قد تظن أن شخصية القرد الحكيم "رفيقي" في فيلم The Lion King من ابتكار خيال ديزني فقط، لكن المفاجأة أن هذه الشخصية مستوحاة إلى حد كبير من أسطورة فرعونية قديمة، بطلها إله الحكمة "جحوتي"، ذلك القرد المقدّس في مصر القديمة، الذي وقف بشجاعة أمام القوى الغاضبة لإنقاذ البشرية من الفناء. فالمشهد الذي نراه في الفيلم، حين يقف رفيقي وجهًا لوجه أمام الأسد موفاسا دون خوف، يشبه تمامًا لحظة خالدة من الأدب المصري القديم، عندما وُجهت إلى "جحوتي" مهمة خطيرة لتهدئة الإلهة الغاضبة "تفنوت" أو "سخمت"، بعد أن كادت تفني البشر. من هو جحوتي؟ "جحوتي" أو "تحوت"، إله الحكمة، والمعرفة، والكتابة في مصر القديمة، تجسد أحيانًا بهيئة قرد مقدس من نوع البابون، وأحيانًا بطائر أبو منجل. وُصف بأنه الحكيم الذي يعرف كل شيء، ويستطيع بذكائه تهدئة حتى أقوى الآلهة. قصة "إحضار البعيدة" أو "هلاك البشرية" واحدة من أقدم وأعمق الأساطير في الأدب المصري القديم، وتحمل بداخلها رسائل إنسانية عميقة، تبدأ القصة بأن البشر تمردوا على الإله "رع" رب الشمس، فأرسل عليهم الإلهة "سخمت" وفي روايات أخرى "تفنوت"، وهي إلهة القوة والعقاب، لتُبيد الجنس البشري. لكن حين أوشكت على تدمير كل شيء، تدخل "رع" لإنقاذ ما تبقى من البشر، فأمر جحوتي بالسفر إلى الجنوب، حيث اختبأت "تفنوت"، وطلب منه أن يعيدها. اقرأ أيضًا | لوحة حجرية نادرة.. لمحة مذهلة من الحياة اليومية في مصر القديمة دور جحوتي في تهدئة الإلهة الغاضبة بذكائه وفطنته، ابتكر "جحوتي" حيلة لإنقاذ البشرية: * صنع مشروبًا أحمر اللون (خليط من الجعة والنبيذ) يشبه الدم. * سكبه على الأرض حتى ظنّت "سخمت" أنه دم حقيقي. * شربت منه حتى سكرت ونامت. * وهكذا توقفت عن القتل، ونجا البشر من الهلاك. * المشهد يرمز لانتصار الحكمة على العنف، والعقل على الغضب. المشهد في معبد الدكة بالنوبة في معبد الدكة بمنطقة النوبة، لا تزال النقوش على الجدران تخلّد هذه اللحظة. نرى بوضوح جحوتي (في هيئة قرد) يقف بثبات أمام "تفنوت"، الإلهة الغاضبة، في مشهد يبدو وكأنه اللقطة الأصلية التي استوحت منها ديزني مشهد رفيقي أمام الأسد في The Lion King. ديزني والتأثر بالأساطير الفرعونية شركة ديزني لم تقتبس أحداث أفلامها من فراغ، بل تستلهم كثيرًا من التراث العالمي القديم، بما فيه الأساطير المصرية. شخصية "رفيقي" تمزج بين الحكمة، الجنون الظاهري، والروحانية العميقة، وكلها سمات تنطبق على "جحوتي" في الأساطير الفرعونية. ما بين جدران المعابد، وصفحات البردي، ومشاهد الأفلام، تتقاطع الحكايات. فالقرد الحكيم الذي أنقذ البشرية قبل آلاف السنين، لا يزال يُلهمنا حتى اليوم، وإن تغيّرت الأسماء والمنصات. فربما حين نُشاهد "رفيقي" مرة أخرى، سنراه ليس مجرد شخصية كرتونية، بل صوت الحكمة القديمة القادم من ضفاف النيل. اقرأ أيضًا | تميمة في كفن وكارثة في كتاب مقدّس.. رانيا ممتاز تكشف أسرار الضفدع في مصر القديمة