في زمن لم تكن فيه الطائرات ولا الأقمار الصناعية، وُثّقت ملامح المدن الكبرى بريشة الفنانين ودقة الجغرافيين. ومن بين هذه المدن، كانت القاهرة – درة الشرق وسيدة العواصم الإسلامية – حاضرة في أضخم أطلس خرائطي عرفه التاريخ. خريطة نادرة نُشرت عام 1599، رسمت ملامح العاصمة المصرية كما بدت لعيون الأوروبيين في عصر المماليك والعثمانيين، ضمن أطلس "Civitates Orbis Terrarum"، أحد أعظم إنجازات cartografia الأوروبية. خريطة قديمة لمدينة القاهرة (1599): تُعد هذه الخريطة من أقدم الوثائق المصورة التي تمثل مدينة القاهرة، وقد صمّمها كلٌّ من: جورج براون (Georg Braun): كاتب النصوص المرافقة. فرانس هوغنبرغ (Frans Hogenberg): رسام الخرائط والنقّاش الذي نفّذ التصاميم بدقة عالية. الخريطة جزء من أطلس المدن الشهير "Civitates Orbis Terrarum"، الذي بدأ نشره عام 1572، وضمّ أكثر من 363 نقشًا توثيقيًا لمدن العالم، منها ما هو ملوّن، وشمل أوصافًا تاريخية ومعمارية دقيقة. القاهرة كما ظهرت في الخريطة المدينة من منظور مرتفع: رُسمت القاهرة كما تُرى من الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبدو متدرجة فوق الأراضي، وتحيط بها المآذن، والقباب، والحدائق المتناثرة. الضفة الغربية: تظهر بوضوح أهرامات الجيزة وتمثال أبو الهول، وسط الصحراء، عند خلفية المشهد. اقرأ أيضًا | الإحصاء: القاهرة أعلى المحافظات سكانًا الشوارع مزدحمة: وصف براون القاهرة بأنها مدينة مزدحمة يصعب فيها المرور، مليئة بالناس والخيول والبغال. المباني: المنازل مكعبة الشكل ومتناسقة، والمباني العامة تضم مدارس، مستشفيات، حمّامات، وقصور. الحياة اليومية: في الزاوية اليسرى من الخريطة، تظهر نساء محجّبات يركبن الحمير، ورجل يقطف التمر من النخيل. النصوص المرافقة والملاحظات اللاتينية "مترجمة" - عنوان الخريطة: القاهرة، المعروفة سابقًا باسم بابل؛ مدينة ضخمة في مصر. - تعليق جورج براون: "يقال إن القاهرة تحتوي على نحو 30,000 منزل، وتضم قصورًا أميرية ومعابد ومدارس ومستشفيات، وشوارعها تعج بالحياة، النساء يرتدين السراويل الحريرية المزينة بالجواهر كما الرجال، ويُسمح للرجال بتعدد الزوجات" . رؤية أوروبية لأبو الهول والأهرامات -عن تمثال أبو الهول: "الرأس نُحت من قطعة واحدة من الحجر، ويبلغ طوله نحو عشرة أقدام سداسية. ووفقًا للمؤرخ سترابو، فهو تذكار لهيتيرا (محظية) جميلة تدعى رودوبيس، أحبها الملك وبنى لها التمثال والهرم" . - عن الأهرامات: "لم تكن إلا استعراضًا فارغًا للثروة، بنى الملوك – أو الوحوش المتوّجة – هذه الأبنية العملاقة لتخليد أنفسهم، لكن أسماءهم لم تُعرف حتى، ما يُعد دلالة على عبثية هذه المحاولات." خلفية تاريخية وسياق زمني - الحقبة الزمنية: نُشرت الخريطة عام 1599، أي بعد أكثر من 80 عامًا من دخول العثمانيين إلى مصر سنة 1517. - السكان: في ذلك الوقت، كانت القاهرة لا تزال مركزًا حضاريًا وثقافيًا مهمًا في العالم الإسلامي، ويقدّر عدد سكانها اليوم بحوالي 8 ملايين نسمة. - المصادر المستخدمة: استند براون وهوجنبرج إلى خرائط عربية وعثمانية سابقة، مما أعطى الخريطة دقة نادرة في تصوير معالم القاهرة. أهمية الخريطة: تمثل هذه الخريطة إحدى أقدم التمثيلات الأوروبية التفصيلية للقاهرة، وتكشف لنا كيف رأى الغرب عاصمة الشرق الكبرى، من حيث المظهر، الثقافة، والبنية الاجتماعية. كما تسلط الضوء على النظرة الأوروبية المعجبة تارة والمتحاملة تارة أخرى تجاه الآثار المصرية القديمة. في هذه الخريطة التي يزيد عمرها عن أربعة قرون، تتجلّى القاهرة كمدينة نابضة بالحياة، شاهقة بالمآذن والقصور، وتُحاط بالأهرامات وأسرار التاريخ. إنها شهادة نادرة من عدسة الفن الأوروبي على مجد مدينة لا تنام، ظلت عبر العصور حلمًا للمؤرخين والمسافرين والرحالة. اقرأ أيضًا | محافظ القاهرة ومستشار رئيس الجمهورية للتنمية المحلية يترأسان اجتماع تطوير حديقة الأزبكية