اعرف مرشحك.. أسماء المرشحين في انتخابات الشيوخ 2025 بجميع المحافظات | مستند    طب قصر العيني يبحث مع مسؤول سنغالي تعزيز التعاون في التعليم الطبي بالفرنسية    ما مصير أسعار الذهب الفترة المقبلة؟ الشعبة توضح    Carry On.. مصر تقترب من إطلاق أكبر سلسلة تجارية لطرح السلع بأسعار مخفضة    وزير الكهرباء يبحث الموقف التنفيذي لتوفير التغذية لمشروعات الدلتا الجديدة    زيلينسكي: روسيا أطلقت أكثر من 300 غارة جوية على أوكرانيا    الإصلاح والنهضة: الشراكة الاستراتيجية بين مصر والسعودية حجر الزاوية لاستقرار المنطقة    لويس دياز يتمسك بالرحيل عن صفوف ليفربول    تصاعد كثيف للدخان.. حريق يلتهم مخزنًا في البدرشين | صور    الطقس غدا.. انخفاض الحرارة وارتفاع الرطوبة والعظمى بالقاهرة 35 درجة    الأوقاف في ذكرى اكتشاف حجر رشيد: شاهد على سبق الحضارة المصرية    ليلى علوي نجم الدورة 41 لمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    بالصور.. نانسي عجرم تستعرض إطلالتها بحفل زفاف نجل إيلي صعب    إلهام شاهين وابنة شقيقتها تحضران حفل زفاف في لبنان (صور)    أسباب الشعور الدائم بالحر.. احذرها    أسيل أسامة تحصد ذهبية رمي الرمح بالبطولة الأفريقية في نيجيريا    محافظ المنيا يتفقد سير العمل بمحطة رفع صرف صحي بقرية بردنوها    طفل يقود تريلا.. الداخلية تكشف ملابسات فيديو صادم | فيديو    تعاون أكاديمي جديد.. بنها ولويفيل الأمريكية تطلقان مسار ماجستير في الهندسة    إصابة 20 شخصًا إثر حادث دهس بلوس أنجلوس    القاهرة الإخبارية: وقف الحرب لم يضع حدًا للاشتباكات في السويداء    الحكم على الرئيس البرازيلي السابق بوضع سوار مراقبة إلكتروني بالكاحل    رسالة مؤثرة وتحية ل"الكينج".. أنغام تتألق بافتتاح مهرجان العلمين الجديدة    محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع الثالث لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمجموعة العشرين "G20"    وزارة الصحة": إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار منذ انطلاقها في يوليو 2018    "بائعة طيور تستغيث والداخلية تستجيب".. ماذا حدث في المعادي؟    الاستهدافات مستمرة.. غزة تدخل مرحلة الموت جوعًا    تحليق مكثف للطيران الإسرائيلي فوق النبطية والحدود الجنوبية للبنان    اندلاع حريق داخل مخزن فى البدرشين والأطفاء تحاول إخماده    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يُقر تعويضات إضافية لعملاء الإنترنت الثابت    التعليم: إتاحة الاختيار بين الثانوية والبكالوريا أمام طلاب الإعدادية قريبا    ضبط طن من زيت الطعام المستعمل داخل مصنع مخالف لإعادة تدوير زيوت الطعام ببنى سويف    إعادة الحركة المرورية بالطريق الزراعي بعد تصادم دون إصابات بالقليوبية    سلاح أبيض وخلافات زوجية.. إصابة شابين بطعنات في مشاجرة بقنا    ليفربول يعزز هجومه بهداف أينتراخت    "استعان بأصدقائه".. كيف يعمل رونالدو على إعادة النصر لمنصات التتويج؟    