* عتمان: تخلف الترجمة فى مصر أخرجنا من سباق المعرفة * إبراهيم: مطلوب تكامل عربى وتبنى مؤسسات الدولة أكد عدد من الخبراء أهمية الترجمة فى تحقيق النهضة، بوصفها نافذة للثقافة العربية تطل منها على العالم والاتجاهات الفكرية الجديدة.. منتقدين فى الوقت نفسه عدم اهتمام مؤسسات الدولة المختلفة بحركة الترجمة خلال السنوات الأخيرة. جاء ذلك فى ندوتين منفصلتين عقدتا على هامش البرنامج الثقافى لمعرض القاهرة للكتاب فى دورته الرابعة والأربعين. فمن جهته، أكد الدكتور أحمد محمود، أستاذ اللغة الألمانية بكلية الألسن جامعة عين شمس، أن الترجمة العلمية فى مصر خارج نطاق اهتمام المؤسسات الحكومية المعنية بالترجمة بسبب عدم وجود معاجم عربية للمصطلحات العلمية مما يشكل صعوبة كبيرة على المترجم العربى فى تعريب الكتابات العلمية المتخصصة سواء فى العلوم الطبية أو الهندسية. وأشار محمود، خلال المائدة المستديرة التى عقدت على هامش البرنامج الثقافى لمعرض القاهرة للكتاب بعنوان "الترجمة ودورها فى تعزيز الثقافة وتأكيد الهوية" إلى أن عدم تعاون العلماء المتخصصين فى العلوم البحتة مع المترجمين عبر فرق العمل لترجمة الإنتاج العلمى فى الدول المتقدمة يؤدى إلى نقص المنتج العلمى من الترجمة فى مصر والعالم العربى. وأعرب عن أمله فى أن ترعى المؤسسات المعنية بالبحث العلمى والجامعات إنشاء مراكز للترجمة العلمية لترجمة إنتاج المراكز البحثية الغربية وتقديمه إلى العلماء المصريين ليستفيدوا منه فى تطوير المنظومة العلمية فى مصر والوطن العربى. من جانبه، انتقد المترجم رأفت سلام ضعف جهود مجامع اللغة العربية فى تقديم قواميس ومعاجم تلبى احتياجات المترجم فى استحداث ألفاظ ومصطلحات، مشيرا إلى أنه على مدار 50 عاما لم يقدم مجمع اللغة العربية أى معاجم جديدة ليلجأ المترجمون إلى المعاجم التاريخية مثل "لسان العرب" وغيره من كتب التراث التى لا يجد فيها المترجم ضالته فى ظل التسارع الشديد فى المصطلحات والتكوينات اللغوية. وفى سياق متصل، عقدت مائدة مستديرة بعنوان "الواقع والتحدى فى ظل معدلات الترجمة.. تقرير اليونسكو الأخير عن الترجمة فى العالم العربى"، أكدت خلاله الدكتورة سهير المصادفة أهمية الترجمة كنافذة للثقافة العربية تطل منها على العالم والاتجاهات الفكرية الجديدة، لذا خصص المعرض لها محورا خاصا ضمن أنشطته. وتحدثت المصادفة عن حركة الترجمة، مشيرة إلى أن الدولة لا ترعى الترجمة وما زلنا نحاول ونحاول جاهدين لدعمها، ثم قدمت ضيوف الندوة ووجهت السؤال إلى د. أحمد عتمان: كيف يتم تجاوز معدلات الترجمة المخجلة؟ وأشارت -على سبيل المثال- إلى أن "إسرائيل" تترجم مثل العالم العربى بأكمله مرة ونصف كل عام. فيما أشار د. أحمد عتمان، أستاذ الأدب الإغريقى ورئيس لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى أن الأوضاع الراهنة التى أثرت على كافة مناحى الحياة ومن بينها الثقافة، قائلا: لا بد أن يعمل كل فرد ويمارس عمله بانتظام كى تمر المرحلة ولا تتحول الكبوة إلى كبوات، لذا أجبت هذه الدعوة الكريمة رغم الصعوبات؛ لأننا جميعا يجب أن نجتاز ببلدنا هذه الفترة. وأضاف: "نهضة بدون حركة ترجمة، ننشد نهضة ثقافية لنغير وجه الحياة فى مصر، وذلك لن يحدث دون ترجمة لأنها تمثل الاتصال بالآخر ووسيلة من وسائل نقل إشعاع الآخر وثقافته وأفكار النهضة ووسائل التقدم إلى مصر، وهذا ليس كلام إنشاء؛ فالتاريخ يقول ذلك، كل عصور النهضة بدأت بالترجمة، وضرب مثالا بالنهضة الأوروبية التى قامت بالأساس الترجمة". وأوضح أن آباء النهضة الأوائل أوصوا بترجمة الحضارات والثقافات والتراث وعلى رأسه التراث العربى، والترجمة ليست ترفا، فماذا فعلنا لها، لا تفرحوا بترجمة كتاب أو عشرة، فبالنظر إلى "إسرائيل" وأوربا، نجدهم يترجمون قدرا هائلا من الكتب كل عام. وتساءل: كيف يمتلك العالم العربى هذه الثروات الهائلة التى تغذى العالم كله بالنفط ويكون هذا حالنا فى الترجمة؟ مؤكدا أن مصر بحاجة لثورة فى التعليم. وقال: "نحن نحتاج لرؤية، ومن يحارب الأعمال الأدبية لأنها تهدم حضارته فهو جاهل، والإعلام شريك كبير فى هذا، فهو يصور الأجنبى على أنه منشغل بالرقص واللهو ولا يظهر الجانب المتحضر للدول الأجنبية، كالأمانة فى المعاملات ودقة المواعيد، نحن نحتاج لإعادة الرؤية فى كلمة الآخر، وليس هذا فقط فى الدول الغربية، بل لحقت بهم الدول الشرقية كالصين، ونحن ما زلنا نتحاور فى مسائل تخطيناها من زمن بعيد". وأوضح أن الترجمة العلمية فى مصر تكاد تكون معدومة، وتساءل: كيف سنعرف علوم الذرة والفضاء؟!!، أتحدى من يرينى كتبا مترجمة فى العلوم، فالمسلمون فى أوج حضارتهم ترجموا العلم والطب والرياضة والفلك وبنوا عليها وأضافوا لها، مع صعوبة الترجمة وقتها، فلماذا لا نقتدى بأجدادنا، ادرسوا تجربة العباسيين وكيف ترجموا العلوم. واتفق معه الكاتب والمترجم طلعت الشايب، مؤكدا أن الأرقام تشير إلى تدنى مستوى الترجمة، ونحن فى كل عام نقول نفس الكلام، مع أن مصر مؤهلة لتقود الترجمة فى العالم العربى، لدينا تجارب مؤسسية وليست أفرادا منذ زمن، وضرب مثلا بالمشروع القومى للترجمة. وأضاف أنه بدون حركة ثقافية فى كل المجالات تدعمها الدولة كما تدعم رغيف الخبز لن تكون الترجمة كما نتمناها، الترجمة بعيدا عن الدولة مشروع للربح تهم القطاع الخاص ومثله فى ذلك مثل التاجر الذى يهتم بالربح آخر العام، أما الترجمة للدول التى تريد التقدم فهذا أمر مختلف. ودعا الشايب الدولة إلى تحديد أهدافها من المشروع وأرباحه الوطنية وأن تحدد أدواتها وميزانيتها، ويكون لديها مترجمون وموزعون ومطابع وأفراد يؤمنون بذلك المشروع قادرون على إدارته، ثم ذكر أن مصر فيها أكبر عدد من المترجمين ولديها عدد هائل من أساتذة الترجمة والثقافة. ثم ساق مثالا آخر على ذلك بقوله: إن دار النشر كبيرة كانت أو صغيرة تعرف الآن ما ستطبعه من كتب فى ???? لكن اسأل المركز القومى للترجمة عن الخطة للترجمة فلن تجد، والعشوائية تضيع الوقت والموارد، فبلا خطة لن ننتج شيئا، نحن نريد إدارة جيدة تدير هذا العمل، بأشخاص لا ينافقون الحكام. وعطف على كلامه بمثال آخر هو سلسلة الألف كتاب الثانى، فبالصدفة ستعرف الكتب التى تصدر عنها، ولا تدرى هل الكتاب مترجم حديثا أو لا؟ هل هو من مترجم متخصص أو لا؟ بينما سلسلة الترجمة التى تشرف عليها الدكتورة سهير المصادفة مثلا مشروع له خطة ورؤية، ولو كان عندك مشروع مشابه تستطيع تشكيل مشروع قومى كبير يديره من يفهمون عملية الترجمة. وأضاف أن: هناك من خدع المخلوع مبارك ليفهمه أننا نستطيع أن نصدر ستة آلاف عنوان مترجم فى السنة وهذا مستحيل، واصفا صاحب هذه الفكرة أو الادعاء بأنه مدَّعٍ، فالجودة أهم من الكمّ، والمنافسة بين الدول على العدد، ومن يصدر كتبا أكثر، لذلك يجب أن تكون لنا رؤية كاملة لا تعتمد على الأشخاص بل المؤسسات لننهض. بينما طالب الدكتور أنور محمد إبراهيم عضو المجلس القومى للترجمة بضرورة التكامل العربى فى حركة الترجمة، مؤكدا أننا نحتاج لخطة عربية ومتابعة الترجمة على مستوى العالم العربى؛ حتى لا تتكرر ترجمة الكتب فى عدة بلدان، وأهمية تواصل المترجمين العرب، كما أننا نفتقد الترجمات العلمية ولو مبسطة للقارئ العادى. وأشار إلى أن الترجمة فى مصر كان يقوم بها المثقفون القدامى ويكسبونها طابعا أدبيا وعلميا يجعلها تبدو كمؤلفاتهم الأصلية، موضحًا أن الترجمة عمل غير مربح للأفراد، لذلك يجب أن يكون مشروعا قوميا تخصص له ميزانية مناسبة.