يُعَدُّ العدل من القيم الإنسانية الأساسية التي جاء بها الإسلام، وجعلها من مُقَوِّمَاتِ الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والسياسية، حتى جعل القرآنُ إقامةَ القسط - أي العدل - بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلها، فقال تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط" (الحديد 25). وحقيقة العدل في الإسلام، أنه ميزان الله على الأرض، به يُؤْخَذُ للضعيف حَقُّه، ويُنْصَفُ المظلومُ ممن ظلمه، ويُمَكَّن صاحب الحقِّ من الوصول إلى حَقِّه من أقرب الطرق وأيسرها، وهو واحد من القيم التي تنبثق من عقيدة الإسلام في مجتمعه؛ فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حَقُّ العدالة وحقُّ الاطمئنان إليها. فالمراد بالعدل إعطاء كل ذي حق حقه ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، من غير تفرقة بين المستحقين ولأهمية العدل ومنزلته ، بعث الله رسله وأنزل كتبه ، لنشره بين الأنام. والمقصود بالقسط, العدل ، فهو قوام الدنيا والدين ، وسبب صلاح العباد والبلاد ، به قامت السموات والأرض ، وتألفت به الضمائر والقلوب. و العدل وضعه الله تعالى لتوزّع به الأنصبة والحقوق، وتقدر به الأعمال والأشخاص، إذ هو الميزان المستقيم، الذي لا تميل كفته، ولا يختل وزنه، ولا يضطرب مقياسه، فمن رام مخالفته، عرّض عمرانه للخراب، وعزته للهوان. والعدل كما يتناول التوحيد فإنه يتعدى ذلك ليشمل السلوك الإنساني كله: في الفكر والتصورات، وفي القول والعمل، مع الذكر والأنثى، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، والموافق والمخالف، والصديق والعدو، والغني والفقير؛ فالعدل قيمة مطلقة لا يدخلها تقييد، وقد دلت النصوص الشرعية على ذلك كله. وقد أمر الله بالعدل في أكثر من موضع من كتابه الكريم فقال - تعالى - آمراً بالحكم بالعدل: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58]. إن المجتمع الذي يضمن نظامه العدل ، لا بدّ أن يجني في حياته ثمرات عظيمة ومنافع كثيرة . فالعدل مشعر للناس بالاطمئنان والاستقرار، وحافز كبير لهم على الإقبال على العمل والإنتاج، فيترتب على ذلك نماء العمران و إتساعه، وكثرة الخيرات وزيادة الأموال والأرزاق. وقد أمر الله رسوله بان يستقيم على الحق الذي أمر به، وألاّ يتبع اهواء الناس التي تخالف الحق وتجنح الى الباطل, وألاّ يفرق بين كتاب وكتاب وبين حق وحق، بل يتبع الحق كله، يهواه او لا يهواه. وانهي بقولة تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على أنفسكم و لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون). [email protected] لمزيد من مقالات رانيا حفنى