بعد فسخ عقده مع القادسية السعودي.. أوباميانج قريب من العودة لمارسيليا    إسرائيليون يعبرون إلى الأراضي السورية بعد اشتباكات مع جيش الاحتلال    توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية ولويفيل الأمريكية    بسبب تشابه الأسماء.. موقف محرج للنجم "لي جون يونغ" في حفل "Blue Dragon"    الواعظة أسماء أحمد: ارحموا أولادكم صغارًا تنالوا برهم كبارًا.. والدين دين رحمة لا قسوة    عاوزه أوزع الميراث على البنات والأولاد بالتساوى؟.. أمين الفتوى يجيب    «سباكة ولحام ونجارة».. بدء الاختبارات العملية للمرشحين للعمل في الإمارات (تفاصيل)    هل خصم فيفا 9 نقاط من الإسماعيلي؟.. النادي يرد ببيان رسمي    الصحة: إجراء 2 مليون و783 ألف عملية جراحية ضمن المبادرة الرئاسية لإنهاء قوائم الانتظار    «الرعاية الصحية»: إنشاء مركز تميز لعلاج الأورام في محافظة أسوان    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    «350 من 9 جامعات».. وصول الطلاب المشاركين بملتقى إبداع لكليات التربية النوعية ببنها (صور)    شاهد أعمال تركيب القضبان بمشروع الخط الأول بشبكة القطار الكهربائى السريع    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    البطاطس ب9 جنيهات.. أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت في سوق العبور للجملة    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أوجات.. وطقوس فتح الفم" تواكب افتتاح المتحف المصري الكبير
نشر في صوت البلد يوم 11 - 01 - 2020

على غلاف هذا الكتاب وضع ناشره شريطًا ملونًا كتب عليه: "هديتنا لافتتاح صرح الألفية الثالثة.. المتحف المصري الكبير GEM 2020" .
وعلى غلافه الأخير قال: يُسعدنا أن تُواكب هذا الحدث الثقافي والحضاري الضخم الذي تُهديه مصر للعالم كله، والمتمثل في افتتاح المتحف المصري الكبير “GEM” خلال هذا العام، بإصدار هذا الكتاب الذي تُبحر فيه مؤلفته القاصة منة الله سامي في طبقات تاريخ مصر القديم، وهي تُبدع مجموعتها القصصية السابعة التي اختارت لها عنوانًا لافتًا هو "أوجات.. وطقس فتح الفم".
وتكمن أهمية هذا الكتاب في كون مؤلفته، المتخصصة في العلوم والتي تعد دراستها لنيل درجة الدكتوراه في المناعة، والتي تعمل محررة بنشرة الأخبار الإنجليزية بقناة النيل الدولية، تُعَد من أشد المغرمين بحضارة مصر القديمة، ومن أكثر المطَّلِعين على تجلياتها ومتونها، وما كتبه المستشرقون حولها.
في هذه المجموعة القصصية لن تجد، عزيزي القارئ، نصوصًا تقليدية تُحاكي ما قرأته من قبل في كتب التاريخ عن حضارة مصر القديمة بأبطالها وملوكها وكهنتها، بل هي نصوص تُصوِّب أحداثًا سبق أن وصلتنا مغلوطة أو شائهة، أو تُجلّي حقائق لا تزال غائبة عن الكثيرين منا.
والكاتبة ركبت آلة الزمن صوب هذا الماضي السحيق لتعود إلينا بهذه الرؤى أو النصوص القصصية التي بين أيدينا في هذا الكتاب.
ونحن كناشرين نسعد بتقديم هذا الإنجاز الذي يُعد إضافة في مجال الإبداع القصصي الذي يستلهم التاريخ القديم أو يستوحي منه.
كما أنه يُعتبر مواكبة لحدث كبير لطالما تاقت النفوس إلى تحققه أو إلى حدوثه.
وفي إهدائها لهذه المجموعة كتبت منة الله سامي: "إلى مصر في عام 2020 وهي تشهد افتتاح دُرة العقد.. جوهرة "كِمِت" وقلبها النابض.. أثر أجدادنا الذين تاقوا للخلود فتحدوا الزمن.. وها نحن بينهم اليوم وكأن أبعاد الزمن المتعددة تنصهر في بوتقة واحدة تنبع على امتداد البلاد لتتفجر نورًا وعلمًا في المتحف المصري الكبير.
