فى العادة، تشتعل الأزمات ثم تهدأ.. إلا أزمة المرور، التى ما إن هدأت خلال إجازة منتصف العام الدراسي، واستمرت لأكثر من شهرين، حتى عادت من جديد ، خلال الأيام الأولى من عودة المدارس، والتى نجم عنها حالة من الاختناق المرورى بالشوارع!! صحيح، أن هناك أسبابا عديدة للأزمة ليس لرجال المرور دخل بها إلا أنه يجب البحث عن حلول لتلك الأزمة المتفاقمة ، ففى القاهرة وحدها وفقاً لإحصاءات الإدارة العامة لمرور العاصمة، والتى تم إعلانها خلال حملة «المصرى يقدر» - نحو مليونين و51 ألف سيارة، حيث يتم ترخيص نحو 4 آلاف سيارة فى العاصمة شهرياً ، كما أن عدد السيارات قد تضاعف بنسبة 100 % خلال السنوات الأخيرة فى مقابل زيادة الطرق بنسبة 13 % فقط، وبالرغم من ذلك، مازالت هناك فرصة لإيجاد حلول غير تقليدية لمواجهة الاختناقات المرورية، بشرط توافرالإرادة الحقيقية فى المواجهة من مختلف أجهزة الدولة على السواء!! تكمن مشكلة المرور الأزلية- كما يقول الدكتور أسامة عقيل أستاذ الطرق بكلية الهندسة - جامعةعين شمس وخبير النقل- فى حكومات تأتي، وحكومات ترحل، وفيما بين الإثنين يتم انفاق المليارات من الجنيهات ،على إنشاء الأنفاق، والكباري، لكنهم يفشلون باستمرار ،لأنهم يتبنون أفكاراً غير علمية وغير عملية أيضاً، والنتيجة استمرار حالة الفشل فى حل المشكلات، دون أن يحاسب أحد ممن أهدروا هذه المليارات فى حلول قاصرة لا طائل منها!! يتعجب الدكتور عقيل من توجه محافظ القاهرة الدكتور جلال مصطفى سعيد لإدخال 2000 أتوبيس جديد فى منظومة النقل بالعاصمة، وتحديث أسطول النقل النهري، مؤكداً أن إحلال وتجديد أتوبيسات النقل العام لن يحل أزمة المرور بالقاهرة، ولن يقلل من معدلات الزحام بنسبة سيارة واحدة، لاسيما أن السيارات الملاكى والتاكسى تحتل نحو 85% من الكثافة المرورية فى الشارع.. أما النقل النهرى فلن يستفيد منه سوى ساكنى منطقة الكورنيش، أو من تقع مقار أعمالهم على الكورنيش، ومن ثم فإن النقل النهرى يمكن أن يعمل بطاقة 20 ألف رحلة يومياً، بينما من المستهدف القيام بنحو 26 مليون رحلة يومياً فى القاهرة الكبري، وعلى ذلك فإن استخدام النقل النهرى فى نقل الركاب غير مجد، ولن يسهم نهائياً فى حل أزمة المرور، أما إحلال وتجديد الأتوبيسات فهو غير مجد أيضاً، ومن ثم يجب أن يبحث المسئولون عن حلول عملية، وغير تقليدية للأزمة. وإذا كان البعض يتحدث عن شبكة لمترو الأنفاق تغطى مختلف المناطق بالقاهرة الكبري، فهو حل مناسب- كما يقول د. عقيل، لكنه يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه، ولن يسفر عن أى نتيجة قبل 5 سنوات، مؤكداً أن إنشاء خط ترام سريع من كلية البنات بمنطقة مصر الجديدة وحتى منطقة القاهرة الجديدة سيحل مشكلة المرور بين المنطقتين فقط، وهو ما يشكل واحد فى المليون من أزمة المرور المتفاقمة فى إقليم القاهرة الكبري، كما أن أزمة المرور الحالية لا تكمن فى نظام النقل الحضرى المتكامل، والتذكرة الموحدة، والذى يجرى العمل عليه حالياً، دون استطلاع رأى الخبراء والمتخصصين فى هذا المجال.. ومن ثم فإنه ما يجرى طرحه حالياً من حلول لأزمة المرور، لن يجدى نفعاً فى مواجهة الأزمة. النقل الجماعى الحل فى تقدير الدكتور عقيل- يكمن فى تشجيع النقل الجماعى بمواصفات محددة لا تستهدف محدودى الدخل، وإنما تستهدف