كانت ومازالت الترجمة أهم حلقات الوصل بين الثقافات واللغات المختلفة، وتواجه الترجمة فى السنوات الأخيرة عدة تحديات أبرزها عدم وجود سياسة واضحة للدولة تحدد ماذا يترجم ولمن وفى أى مجال، فضلا عن تراجع الاهتمام بالترجمة العلمية والترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى والاتجاه دائماً إلى الترجمة من لغات بعينها مثل الانجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والتى ينظر إليها الكثيرون باعتبارها ممثلا للحضارة والدول الرائدة حتى أصبحنا أسرى للنقل من ثقافات معدودة .. فى هذا التحقيق نحاول البحث عن مشكلات الترجمة فى مصر ومقترحات الحلول، كما نعرض تجربة إحدى دور النشر للخروج من فخ النمطية. اعتبر المترجم أحمد محمود أن أبرز المشكلات هى عدم وجود برنامج للترجمة فى أى جهة من الجهات التى تتولى الترجمة سواء كانت حكومية أو خاصة, الأمر الذى يترتب عليه تكرار بعض الترجمات لنفس الكتاب سواء فى مصر أو العالم العربي، كذلك قضايا حقوق النشر والترجمة من الجهات الأجنبية، والنقص الشديد فى الترجمات العلمية . وأشار إلى ضرورة وجود خطة للترجمة تضطلع بها جهة بعينها مثل المركز القومى للترجمة بحيث تعلن تلك الخطة احتياجات المكتبة العربية فى التخصصات المختلفة وتحدد الكتب المطلوب ترجمتها ويتم تكليف المترجمين بها, لا أن يتم الأمر بشكل عشوائى كما يحدث حاليا، معتبراً أن ترك هذا الأمر لدور النشر الخاصة يمكن أن يؤثر سلباً على جدية الكتب التى يتم اختيارها للترجمة نظرا لكون تلك الدور تسعى إلى الربح, فستختار الكتب التى تحقق رواجا فى المبيعات وتتجنب الكتب الجادة التى لها قارئها الخاص , لذا يجب أن يكون للدولة دور فى وضع ودعم تلك السياسة، كما طالب بالاهتمام بشباب المترجمين وتدريبهم فى مختلف المجالات التى يتخصصون فيها وكذلك اللغات التى يترجمون منها وإليها. وحول مشكلات الترجمة العلمية ونقص الترجمات من العربية؛ أوضح د.طارق عبدالباري، أستاذ ورئيس قسم اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس أن الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى ترتبط بالإنتاج والإبداع العلمى الخاص بالثقافة المنقول منها، وأن ما قدمته الحضارة العربية المعاصرة ضئيل جداً ولا يرقى للمستوى المطلوب ترجمته، بالإضافة إلى الحاجة لإصلاح لغوى شامل يتم خلاله تنقية اللغة من كل ماهو غير مستخدم أوغير مناسب لإيقاع العصر وموروث من الماضى لصالح الإبقاء على المصطلحات الرائجة والمألوفة والصحيحة . وأكد أن اللغة العلمية تخصصية وتتطلب سياسة لغوية تنتهجها الدولة تولى اهتماماً بوضع المعاجم المتخصصة وتحديد المصطلحات فى المجالات العلمية المختلفة وأنه برغم وجود عدة محاولات لوضع تلك السياسة إلا أنها كانت تفشل بسبب غياب الإرادة السياسية العربية القوية وأن المجامع العربية التى تعد أهم الأكاديميات اللغوية فى حاجة للدعم ، مشيرا إلى تجربة مركز تنسيق التعريب بالمغرب والتابع لجامعة الدول العربية بوصفه محاولة جادة تحتاج للدعم تعمل على توحيد المصطلحات العربية ونحت المصطلحات المعاصرة . واعتبر أن من أبرز مشكلات الترجمة العلمية فيما يتعلق باللغة العربية أن أصحابها لا يفرقون بين كونها لغة مقدسة للقرآن الكريم وبين كونها لغة تواصل فى الحياة وفى العلوم والتخصصات المختلفة, لذا ليس من الغريب أن تقل