وفي تقديمه لهذه التجربة يقول الناقد الدكتور عبدالبديع عبدالله، أستاذ الأدب الحديث والنقد بجامعة بورسعيد: هل مازلنا نذكر "شامبليون".. العلّامة الذي كشف الحجاب عن اللغة المصرية القديمة؟
إن ما كنا نراه صورًا ورسوم حيوانات وطيور أعلن أنه أبجدية المصريين الأقدمين. جاء فك طلسمها من البحر، حينما عثرت بعثة مكتشفين على "حجر" راكد في قاع البحر قرب مدينة "رشيد"، فعُرف الحجر باسم المدينة وصار "حجر رشيد" المنقوش عليه حروف يونانية ولاتينية والثالثة هي حروف اللغة المصرية القديمة. وبهذا الكشف الذي تفتقت عبقرية "شامبليون" عن فك طلسمه بمضاهاة حروفه بنظيراتها في اليونانية واللاتينية، وأدرك العالم شيئًا عن أقدم حضارة عرفتها الإنسانية، وقدمت للبشر نُظم الحياة والفصول الزراعية المتغيرة بتغير أحوال الجو.
عرف العالم كيف بحث الإنسان المصري القديم عن الله.. بدءًا من الطوطم إلى التوحيد.. كيف فكر في التجريب بعد التأمل والفلسفة والتفكير. كانت الرياضيات والكيمياء الأساس الذي بنى عليه عمارته، وحفظ كائناته، وحافظ عليها عبر الأزمنة بسر أسراره العلمية، بل اهتدى بثقافته الرفيعة إلى أن صنع لذاته قوة دفع تساعده على الارتقاء والسيادة.
وصدق "شامليون" فيما توقعه عن مصر القديمة بعد أن انكشفت للعالم أغنى مقبرة في تاريخ الإنسانية بكنوزها ومعارفها في 4 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1922 حين اهتدى حسين عبدالنبي العامل في الحفر إلى فتحة في المقبرة فأبلغ الأثري هوارد كارتر، واللورد كارنافون، فكان الكشف.. الأقنعة الذهبية للملك توت عنخ آمون والعصي والمقاعد الذهبية، والأسرة الجنائزية.
وظهرت مئات الكتب عن "المصريات"، وتزينت أعظم متاحف العالم بما حصلت عليه من جواهر الآثار المصرية ومومياوات ملوكها، وقدمت السينما الأميركية موجة من الأفلام عن مصر القديمة أشهرها فيلم "وادي الملوك" و"أسطورة المنسيين"، ومازالت موجاتها منسابة حتى اليوم تُبهر العالم بمرئيات حضارة غاربة.
ويتساءل ناقدنا: ونحن.. ماذا فعلنا بتاريخنا؟
ويجيب: أخشى أننا لم نفعل أكثر من زيارات: منطقة آثار الأهرام، والبر الشرقي أو الغربي بالأقصر، وتركنا للسائح الغربي الاستمتاع بما انكشف من آثار الأقدمين والتعرف على ما امتلكوه من علم وفن ودين وحضارة.
أما الأدب فلم نقرأ منه في لغتنا العربية إلا: "سنوحي" للدكتور محمد عوض محمد، و"ملك من شعاع" لعادل كامل، وكتابات نجيب محفوظ الروائية الأولى: "رادوبيس"، و"كفاح طيبة"، و"عبث الأقدار"، وهي إسقاطات على ما نعيشه في واقعنا في مواجهة الاستعمار، أكثر منها محاولة لاستعادة صورة مصر القديمة كما كانت عليها.
وجاء جيل جديد من الكُتَّاب والكاتبات، وتأملنا منهم خيرًا، خاصة وأن روح "المصرية" سرت في كياناتهم، فجدوا في البحث عن الجذور الممتدة في عمق التربة المصرية لاكتشاف روح مصر القديمة وطبيعتها.