أصحاب السيارات ذات السعة الليترية المنخفضة والتى تتراوح بين 1000 وحتى 1600 سى سي، من خلال أتوبيسات سريعة مميزة يستقلها الركاب خلال رحلات العمل اليومية بتخفيض، لحل أزمة المرور التى تنشأ بشدة خلال الفترة من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، فضلا عن ضرورة مواجهة فوضى الشارع المصرى . وبشكل عام، يرى اللواء كامل ياسين مدير الإدارة العامة لمرور الجيزة سابقاً أن هناك أسباباً عديدة تقف وراء أزمة المرور، من بينها غياب الانضباط فى الشارع، والباعة الجائلون الذين احتلوا الأرصفة وأجزاء من الشارع، مما يؤثر على حركة مرور السيارات، فضلاً عن مشاكل قطع الطرق بدعوى التظاهر، ومن ثم نحن أمام حالة غير مسبوقة من الفوضي، التى تستوجب إنفاذ القانون ليس بتشديد العقوبة، ولكن بتطبيقه بحسم على الجميع دون استثناء لأى فئة فى المجتمع مهما كان موقعها الوظيفي، إلى جانب التوعية المرورية، وتوفير الإرادة السياسية الداعمة لكل هذه السياسات. ومن الأهمية، - والكلام مازال للواء كامل ياسين- ونحن نتحدث عن حلول لأزمة المرور، فلابد من تعميم الإشارات الإلكترونية، وتزويدها بكاميرات لضبط المخالفين، دون تدخل من العنصر البشري، بحيث يتم إيجاد آلية محكمة لإحالة المخالفات المرورية من موقع المخالفة إلى النيابة المختصة، حتى نقضى على المحاباة والاستثناءات والمجاملات فى رصد المخالفات المرورية، ومحاسبة مرتكبيها ، وقد أثبتت تجربة الإشارات الالكترونية التى تم تطبيقها فى شارع جامعة الدول العربية، والبطل أحمد العزيز، نجاحاً ملحوظا فى تحقيق الانضباط المروري، بغض النظر عن وجود رجال المرور فى غير أوقات العمل ليلاً. وتأتى مشكلة الانتظار كأحد اسباب الأزمة، فعدد السيارات كبير، والأماكن المتاحة للانتظار محدودة بالفعل ، كما ان استخدامات الأراضى قد تغيرت، فالمنازل القديمة التى كان يقيم بها أعداد محدودة من الأسر، تحولت بعد هدمها إلى أبراج سكنية شاهقة، تستوعب آلاف الأسر، التى تجد أنفسها مضطرة لوضع سياراتها فى الشارع، لغياب الجراجات متعددة الطوابق، أو لعدم وجود جراجات تحت الأرض، ونقص مساحات الأراضى الفضاء التى تصلح كجراجات ، فضلاً عن افتقدانا للجراجات الذكية التى يمكن أن تستوعب آلاف السيارات بمساحات محسوبة ، وارتفاعات مقدرة، ودون تدخل العنصر البشري، كما أنه لو تم توفير سيارات نقل جماعى فاخرة، لما اضطر الكثير من المواطنين لشراء سيارات بالتقسيط، أو الاستدانة لشراء سيارة، ومن المفضل مد شبكة مترو الأنفاق، وهو حل سحرى للأزمة المرورية، لكن مشكلته تكمن فى أنه يحتاج إلى سنوات طويلة، ومبالغ مالية طائلة قد لا تقوى الخزانة العامة عليها. . باختصار نحن بحاجة إلى منظومة متكاملة للنقل، تقوم أولا على احترام قواعد المرور، ثم إيجاد وسائل النقل المميزة التى تجعل صاحب السيارة لا يستخدم سيارته الخاصة ويستعين بوسائل النقل الجماعى المميز، بتكلفة مناسبة، ثم التوسع فى إنشاء الجراجات الذكية، ومد شبكة مترو الأنفاق، وإنفاذ القانون على الجميع دون استثناء، ونشر الوعى المروري، ومواجهة الفوضى بكل حسم. مسئولية المحليات وبشكل قاطع، يؤكد اللواء حافظ فكرى الخبير المرورى ومدير معهد المرور سابقاً أن حل أزمة المرورليس مسئولية المروروحده، ولكن يجب أن تتحمل المحليات المسئولية مع إدارات