د. محمد نور الدين: النقل يجب أن يتوافق مع بيئتنا العربية الإسلامية د. رءوف وصفى: علينا الاهتمام بالترجمة العلمية وعدم الاقتصار على الأدب د. جيهان فاروق: الكليات التى تركز على الترجمة محدودة د. محمد الحملاوى: الترجمة ليست هدفا فى ذاتها وإنما أداة لخدمة مشروع قومى فجر عاطف صحصاح تعد الترجمة واحدة من المجالات الثقافية، وبعد أن خصصت لها الدولة يوما خاصا للاحتفال بها، هناك سؤال مهم –وإن كان بدهيا- وهو: ماذا علينا أن نترجم فى الفترة القادمة حتى نحقق ميزة وإضافة من خلال هذا المجال؟ أيضا كيف نتحول بالترجمة إلى مدخل يضيف إلى مشروع "النهضة" ويحقق أهدافه؟. التحقيق التالى يبرز بعض مشكلات مجال الترجمة، وأيضا يبرز أهميته وآليات تطويره. فى البداية، يقول د. محمد نور الدين عبد المنعم -الأستاذ بكلية اللغات والترجمة-: إن الترجمة بصفة عامة هى نقل أفكار وحضارات الشعوب الأخرى إلى فكرنا وحضارتنا، وبطبيعة الحال يكون لذلك تأثير كبير فى الحياة المعاصرة، وقد تصدت مصر لتلك القضية وأولتها اهتماما كبيرا عبر عصورها المختلفة. ويضيف نور الدين: إن المعيار الأهم فى الانتقاء والاختيار للترجمة عن الآخر هو الملاءمة لبيئتنا العربية والإسلامية؛ بحيث لا ننقل من البلدان أو اللغات الأخرى ما يتعارض مع طبيعة بلادنا والقيم التى نعتنى بها، أما مجالات الاختيار فلا يصح التركيز فيها على مجال دون آخر، بل من الأفضل طرق كل المجالات؛ حتى يكون هناك تنوع فى الفكر والموضوعات مما يسهم فى إثراء الحياة الثقافية بكافة أشكالها. ومن الناحية الفنية، يذكر نور الدين أن الترجمة ليست عملية سهلة، ولا يستطيع أى إنسان أن يقوم بها؛ إلا إذا أتقن اللغة العربية أولا ثم اللغة التى ينقل عنها، ولذا لا بد من التدريب تدريبا وافيا حتى يتمكن الفرد من الاضطلاع بتلك المهمة، فأحيانا يجيد الفرد اللغة الأجنبية ولا يجيد لغته العربية فى الأساس، فلا بد من إجادتهما معا، ثم أن يكون التدريب بشكل دائم ومستمر. التعرف على العلوم الحديثة من جهته، يذكر د. رءوف وصفى -مترجم علمى وعضو اللجنة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة- أن أهم شىء فى قضية الترجمة هو حُسن اختيار المترجمين القادرين على النقل الجيد، وثانيا اختيار الكتب بشكل نوعى. ويرى وصفى أن المجال العلمى يتطور بشكل سريع فى الخارج، ونحن لا نستطيع التناغم معه بعد، من ذلك مثلا أن هناك أنواعا من العلوم الجديدة كالتكنولوجيا النووية، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم الفضاء والكون؛ فاهتمامنا بتلك المجالات -وترجمتها- يجعلنا على الأقل فى المستوى الثقافى نفسه للدول الأخرى. ويضيف: أيضا ترجمة الموضوعات التى تمثل المستقبل؛ مثل "تكنولوجيا النانو"، والتى تعنى ابتكار وسائل جديدة تقاس أبعادها "بالنانومتر" وهو جزء من المليون من الميليمتر، مما قد يعنى ابتكار أشياء ضئيلة جدا قد تدخل جسم الإنسان، وتجرى فيه عمليات جراحية،وهو ما استخدمه العالم المصرى "د. مصطفى السيد" فى صناعة أجزاء صغيرة جدا من الذهب، تستطيع أن تدخل جسم