وقد قرأت للأديبة منة الله سامي من قبل كتابًا يضم قصصًا قصيرة بعنوان "كِمِت"، و"كِمِت" كما يدل عليه الاسم هو مصر كما كانت تُعرف قديمًا، أو هي "الأرض السوداء" أرض الزراعة والحضارة التي قامت على ضفتي النيل.
وها هي اليوم تقدم مجموعتها الجديدة التي صارت الأسماء القديمة مألوفة على قلمها، دارجة في سردها: "أوجات.. وطقس فتح الفم". فنقرأ أسماء: رع، أوزير، حورس، آتوم-رع، ست، نفتيس، بتاح، نوت، خنوم، أبوفيس، إيزيس، حتحور، سخمت، إنبو، شو، جحوتي، عنخ، حقت، خت، آميت.
وتمثلت هذه الأسماء القديمة الجديدة في قصصها التي قامت أيضًا على شخصيات ومعانٍ من تلك التي عاشها المجتمع المصري القديم مثل: "سحر الوردة"، "آتوم-رع"، "آمون"، "نوت"، "أوزير"، "من أجل المجد قتلت أخي"، "رأس إيزيس"، "طقس فتح الفم"، "عين رع".. إلى آخره.
وفي ظني أن هذه القصص.. الإشارات إلى عالم كان قائمًا واختفى.. تحتاج إلى ملء فراغ ما بين نصين.. النص المؤلف والنص المستدعى من أعماق الماضي للبناء عليه.
ففي قصة "طقس فتح الفم" تستدعي المؤلفة أقدم شخصية أسطورية في ميثولوجيا مصر القديمة، من خلال أسطورة "أوزيريس" و"ست" و"حورس" التي يتممها إصرار "إيزيس" على إنقاذ "أوزيريس" من أنياب الشر بمساعدة الابن "حورس".
تبدأ الكاتبة مفاجأتنا بحمل "نفتيس/ نبت حوت" بطفل في أحشائها.. والمفاجأة الكارثية أن الحمل ليس نَبت زوجها "ست".. أي أن الحمل ليس طفلًا من الشر "ست"، بل من الخير "أوزيريس".
والغريب أن المُلهَمة "إيزيس"التي وجدت الطفل وحيدًا في الخلاء بعد أن تخلت عنه "نفتيس" تحمل الطفل وتحنو عليه لأنها بحدس نوراني تعرف أنه ابن زوجها "أوزيريس"، فتربيه مع ولدها "حورس"، ويكتسب الطفل من الآلهة الإلمام بعلوم التحنيط "الكيمياء" والطب، وذلك تهيئة للدور المُناط القيام به وهو الاشتراك مع "حورس" في إنفاذ أمر "رع" وإعادة الروح إلى "أوزيريس".
وهكذا يتعاون الأخوان غير الشقيقين على إنفاذ إرادة "رع".. هكذا يقول "أنوبيس" لأبيه "أوزيريس".. "ارتفع وواحيا".. أي تنفيذ لإرادة "رع".. "وتمسك بهيئتك الجديدة وتجنب جريمة من أساء إليك".. أي يولد الخير من الشر.. وتولد الحياة من الموت.. هكذا تتحقق مشيئة "رع" في استعادة "أوزيريس" أو الخير، وتوقف الشر عن التمدد والانتشار ف"ست" لم يأت بولده.. وزوجته لم تحمل منه وإنما حملت من الخير الكاسي وجه الدنيا، وعجز الشر عن الاستمرار.. هذه حكمة الحياة.. الحكمة التي استلهمها الحكماء من فيضان النيل كل عام جالبًا معه الخير والحياة لافظًا القحط والجفاف والموت.
وثم يتوقف الناقد أمام قصة "عين رع" فيقول: حينما تهرع "سخمت" لتلبية أمر أبيها الإلهي "رع" بعيدًا في أقصى الجنوب، وتعود لتجد أن مكانها في خدمة أبيها قد ضاع بعد أن استبدلها بأخرى.. ويغلبها الحزن النبيل والبكاء.. ولكن النصيحة والحكمة الإلهية تدعوها للصبر، فأبيها لا يخذلها بل يهيئها لوضع أفضل.
