أكاد أستسلم للعلم الزائف, بعد أن سيطر الزيف علي كل شيء, من إعلام زائف وإنترنت زائف وتاريخ زائف واقتصاد زائف وكلام زائف أسمعه في كل مكان, مما يخيل لي أن هذا العام(2012) هو نهاية العالم كما جاء في العلم الزائف, التي تتوافق مع أشراط الساعة التي تحقق منها الكثير. وأركان العلم الزائف تنطبق علي غيرها من المجالات الزائفة, وهي تنحصر إجمالا في استخدام إدعاءات غامضة, وحلول سريعة ومبالغ في نجاحها, مع أنها غير خاضعة للاختبار(testability), ولذا تعتمد علي هالة التأكيد المفرط بدلا من التنفيذ والتحليل والنقد, فمع اللغة المضللة والاستعارات والكتابات البلاغية, تأخذ ثقلها الغامض الموحي, فتستغل الميل البشري الطبيعي لتصديق ما يريح النفس, ويعدها بالخلاص من خلال تأكيدات عامة ومعتقدات مطلقة مريحة, ومن أهم نبوءات العلم الزائف هي نهاية العالم هذا العام, بناء علي أسطورة منتشرة في أمريكا الوسطي أن نهاية الكون تنتهي بنهاية تقويم العد الطويل الذي ينتهي هذا العام, وأعتقد أن أقوي ما يؤيد هذه النبوءة حقيقة مؤكدة مفادها: ما الناس إلا هالك وابن هالك وذو نسب في الهالكين عريق, ولكنها فقط تضيف التوقيت وليس هناك إلا فترة قصيرة للتأكد منها فالأيام بيننا. ليس المهم صحة النبوءة من عدمها, إنما الدلائل التي جعلت فكري يتخلي عن موضوعيته ويميل إليها, هي انهيار المعايير للدرجة التي جعلت أصوات تتعالي في جرأة تحسد عليها بالاستهتار بالجيش والشرطة والقيادات الوطنية الشريفة, في حرب نفسية غير مسبوقة, في تشويه الكل للكل, ورغبة عامة في النخبة في التسابق لإثبات الذات, من خلال إطلاق اتهامات عامة وطرح افتراضات لحلول غامضة للواقع المأزوم وسد آفاق الأمل, وبخس أي تقدم سياسي أو اقتصادي أو أمني يتحقق علي أرض الواقع, ولا تنتهي هذه الأنفس عن غيها, فأصبحت تعمل بكل قواها لهدم الدولة ولا تجد لها زاجرا خشية الاتهام بمعاداة الثورة, في أكبر عملية لتزييف التاريخ(pseudohistory) باحتكار الثورة, فالملايين الذين قاموا بالثورة عندما فقدوا الثقة في النظام الحاكم هم من تدفقوا علي صناديق الانتخابات لاعادة بناء الدولة, ليستظل تحتها الجميع, في ظل قناعة أن الانتخابات ليست آخر المحطات, فإن جاءت بما لا تشتهي السفن, فمع تداول السلطة من الممكن تغيير الاتجاه, وأصبح الإنجاز والإصلاح هما المعيار الثقيل لا اللغو والشعارات والإشاعات, والتحريض المستمر علي أجهزة الدولة, ولم أكن أتصور أن يمتد بي العمر لأري تحريضا علي قواتنا المسلحة وشعارات رخيصة مسمومة تلاحقها بادعاءات كاذبة شكلا ومضمونا, ولم تتراجع إلا بتصدي الشعب الطيب لهؤلاء المأجورين, ولم يشفع لهم عنده تراجعهم بادعاء أنهم يقصدون المجلس الأعلي للقوات المسلحة, لا الجيش كأن هناك كيانا بدون قيادة, فإن أطحت بالرأس فهل يسلم الجسد, خاصة أن من يطلق الاتهامات يديه ملطخة بالتمويل الأجنبي. يجب ألا يمر استهداف الجيش العربي المصري والجيش العربي السوري مرور الكرام, فلكل ظروفه المختلفة, إلا أنهما يتعرضان لضغوط عنيفة من أطراف ليست فوق مستوي الشبهات وتستعين بالأجنبي لتحقيق مصالح وأهداف وقناعات لديها, تريد فرضها بالقوة لا بالإصلاح الجذري والمتاح بالفعل من خلال الحفاظ علي قوة الدولة, والمصالح العليا للبلاد, الجيشان المصري والسوري هما صاحبا أكبر انتصار يمثل تضامن الأمة العربية كلها في التاريخ المعاصر, وهذا النصر التاريخي في حرب أكتوبر هو المنارة التي تؤكد وحدة الشخصية القومية العربية التي تتعرض للخيانة من الأعراب الذين ينتسبون للعربية بالشكل فقط, ويقتصر الفعل عندهم علي تسليم الأمة العربية للاستعمار والرجعية الحضارية, فسخر الأعراب الأموال والإعلام لزرع الفتن, وتمرير المشاريع الاستعمارية بهدم الواقع العربي المأزوم دون أي رؤية بديلة للبناء وتحقيق للمصالح العربية التي دفع فيها الشهداء علي مر التاريخ( الفعلي) أرواحهم فداء للشعب العربي من المحيط للخليج, أليس الأعراب أشد كفرا ونفاقا عندما يتاجرون بالدم العربي الشريف؟ وهو ما يندرج تحت طائلة الخيانة العظمي, التي باتت تحتمي وراء ستار الخصومة السياسية, فتمارس أدوارها في الغدر والخيانة وجحود الولاء والعمل ضد مصالح الدولة, كأنها وجهة نظر سياسية, برغم ما تسببه من تحطيم للمعنويات الوطنية. أليس من علامات الساعة علو الباطل واضطهاد الحق وكثرة القتل, فلا يدري القاتل لما يقتل والمقتول فيما قتل. فالباطل أصبح له جنود مجندة, تتدفق عليها الأموال المقنعة بأهداف تنموية, بينما التنمية الحقيقية لإنقاذ الاقتصاد المنهار لا تطرف لها عين من العيون المحدقة علي الشأن الداخلي, فهي تنتفض لعمليات الفحص والمراجعة للمواقف القانونية والمالية للمنظمات الممولة خارجيا, ولا تخضع لرقابة الدولة, بينما نتجاهل ما يحتاجه الشعب من استقرار يقوم عليه أي إصلاح سياسي أو اقتصادي. وهذا يذكرني بالشخصية العربية المثيرة للجدل( مؤيد الدين العلقمي) خاصة بعد تورط رموز كبيرة في إيجاد مناخ التشكيك والمغالاة المغرضة, ربما بحسن نية في ممالأة الأصوات الزاعقة المتطرفة, فالعلقمي وزير( المستعصم) العباسي كان صاحب وجهة نظر عندما مالأ( هولاكو) وساعد المغول في احتلال بغداد, واعتبره أكثر المؤرخين من أبشع الخونة في التاريخ العربي والإسلامي, بينما نفي عنه الخيانة قلة من المؤرخين تستحق وجهة نظرهم التأمل, فيرون أنه وزير مخلص حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه, في ظل خليفة منشغل باللهو, فدعي إلي مؤتمر حضره القائد المسلم( سليمان شاه) الذي نصح بتكوين جيش قوي إلا أن المستعصم رفض تمويل الجيش لقلة الموارد, ثم ورط نفسه في حرب مع المغول ليس أهلا لها, وأرسل لهولاكو رسالة شديدة اللهجة فجلب الدمار علي نفسه وبلاده, أما العامل الثاني الذي شغل تفكير العلقمي فهو الفتنة العظيمة التي هي أشد من القتل, بين السنة والشيعة ولم تجد من يدرأها من حكماء الإسلام, فنهبت فيها مناطق الشيعة حتي وصلت إلي أقارب( العلقمي) نفسه فحنق علي الخليفة المستهتر فرأي من وجهة نظره ليس إلا, أن ممالأة العدو قد تفيده فيسلموه إمارة بغداد فيرفع الظلم عن قومه, ويحمي المسلمين من الدمار, فرأي انقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضياع البلاد تحت ظل خليفة ضعيف, سأله الأخير والتتار علي الأبواب ما العمل؟ فأجابه العلقمي: يظنون أن الأمر سهل وإنما هو السيف حدت للقاء مضاربة. بعد ما رأي( العلقمي) ما فعله التتار بأهله, فهو في النهاية عربي ومسلم وهو بالنسبة لهم ليس إلا أداة لا شأن لها لديهم بعد تأدية دورها, فلم يعيروه انتباها فبات ذليلا مقهورا علي ضياع أمله وأمته, ويقال إن إمرأة رأته يركب حمار فقالت له: إيه يا ابن العلقمي... أهكذا كان بنو العباس يعاملونك؟ فلبث في داره لايخرج منها حتي مات كمدا من العار الذي لحقه ولم يدر أن العار أطول من العمر, ومازال يضرب به المثل في الغدر والخيانة, التي من العسير علي أبرع المبررين أن يحولها إلي مجرد وجهة نظر! فكم( علقمي) من الأعراب في هذا الزمان؟ لكنهم يفوقونه خسة في الأخلاق وانعدام للإحساس! المزيد من مقالات وفاء محمود