المرور، ذلك أن هناك من المخالفات التى تتحمل مسئوليتها الأحياء، والتى تسهم بشكل أو بآخر فى صناعة ازمة المرور، ومنها- مثلا- تلك الكافيتريات التى تحتل الأرصفة، وتضع مقاعدها فى الشارع مستغلة غيبة الرقابة من جانب المحليات والأحياء، ناهيك عن الجراجات التى تحولت فى غيبة الرقابة أيضاً إلى محلات ومعارض لبيع السيارات، ثم أننا نعيش فى دولة تعمل 24 ساعة بعكس كل دول العالم التى تغلق المحال فى السادسة مساءً، وتبقى فقط على المطاعم، كما فى أمريكا وأوروبا.. فنحن أمام أزمة حقيقية تحتاج إلى حلول عاجلة، ومن حيث المبدأ لابد أن تتعاون الجهات المعنية بالمرور لتصبح يدا واحدة فى مواجهة الأزمة، ولابد من عودة محاكم البلدية، وما يجب أن يتضمنه ذلك من ضرورة وجود قاض فى كل حى للبت فى جميع المخالفات المتعلقة بالمحليات بشكل عاجل، وهو ما سيسهم فى ضبط منظومة المحليات، وحماية الطريق العام من الانتهاكات وكل مظاهر الفوضي،.. فالطريق هو عنوان تقدم الشعوب، ومن الأهمية إنشاء هيئة قومية للنقل والمرور، تكون مسئوليتها التنسيق وتوحيد الرؤى لمواجهة المشكلة، بحيث تكون هذه الهيئة هى صاحبة اليد العليا فى كل ما يتعلق بأمور النقل والمرور، كما ينبغى تنظيم حملات اعلامية مكثفة لنشر الثقافة المرورية بصفة مستمرة، فى المقابل لابد من أداء جاد من جانب رجال المرور بلا استثناءات، فليس من المنطقى القيام بحملات مرورية فى اشارات المرور ،وليس من المقبول أن يكون آداء رجال المرور هم أحد اسباب أزمة المرور. إجراءات واجبة وإذا كانت هناك نية حقيقية لحل أزمة المرور، فإنه من الضروري- كما يقول اللواء حافظ فكري- اتخاذ عدة خطوات من بينها تسيير دوريات مرورية كما فى دول العالم المختلفة، خاصة على الدائري، والمحور، والطرق السريعة، ولابد من التوسع فى إنشاء الإشارات الالكترونية، ولابد من تغيير المفاهيم لدى رجال المرور الذين يستهدفون فقط السيارات الملاكي، بينما يتركون امبراطورية الميكروباص تعيث فى الشارع فوضى واستهانة بالقانون، كما يجب مواجهة المواقف العشوائية خاصة فى المناطق الحيوية ،وعند مطالع الكبارى ومنازلها، ولابد أن تعمل الهيئة القومية للنقل والمرور- التى أقترحها- على التخلص من الميكروباص خلال 15 عاماً على أقصى تقدير من خلال خطط مدروسة، بحيث يتم توفير بدائل مناسبة لها، والتوسع فى خطوط مترو الانفاق ، بحيث يمكن تشغيل الميكروباص فى المدن الجديدة ، و خارج العواصم الرئيسية والطرق السريعة، ولامفر من التوسع فى منظومة الاتجاهات الواحده لمسارات السيارات فى الطرق، والتى تم تنفيذها فى الدقى قرب تقاطع شارع التحرير مع شارع السودان، وقد اسهم ذلك فى حل أزمة المرور فى تلك المنطقة، كما يجب إقامة كبارى وأنفاق، وطرق علوية، كما فى دولة اليابان. وإذا كنا جادين فى حل أزمة المرور بالجيزة، فنحن فى أشد الحاجة الى إنشاء طريق علوى فى شارع السودان، وحل أزمة شارعى فيصل والهرم بحيث يتم توحيد اتجاه سير السيارات ليصبح شارع فيصل اتجاها واحداً ، والهرم اتجاهاً آخر، بحيث يخصص أحدهما للدخول من الجيزة إلى نهاية منطقة المريوطية، والثانى للخروج من المريوطية إلى منطقة الجيزة، مع إزالة الجزيرة الوسطى بشارع المطبعة ، بحيث يسمح بالدوران منه للدخول إلى شارع فيصل أو الخروج منه إلى شارع الهرم أو العكس. [email protected]