تستحيل "سخمت" إلى حيّة الكوبرا المهيب.. وتنفث ألسنة اللهب في كل من يقترب من "رع" ويضعها على جبهته بينما تتحرك في كل اتجاه نافثة لهبها وسمومها حماية ل "رع" الأكبر.
هكذا تحولت إلى الكوبرا الحية ذات القدرات التي لا تنفد حماية للإله "رع" وتحت طاعته.
أما التمرد والغضب فيقودانها إلى حتفها.. هرعت المتقلبة "حتحور".. "تفنوت".. سخمت" إلى بلاد النوبة.. تعيش كلبؤة متوحشة تلتهم كل شيء في طريقها.. وتنساب من فمها وفكيها دماء حارة وهي طالبة المزيد.
فتُظهر عين "رع".. القدرة التي تتجلى عند الحاجة إليها.. تلتهم كل ما يعترضها.. وبعد ذلك تنتاب "رع" موجة حزن على ابنته وهو يريد أن يخلصها مما حاق بها فيرسل لإنقاذها "شو" و"جحوتي" في هيئة قردة، يعملان بحنو ومحبة لاستمالتها مما وقعت فيه لتعود إلى كنف أبيها ورعايته، وتقبل العودة ويحتفل بها الرسولان ويحملانها في موكب موسيقي، يجعلها تتهيأ لتتطهر في النيل وتعود إلى إشراقها النوراني بعد أن تغتسل في مائه الطاهر وتعيش في حمايته ملبية أوامره في أن توجه طاقتها لحماية وطنها من الأعداء.
ولكن الكاتبة اختارت أن يكون نصها معادلًا للنص المصري القديم الذي وصل إليها في "كتاب الموتى" أو "الخروج إلى النهار".. وفيما نقله الدارسون للحضارة من نصوص مثل أناشيد بردية "رند" وأنشودة آمون، ومؤلفات أخرى كثيرة عن آلهة مصر القديمة، بالإضافة إلى نصوص من الكتب المقدسة من العهد القديم والجديد وأيضًا من النص القرآني، وكأن الكاتبة أرادت أن تجعل نصها معادلًا للنص القديم الذي استخدم الإشارات والرمز والتلميح تاركة لقارئها أن يملأ فراغ ما بينهما وأن يبحث عن المسكوت عنه في هذه الاستدعاءات الأدبية لحياة كانت قائمة قبل آلاف السنين، ولم يبق منها إلا علامات يهتدي بها من يبحث عن حقيقتها.
بقي أن نشير إلى لوحة الغلاف التي رسمها الفنان السكندري الكبير ماهر جرجس والتي تعد معادلًا بصريًا رائعًا لهذه القصص.
على غلاف هذا الكتاب وضع ناشره شريطًا ملونًا كتب عليه: "هديتنا لافتتاح صرح الألفية الثالثة.. المتحف المصري الكبير GEM 2020" .
وعلى غلافه الأخير قال: يُسعدنا أن تُواكب هذا الحدث الثقافي والحضاري الضخم الذي تُهديه مصر للعالم كله، والمتمثل في افتتاح المتحف المصري الكبير “GEM” خلال هذا العام، بإصدار هذا الكتاب الذي تُبحر فيه مؤلفته القاصة منة الله سامي في طبقات تاريخ مصر القديم، وهي تُبدع مجموعتها القصصية السابعة التي اختارت لها عنوانًا لافتًا هو "أوجات.. وطقس فتح الفم".
وتكمن أهمية هذا الكتاب في كون مؤلفته، المتخصصة في العلوم والتي تعد دراستها لنيل درجة الدكتوراه في المناعة، والتي تعمل محررة بنشرة الأخبار الإنجليزية بقناة النيل الدولية، تُعَد من أشد المغرمين بحضارة مصر القديمة، ومن أكثر المطَّلِعين على تجلياتها ومتونها، وما كتبه المستشرقون حولها.
