فى مقهى المعاشات بمصر الجديدة عرفت صديقى المهندس ممدوح قنديل، ومنه عرفت اللواء مهندس محمد أنيس اسماعيل، ووجدت من واجبى أن أعرف أكبر عدد ممكن من الناس بهذا الرجل لعل فيما سيعرفونه ما ينير لهم ولنا الطريق .. ممدوح وأنا مثلنا مثل الكثير من المصريين المهمومين بالمستقبل الذى نرجوه للأبناء الأحفاد ، وكثيرا ما نجلس معا نهرى وننكت ونتبادل الآراء فى احوال البلاد والعباد، ودائما ما ينتهى بنا الحديث الى اللواء مهندس أنيس فيشرق وجه ممدوح وينطلق يحكى ويقول : البلد دى فيها خير كثير ولكن ينقصها الادارة .. قبل ما ييجى اللواء انيس ويمسك ادارة المصنع كنا يادوب بنغطى التكاليف ولما كانوا يتمتطعوا كانوا يدونا سبع أيام أرباح فى السنة .. كان المصنع «قطاع عام» والناس كانت فاهمة ان القطاع العام ده مالوش صاحب واللى بيشتغل فيه زى اللى مابيشتغلش .. وخم وكسل وبلطجة لغاية ما جه اللواء انيس ومسك الادارة واتبدلت الاحوال .. مدير مقيم ليل نهار فى المصنع بيتابع كل كبيرة وصغيرة، يعرفنا بالنفر واحد واحد ،والكبير فينا عنده زى الصغير، واللى بيشتغل ياخد حقه واللى يبلطج مالوش عنده غير الجزاءات .. ماكانش يعرف غير الشغل، ومالوش فى أصلى ولا فصلى ولا فى الكلام الفارغ ، كان همه كله فى النتيجة ولما كان الواحد منا بيحقق الهدف كانت فرحته بتبقى فرحتين فرحة بنجاحه الشخصى لإنه عمل شىء وانجز وفرحة تانية لما كان بيلاقى اللواء أنيس شخصيا بيستقبله وبيشكره ويمنحه المكافأة اللى يستحقها .. وتحول المصنع الى خلية نحل لا تهدأ، كل واحد عارف اللى عليه، وواثق ان وراه إدارة، ومدير قدير وصاحى وحيحاسبه اذا أحسن أو اساء .. وهوووب فى خلال شهور المصنع اللى كان خملان وبيحقق خساير قفز انتاجه لفوق وبعد ماكنا بنشحت منه سبع أيام أرباح فى السنة بقينا بناخد أرباح ست شهور غير مكافآت الجدارة اللى كان اللواء انيس بيمنحها للمستحق فعلا موش للى يستحق واللى ما يستحقش زى اللى بيحصل الايام دى .. ويمضى ممدوح فى حديثه الجميل عن الرجل العظيم : العجيبة يا اخى انه لم يراجعنى فى طلبى بالخروج المبكر الى المعاش رغم انه كان عارف انى مجتهد واعطانى قبل شهر واحد من طلبى مكافأة جدارة .. بس ان جيت للجد انا اللى كنت غلطان لأنى استجبت لعفريتى اللعبى وقلت اقعد بقى واستريح من الشغل والعب شطرنج بمزاج .. ويضحك ممدوح حتى تدمع عيناه ويواصل : أنا موش زعلان منه ولا حتى زعلان من نفسى لأنى عارف ان دى ارادة ربنا والحمد لله فى كل الأحوال، لكن يا أخى كان عندى عشم انه يرفض طلبى، ودى مشكلتى لأنى أخدت الموضوع وكأنه هزار ونسيت ان اللواء أنيس كان راجل جد ومالوش فى الهزار وتضييع الوقت فى لا والنبى تقعد ما نستغناش عنك و... و... والكلام الفارغ اللى زى ده .. نسيت الكلمة اللى كان دايما بيقولها لنا كلنا عمال ومهندسين واداريين فى الاجتماع الشهرى الموسع: ماحدش هنا أكبر من الشغل ..المصنع ده لازم ينتج ويتطور كل يوم واللى موش عايز يشتغل معانا يتفضل يشوف له مكان تانى واللى عايز يبلطج مالوش مكان هنا .. هذه تحية لرجل لم أشرف بمعرفته شخصيا ولكنى أعرف أن بلدنا الآن فى حاجة إلى أمثالة من رجال العمل الجاد ،وليس لرجال الكلام.. أسامة فرج