناط ومعيار وضابط ومقياس وميزان التعامل بين الأفراد والجماعات.. وهو من دلائل التقوى ومن أوضح علاماتها.. بل هو أقرب الخطى الموصلة الى التقوي.. هو جهاز المحاسبة والمراقبة لتصرفات المؤمنين.. لذلك أمرنا الله.. بالعدل وألزمنا به فى كل أحوالنا.. مع القريب والبعيد والعدو والصديق.. فى القول والعمل فى الحكم والشهادة.. فالمؤمن قوله الصدق.. والصدق عدل.. «وإذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قربي» (الأنعام/ 152).. والعدل فى القول والعمل والقوامة والشهادة هو أمر الله للمؤمنين كافة يمتثلون له فى تعاملهم حتى مع من يعادون «يا أيها الذين أمنو كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى وأتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» (المائدة/ 8).. ثم إن القرآن الكريم قد قرن فى إعجاز بالغ بين القوامة والشهادة فى موضعين إثنين فأمر المؤمنين بهما إبتغاء وجهه مع الإلتزام بالقسط.. وفى أحد الموضعين جعل القوامة بالقسط والشهادة لله.. وفى الموضع الآخر جعل القوامة لله والشهادة بالقسط.. فيقول الحق تبارك وتعالى «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله» (النساء/ 135) ثم يقول «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط « (المائدة/ 8).. وبعد هذا التخصيص المعجز، جاء التعميم المبهر.. فى الأمر القاطع المطلق.. «قل أمر ربى بالقسط» (الأعراف/ 29).. فالقسط أى لعدل جاء أمرا مطلقا ومبدأ عاما مجردا ليكون ميزانا للحياة وفى الأمر كله. وإستكمالا لمسيرة العدل فى وجدان أفراد الجماعة المؤمنة.. وترجمته الفورية على سلوكهم وأخلاقهم ومعاملتهم.. فقد حذر القرآن الكريم من الانسياق وراء ضعاف النفوس.. أو التأثر بهم فى النيل من غيرهم والخوض فى أعراضهم أو الإساءة إلى مجتمعهم.. بترديد الأقاويل المرسلة.. أو إطلاق الشائعات المغرضة، هؤلاء الذين فسقوا عن أمر ربهم.. فأخلوا بموازين العدل.. وجنحوا إلى طريق الظلم.. حذر القرآن الكريم من هؤلاء المارقين وأمر المؤمنين بالتحسب لهم.. واليقظة حيالهم.. والتثبت من أقوالهم.. والتحقق من أنبائهم وأخبارهم ووزنها بميزان القسط والعدل لأنهم إن لم يفعلوا فقد يصيبون الغير عن جهالة وظلم.. ويصيرون الى الندم وعذاب الضمير.. «ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات/ 6). وإذ كان العدل الأسلامى هو مناط وضابط العلاقات بين أفراد الجماعة المؤمنة.. فهو كذلك اساس وركيزة الحكم فى الدولة المؤمنة.. ففى حين يوجه القران الكريم أوامره إلى المؤمنين بالتزام العدل والوزن بالقسط فهو يصدر كذلك أوامره إلى ولاة الأمور ان يصونوا الأمانة التى استودعهم الله إياها.. والعدل أمانة فى عنق الراعى عليه أن يؤديها إلى الرعية.. والعدل بهذه المثابة هو أساس الملك والحكم.. وهو ليس مجرد فضيلة خلقية تسوى بين الناس أمام القانون وفى مجالس القضاء.. وإنما هو عدل.. مطلق بأمر القرآن الكريم بمراعاته حين إصدار الأحكام وعند تطبيقها.. لا يختص به جماعة دون أخري.. ولا أفرادا دن آخرين.. فالمسلم وغير المسلم تحت مظلة العدل سواء.. ذلك ان العدل فى الإسلام حق من حقوق الإنسان.. والإنسان بوصفه إنسانا لحقوقه إحترام وصيانة وحرمة.. عدل السماء.. عدل الإسلام هو عدل مطلق عام ومجرد.. ويتمتع به الناس كافة من جميع الأديان والأجناس والألوان فالأمر الإلهى وموجه إلى الناس قاطبة من أجل الناس قاطبة.. والعدل حق وواجب يلتزم به الحاكم والمحكوم.. يتفيأ ظلاله كل إنسان فى كل زمان ومكان.. «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها.. وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (النساء/ 58). وإذ كان الظلم هو نقيض العدل فقد تكفل الحق تبارك وتعالى بالإستقرار والطمأنينة والأمن والسلام لكل جماعة تؤمن بالله، يسودها العدل.. لا تشوب إيمانها شائبة من ظلم.. فى دستور خالد باق ما بقيت السموات والأرض» الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» (الأنعام/ 82). وحين تعود الأمة الإسلامية إلى أصلها، وتلتزم بمباديء دستورها.. وتئوب إلى حظيرة إيمانها.. وتعتدل موازين العدل فيها.. فلن ينال منها أبدا عدو أو يخترق نسيجها غادر خئون.. أو تتفوق عليها فى الأرض قوة.. أو تغرب عنها شمس الأمن والسلام، ولسوف يصدق فيها وعد الله.. «أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» ثم إنه من قبل ومن بعد.. فإن العدل فى الإسلام هو حق من أعظم وأجل حقوق الإنسان.