في هذه المجموعة القصصية لن تجد، عزيزي القارئ، نصوصًا تقليدية تُحاكي ما قرأته من قبل في كتب التاريخ عن حضارة مصر القديمة بأبطالها وملوكها وكهنتها، بل هي نصوص تُصوِّب أحداثًا سبق أن وصلتنا مغلوطة أو شائهة، أو تُجلّي حقائق لا تزال غائبة عن الكثيرين منا.
والكاتبة ركبت آلة الزمن صوب هذا الماضي السحيق لتعود إلينا بهذه الرؤى أو النصوص القصصية التي بين أيدينا في هذا الكتاب.
ونحن كناشرين نسعد بتقديم هذا الإنجاز الذي يُعد إضافة في مجال الإبداع القصصي الذي يستلهم التاريخ القديم أو يستوحي منه.
كما أنه يُعتبر مواكبة لحدث كبير لطالما تاقت النفوس إلى تحققه أو إلى حدوثه.
وفي إهدائها لهذه المجموعة كتبت منة الله سامي: "إلى مصر في عام 2020 وهي تشهد افتتاح دُرة العقد.. جوهرة "كِمِت" وقلبها النابض.. أثر أجدادنا الذين تاقوا للخلود فتحدوا الزمن.. وها نحن بينهم اليوم وكأن أبعاد الزمن المتعددة تنصهر في بوتقة واحدة تنبع على امتداد البلاد لتتفجر نورًا وعلمًا في المتحف المصري الكبير.
وفي تقديمه لهذه التجربة يقول الناقد الدكتور عبدالبديع عبدالله، أستاذ الأدب الحديث والنقد بجامعة بورسعيد: هل مازلنا نذكر "شامبليون".. العلّامة الذي كشف الحجاب عن اللغة المصرية القديمة؟
إن ما كنا نراه صورًا ورسوم حيوانات وطيور أعلن أنه أبجدية المصريين الأقدمين. جاء فك طلسمها من البحر، حينما عثرت بعثة مكتشفين على "حجر" راكد في قاع البحر قرب مدينة "رشيد"، فعُرف الحجر باسم المدينة وصار "حجر رشيد" المنقوش عليه حروف يونانية ولاتينية والثالثة هي حروف اللغة المصرية القديمة. وبهذا الكشف الذي تفتقت عبقرية "شامبليون" عن فك طلسمه بمضاهاة حروفه بنظيراتها في اليونانية واللاتينية، وأدرك العالم شيئًا عن أقدم حضارة عرفتها الإنسانية، وقدمت للبشر نُظم الحياة والفصول الزراعية المتغيرة بتغير أحوال الجو.
عرف العالم كيف بحث الإنسان المصري القديم عن الله.. بدءًا من الطوطم إلى التوحيد.. كيف فكر في التجريب بعد التأمل والفلسفة والتفكير. كانت الرياضيات والكيمياء الأساس الذي بنى عليه عمارته، وحفظ كائناته، وحافظ عليها عبر الأزمنة بسر أسراره العلمية، بل اهتدى بثقافته الرفيعة إلى أن صنع لذاته قوة دفع تساعده على الارتقاء والسيادة.
وصدق "شامليون" فيما توقعه عن مصر القديمة بعد أن انكشفت للعالم أغنى مقبرة في تاريخ الإنسانية بكنوزها ومعارفها في 4 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 1922 حين اهتدى حسين عبدالنبي العامل في الحفر إلى فتحة في المقبرة فأبلغ الأثري هوارد كارتر، واللورد كارنافون، فكان الكشف.. الأقنعة الذهبية للملك توت عنخ آمون والعصي والمقاعد الذهبية، والأسرة الجنائزية.
وظهرت مئات الكتب عن "المصريات"، وتزينت أعظم متاحف العالم بما حصلت عليه من جواهر الآثار المصرية ومومياوات ملوكها، وقدمت السينما الأميركية موجة من الأفلام عن مصر القديمة أشهرها فيلم "وادي الملوك" و"أسطورة المنسيين"، ومازالت موجاتها منسابة حتى اليوم تُبهر العالم بمرئيات حضارة غاربة.