فيها الاختصارات العلمية ، فضلا عن عدم وجود معايير محددة لاختيار المواد التى يتم ترجمتها وخضوع الأمر لأهواء المترجم وتخصصه وتقديره الخاص . بينما يرى د. فيصل يونس، الرئيس السابق للمركز القومى للترجمة , أن الدولة يجب عليها أن تفصل نفسها تماماً عن مهمة نشر الكتب المترجمة وتترك تلك المهمة للناشرين, لكونها منتجا وموزعا سيئا يحكمه الكثير من القواعد البيروقراطية التى تمنع وجود حملات تسويقية ناجحة لما تنتجه، على حد قوله. واعتبر أن الحل الأمثل لتلك الأزمة هو أن تقوم الدولة ممثلة فى المركز بوضع سياسة للترجمة يلتزم بها أى مسئول تسعى لاستغلال الموارد المتاحة باختيار مجموعات بعينها من العناوين الصالحة للترجمة فى كل مجال وتشرف على ترجمتها وتقدم الدعم للناشرين لإزالة عبء النشر عن المركز من جهة ومن جهة آخرى زيادة الميزانية المخصصة للترجمة فضلا عن توفير ميزانية لدعم المترجمين وتدريبهم، كما طالب بضرورة عمل قواعد بيانات بالكتب المترجمة حتى لا يحدث تضارب فى جهود الترجمة، وأن يركز المركز على عمل لائحة مرنة بحوافز للبيع والإنتاج ودعم دور النشر الخاصة، مدللا على ذلك باعتماد معظم المؤسسات الثقافية الأجنبية بنسبة 90% مما يتم ترجمته على دور النشر الخاصة. بدوره يرى المترجم محمد عثمان خليفة أن شباب المترجمين يعتبرون أن مشكلة المشاكل فى مصر فيما يخص الترجمة هى عدم وجود نقابة للمترجمين تقوم بدور رقابى وتضع المعايير والأسس لهم، كما يفترض بهذه النقابة حماية المترجمين وحقوقهم وتوفير التدريب والدعم الفنى المطلوب. على جانب آخر اعتبر الناشر شريف بكر، صاحب دار العربى للنشر أن من بين أبرز المشكلات التى يعانيها القاريء العربى والمصرى فيما يتعلق بعملية الترجمة والنشر محدودية الثقافات واللغات التى يتم الترجمة منها خاصة فى الترجمة الأدبية , لذا حاول كناشر الخروج عن هذا النمط عبر مشروع طموح للترجمة من بلاد وثقافات غير معروفة للقارئ فى محاولة للاقتراب منها والوقوف على مدى التشابه والاختلاف بيننا وبينهم، لافتا إلى أنه سعى لترجمة أعمال من دول قد تبدو غريبة علينا مثل النرويج وهولندا وتركيا والتشيك وأنه يتطلع لترجمة أعمال أخرى من دول جديدة مثل ايسلندا وبلجيكا ودول البلقان، لافتاً إلى أن اختياراته دائماً ما تركز على الأدب المعاصر الذى يتناول قصة وحكاية قد تبدو عادية ولكن بشكل مختلف، مشيراً إلى أن عملية الاختيار نفسها تحاول تجنب النمط السائد لدى بعض الناشرين بشأن اقتصار الترجمة على الكتب الرائجة والأكثر مبيعا لتتخطى ذلك إلى ترشيحات القراء وقوائم الجوائز الأدبية والأدب النسوي, الأمر الذى يفتح مجالات أكثر رحبة للاختيار والتنوع. وأوضح أنه برغم مشروعه الطموح إلا أنه يواجه بمشكلات عديدة هو عدم وجود مترجمين من اللغات غير المتداولة أو ندرتهم وعدم توافر الحس الأدبى لدى الكثيرين منهم, وفى حالة وجودها تكون تكلفة الترجمة باهظة للغاية لذا يحاول التحايل على ذلك عبر الترجمة من لغة وسيطة مثل الانجليزية إلا أن الأمر قد لا يكون دقيقا مقارنة بالترجمة من اللغة الأم مباشرة لذا قد يتطلب الأمر مراجعة المؤلف فيما بعد للتأكد من دقة الترجمة. وعلى عكس الانتقادات التى توجه لكثرة جهود الترجمة لنفس الكتاب بنفس اللغة، يعتبر بكر أن هذا أمر يصعب التحكم فيه وأن الترجمة الجيدة هى التى ستفرض نفسها فى النهاية .