الإنسان وتعالجه من السرطان. وهكذا يكون الإطلاع على مثل تلك المجالات أو العلوم الحديثة سببا فى إحداث نهضة أو طفرة فى مستقبل مصر. ويتابع د. رءوف: أن الاهتمام بالترجمة فى مصر يميل إلى الموضوعات الأدبية، فرغم أهميتها إلا أنها لا يصح أن تطغى على مجالات أخرى، حتى أصبح أول ما يطرأ على الأذهان حين ذكر كلمة "ثقافة" هو النواحى الأدبية. ومع عدم التقليل من أهمية الأدب ومجالاته إلا أن الاتجاه العالمى الآن هو الاهتمام بالعلم، ولا يصح إلا نكون على وعى ودراية بكافة تلك المستجدات.. ولذا كانت هناك حاجة أيضا لتحديث المقررات الدراسية العلمية لأنها بوضعها الحالى "قديمة جدا". بعيدا عن الهيمنة الثقافية من جانبها، تقول د. جيهان فاروق، أستاذ الأدب الإنجليزى بجامعة عين شمس: إن حركة الترجمة فى مصر تعانى من عدة نواقص وعيوب، من ذلك فى البداية ما يخص المناهج التى تُدرس لطلاب اللغات، فهى تقوم بالتركيز على الأدب بشكل أكبر، أو اللغة واللغويات، أما الكليات التى تركز على الترجمة فهى محدودة للغاية، وكثير من الطلاب يلجئون إلى الدورات الخاصة لإتقان الترجمة والتأهل لسوق العمل بشكل أفضل. وتضيف فاروق، أن المترجم فى سوق العمل لا يستطيع الوصول إلى المكان المناسب له بسهولة، فلا يوجد محضن مناسب يعمل على تيسير التواصل بينه وبين المؤسسات التى تحتاج إليه، فلا توجد مثلا نقابة للمترجمين، تضعهم على الطريق الصحيح، أيضا الراتب أو الحافز المادى للمترجم متفاوت بشكل كبير بين من هو على أول الطريق، وغيره من المحترفين، مما قد يؤدى بالمترجم إلى ترك المجال بحثا عن عائد مادى يعينه فى حياته. وعلى الجانب الآخر حين تتوافر مؤسسة جيدة تبحث عن مترجمين جيدين، حينها تخضع عملية الوصول إلى هذا المترجم "الجيد" للصدفة البحتة والعلاقات الخاصة، لأنه لا توجد قاعدة بيانات موثوق بها، تنتقى من خلالها الجهات حاجتها من المترجمين -وهى القاعدة التى تم مؤخرا الإعلان عن البدء فى تنفيذها- ومن الأفضل فى إنشاء تلك القاعدة أن تقوم بالتصنيف الجيد والنوعى للمترجمين ما بين "مترجم أدبى أو سياسى أو علمى.." مثلا، أيضا تُقدم تزكية بالدرجة الاحترافية للمترجم، مما يسهم فى تقدير عادل للعائد المادى. ومن حيث الموضوعات، تقول د. جيهان: إن كل الموضوعات فيها نقص، ولكن بخلاف ذلك هناك تركيز على النقل عن اللغة الإنجليزية بشكل أكثر عن غيرها من اللغات، مما جعل هناك لغات نادرة لا يُنقل عنها الشىء الكثير، وخطورة ذلك أن التركيز على اللغة الإنجليزية يجعلنا لا نرى غير تلك الثقافة؛ فتصبح بمرور الوقت ثقافة مهيمنة، فتكون معرفتنا بالعالم محدودة بحدود اللغة التى يتم ترجمتها بشكل أكبر، فى حين أن تنوع ما يتم النقل عنه يكسر حاجز الهيمنة. وتضيف -باعتبارها إحدى تلامذة المفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيرى- أنه وفى هذا السياق كان –المسيرى- يضرب مثلا بقضية المسرح، مشيرا إلى أن مفاهيمنا عنه هى المفاهيم اليونانية والرومانية، وما قاله كتاب المسرح الغربيون؛ فى حين أن هناك تجارب أخرى للمسرح الشرقى فى