ويتساءل ناقدنا: ونحن.. ماذا فعلنا بتاريخنا؟
ويجيب: أخشى أننا لم نفعل أكثر من زيارات: منطقة آثار الأهرام، والبر الشرقي أو الغربي بالأقصر، وتركنا للسائح الغربي الاستمتاع بما انكشف من آثار الأقدمين والتعرف على ما امتلكوه من علم وفن ودين وحضارة.
أما الأدب فلم نقرأ منه في لغتنا العربية إلا: "سنوحي" للدكتور محمد عوض محمد، و"ملك من شعاع" لعادل كامل، وكتابات نجيب محفوظ الروائية الأولى: "رادوبيس"، و"كفاح طيبة"، و"عبث الأقدار"، وهي إسقاطات على ما نعيشه في واقعنا في مواجهة الاستعمار، أكثر منها محاولة لاستعادة صورة مصر القديمة كما كانت عليها.
وجاء جيل جديد من الكُتَّاب والكاتبات، وتأملنا منهم خيرًا، خاصة وأن روح "المصرية" سرت في كياناتهم، فجدوا في البحث عن الجذور الممتدة في عمق التربة المصرية لاكتشاف روح مصر القديمة وطبيعتها.
وقد قرأت للأديبة منة الله سامي من قبل كتابًا يضم قصصًا قصيرة بعنوان "كِمِت"، و"كِمِت" كما يدل عليه الاسم هو مصر كما كانت تُعرف قديمًا، أو هي "الأرض السوداء" أرض الزراعة والحضارة التي قامت على ضفتي النيل.
وها هي اليوم تقدم مجموعتها الجديدة التي صارت الأسماء القديمة مألوفة على قلمها، دارجة في سردها: "أوجات.. وطقس فتح الفم". فنقرأ أسماء: رع، أوزير، حورس، آتوم-رع، ست، نفتيس، بتاح، نوت، خنوم، أبوفيس، إيزيس، حتحور، سخمت، إنبو، شو، جحوتي، عنخ، حقت، خت، آميت.
وتمثلت هذه الأسماء القديمة الجديدة في قصصها التي قامت أيضًا على شخصيات ومعانٍ من تلك التي عاشها المجتمع المصري القديم مثل: "سحر الوردة"، "آتوم-رع"، "آمون"، "نوت"، "أوزير"، "من أجل المجد قتلت أخي"، "رأس إيزيس"، "طقس فتح الفم"، "عين رع".. إلى آخره.
وفي ظني أن هذه القصص.. الإشارات إلى عالم كان قائمًا واختفى.. تحتاج إلى ملء فراغ ما بين نصين.. النص المؤلف والنص المستدعى من أعماق الماضي للبناء عليه.
ففي قصة "طقس فتح الفم" تستدعي المؤلفة أقدم شخصية أسطورية في ميثولوجيا مصر القديمة، من خلال أسطورة "أوزيريس" و"ست" و"حورس" التي يتممها إصرار "إيزيس" على إنقاذ "أوزيريس" من أنياب الشر بمساعدة الابن "حورس".
تبدأ الكاتبة مفاجأتنا بحمل "نفتيس/ نبت حوت" بطفل في أحشائها.. والمفاجأة الكارثية أن الحمل ليس نَبت زوجها "ست".. أي أن الحمل ليس طفلًا من الشر "ست"، بل من الخير "أوزيريس".
والغريب أن المُلهَمة "إيزيس"التي وجدت الطفل وحيدًا في الخلاء بعد أن تخلت عنه "نفتيس" تحمل الطفل وتحنو عليه لأنها بحدس نوراني تعرف أنه ابن زوجها "أوزيريس"، فتربيه مع ولدها "حورس"، ويكتسب الطفل من الآلهة الإلمام بعلوم التحنيط "الكيمياء" والطب، وذلك تهيئة للدور المُناط القيام به وهو الاشتراك مع "حورس" في إنفاذ أمر "رع" وإعادة الروح إلى "أوزيريس".