الهند واليابان مثلا لا نعرف عنها شيئا بسبب عدم الترجمة عن ثقافات تلك البلدان. وتستطرد قائلة: أيضا لدينا فى تراثنا الشعبى أشكالا مثل "الأراجوز" أو "المولد"، لم نلتفت كثيرا لتطويرها باعتبارها أشكالا مسرحية فى الأساس؛ كل ذلك لأن انغماسنا فى الشكل الغربى قد غطى على ثقافات أخرى، كما لم يساعدنا فى تطوير أشكالنا الثقافية الخاصة. وتتابع: إذا كان هذا على مستوى المسرح والأدب، فإنه على مستوى ترجمات الكتب السياسية نجد أن سيطرة الرؤية الواحدة تبدو فيه أكثر وضوحا، خاصة إذا خضع الأمر لهوى الناشر الخاص، الذى يفضل نشر كتاب أو قصة أدبية، أكثر من إقباله على نشر كتاب سياسى قد يكون غير ملائم للمناخ العام المحيط، فيكون لذلك أكثر حرجا وحذرا، فما يهم الناشر فى الأساس هو الكتاب الذى يُباع بأكثر من التفاته إلى طبيعة الموضوع وأهميته. وبشكل عام، تضيف د. جيهان: لا بد أن نبحث عن الكتب القيمة والمهمة، يلى ذلك الترجمة الجيدة، ثم أخيرا إتاحتها للقارئ الشاب والقارئ غير المقتدر بأسعار معقولة. وهذا يساهم فى النهضة لعشرين أو ثلاثين سنة قادمة. وحول تقييم ما يسمى ب"الأفضل" من الأعمال والكتب، ترى أنه يجب أن يتم ذلك تبعا لتأسيس هيئة استشارية، تضم مجموعة منتقاة من المتخصصين، يقومون جميعا ومعا بإتاحة الفرصة للنقل من معارف مختلفة، وذلك درءا لسيطرة الفكر أو التيار الواحد. كما أنه من الأهمية أيضا أن تواكب حركة الترجمة حركة نقدية قوية وواعية، تقوم بقراءة ما يتم ترجمته، والإسهام فى قيامه بدوره التوعوى والتثقيفى للجماهير، وهو مجال أيضا يعانى من الندرة، كما يعانى من عدم الاحتراف والتخصص. من جانبه، يلفت د. محمد يونس الحملاوى -أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر وأمين عام الجمعية المصرية لتعريب العلوم- الانتباه إلى أن الترجمة ليست هدفا فى حد ذاتها، ولكنها مجرد آلية لخدمة مشروع قومى، وخطة استراتيجية. فالوضع الطبيعى يوجب بداية وضوح الهدف القومى ثم تقسيمه إلى مهام فرعية لكافة المؤسسات الأخرى، وبدون ذلك تسير كافة الأعمال بشكل عشوائى. ويقول الحملاوى: من الخطأ أن يكون بداية التفكير هو البحث عن إجابة لسؤال "ماذا نترجم؟"، ولكن الأفضل أن يكون السؤال: "لماذا نترجم؟". فالهدف القومى هو ما يتم إسقاطه على أهداف أصغر، ثم مشروعات تنفيذية ومحاور عمل، فإذا وضعنا على سبيل المثال خطة أن تكون لبلادنا ريادة فى مجال الزراعة -دون إهمال الجوانب الأخرى بالطبع- حينها سنبحث عن روافد هذا المشروع، والدول ذات التميز فى هذا المجال، وأفضل الأبحاث التى كُتبت فيه، والعلوم التى تخدمه، ثم نبدأ فى الترجمة عما هو مناسب بشكل دقيق، بعيدا عن أفكار الهيمنة أو سيطرة اللغة الواحدة، لأنه دون تحديد دقيق بهذا الشكل، سنظل نترجم عن أكثر لغات العالم شيوعا وسنستمر فى سياسة "ملء الفراغ"، فكل مؤسسة والترجمة –من ضمن- ستقوم بتنفيذ خطة تبعا لما تراه هى مناسبة، وليس تبعا لتنفيذ مخطط قومى، وهذه هى العشوائية التى تؤدى إلى اللاشىء فى حين أنه يكون قد تم بالفعل إنفاق الوقت والجهد والموارد.