وهكذا يتعاون الأخوان غير الشقيقين على إنفاذ إرادة "رع".. هكذا يقول "أنوبيس" لأبيه "أوزيريس".. "ارتفع وواحيا".. أي تنفيذ لإرادة "رع".. "وتمسك بهيئتك الجديدة وتجنب جريمة من أساء إليك".. أي يولد الخير من الشر.. وتولد الحياة من الموت.. هكذا تتحقق مشيئة "رع" في استعادة "أوزيريس" أو الخير، وتوقف الشر عن التمدد والانتشار ف"ست" لم يأت بولده.. وزوجته لم تحمل منه وإنما حملت من الخير الكاسي وجه الدنيا، وعجز الشر عن الاستمرار.. هذه حكمة الحياة.. الحكمة التي استلهمها الحكماء من فيضان النيل كل عام جالبًا معه الخير والحياة لافظًا القحط والجفاف والموت.
وثم يتوقف الناقد أمام قصة "عين رع" فيقول: حينما تهرع "سخمت" لتلبية أمر أبيها الإلهي "رع" بعيدًا في أقصى الجنوب، وتعود لتجد أن مكانها في خدمة أبيها قد ضاع بعد أن استبدلها بأخرى.. ويغلبها الحزن النبيل والبكاء.. ولكن النصيحة والحكمة الإلهية تدعوها للصبر، فأبيها لا يخذلها بل يهيئها لوضع أفضل.
تستحيل "سخمت" إلى حيّة الكوبرا المهيب.. وتنفث ألسنة اللهب في كل من يقترب من "رع" ويضعها على جبهته بينما تتحرك في كل اتجاه نافثة لهبها وسمومها حماية ل "رع" الأكبر.
هكذا تحولت إلى الكوبرا الحية ذات القدرات التي لا تنفد حماية للإله "رع" وتحت طاعته.
أما التمرد والغضب فيقودانها إلى حتفها.. هرعت المتقلبة "حتحور".. "تفنوت".. سخمت" إلى بلاد النوبة.. تعيش كلبؤة متوحشة تلتهم كل شيء في طريقها.. وتنساب من فمها وفكيها دماء حارة وهي طالبة المزيد.
فتُظهر عين "رع".. القدرة التي تتجلى عند الحاجة إليها.. تلتهم كل ما يعترضها.. وبعد ذلك تنتاب "رع" موجة حزن على ابنته وهو يريد أن يخلصها مما حاق بها فيرسل لإنقاذها "شو" و"جحوتي" في هيئة قردة، يعملان بحنو ومحبة لاستمالتها مما وقعت فيه لتعود إلى كنف أبيها ورعايته، وتقبل العودة ويحتفل بها الرسولان ويحملانها في موكب موسيقي، يجعلها تتهيأ لتتطهر في النيل وتعود إلى إشراقها النوراني بعد أن تغتسل في مائه الطاهر وتعيش في حمايته ملبية أوامره في أن توجه طاقتها لحماية وطنها من الأعداء.
ولكن الكاتبة اختارت أن يكون نصها معادلًا للنص المصري القديم الذي وصل إليها في "كتاب الموتى" أو "الخروج إلى النهار".. وفيما نقله الدارسون للحضارة من نصوص مثل أناشيد بردية "رند" وأنشودة آمون، ومؤلفات أخرى كثيرة عن آلهة مصر القديمة، بالإضافة إلى نصوص من الكتب المقدسة من العهد القديم والجديد وأيضًا من النص القرآني، وكأن الكاتبة أرادت أن تجعل نصها معادلًا للنص القديم الذي استخدم الإشارات والرمز والتلميح تاركة لقارئها أن يملأ فراغ ما بينهما وأن يبحث عن المسكوت عنه في هذه الاستدعاءات الأدبية لحياة كانت قائمة قبل آلاف السنين، ولم يبق منها إلا علامات يهتدي بها من يبحث عن حقيقتها.
بقي أن نشير إلى لوحة الغلاف التي رسمها الفنان السكندري الكبير ماهر جرجس والتي تعد معادلًا بصريًا رائعًا لهذه القصص.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.