انتقدنا دولة الإخوان التى حاولت اختطاف الثورة وتقويض أركان الدولة، وكشفت عن كراهية وعداء بلا حدود للإعلام والصحافة تنافس فيها كل قياداتها وكوادرها. وجاء دستور »الغرياني« ليكرس هذه الروح، وسمح بإغلاق الصحف وحبس الصحفيين وتبعية المؤسسات الإعلامية للسلطة التنفيذية. وكان التجلى الأكبر فى هذا الاتجاه هو محاولات السيطرة على المؤسسات الصحفية القومية وإخضاعها للنظام الجديد، وذلك عبر إجراء أكبر حركة تغييرات فى القيادات الصحفية. وفى يونيو 2012 أصدر مجلس الشورى تقريرا لاختيار رؤساء التحرير الجدد، تضمن المعايير والضوابط اللازمة للاختيار والشروط العامة التى يجب توافرها فى المتقدمين، وكذلك آلية الاختيار. وفى المعايير والضوابط الثمانية التى وضعها برز من بينها المعيار الأخير وهو «ألا يكون الصحفى قد مارس خلط الإعلان بالتحرير أو العمل كمستشار إعلامى لمسئول حكومى أو رجل أعمال أو شركة أو مصلحة محلية أو أجنبية»، وفى الشروط العامة ألا تزيد السن على 60 عاما وألا تقل خبرة عمله عن 15 سنة، ويكون قد أمضى السنوات العشر الأخيرة متصلة بالعمل فى ذات المؤسسة. وفرضت آلية الاختيار أن يتقدم من يرغب تولى المنصب بطلب وبالأرشيف الصحفى الخاص به، لكنها سمحت للصحفيين بالطعن ضد أى مرشح بعد انتهاء مدة التقديم وإعلان الأسماء. وقتها ثرنا جميعا لأننا كنا ندرك الهدف الحقيقى من وراء هذه التغييرات، وهو ما تأكد عندما تم تجاهل تطبيق هذه المعايير فى النسبة العظمى من الاختيارات.. وكتب جمهور من الصحفيين معترضين ونظموا وقفات احتجاجية.. وأعلن مجلس نقابة الصحفيين الذى قدم تصورا لمعايير الاختيار تم التلاعب فيها، ورفض معايير الشورى وانتقد أداء النقيب الذى قدم بحكم انتمائه مصالح الإخوان على مصالح المهنة.. وأصدر المجلس الأعلى للصحافة بيانا هاجم فيه المعايير التى اعتبرها لا تلقى قبولا لدى أغلبية الجماعة الصحفية، وأنه لم يتم التشاور بشأنها، وطالب بإعادة الأمر برمته إلى نقابة الصحفيين لتأخذ رأى الصحفيين حول معايير اختيار رؤساء التحرير بدلا من فرضها عليهم، ووقتها تحفظ رئيس المجلس أحمد فهمى بصفته رئيسا لمجلس الشوري، وكان جلال عارف وصلاح منتصر وكيلين وصلاح عيسى أمينا عاما. حدث هذا فى يونيو2012.. لكن ما الذى جرى فى يناير 2014 بعد أن خرج علينا المجلس الأعلى للصحافة بعد طول انتظار بما أسماه «إعلان بشأن الترشح لرئاسة تحرير الصحف الصادرة عن المؤسسات الصحفية القومية». أستطيع بضمير مستريح أن أصف هذا الإعلان وفى جملة مختصرة بأنه صادم، ويليق أن نطلق عليه («لا» معايير المجلس الأعلى لاختيار رؤساء التحرير»). فقد حاول أن يتشابه مع معايير الإخوان التى رفضناها فتطابق معها فى العدد وهو رقم ثمانية لكل منهما، وكذلك فى الآلية التى تسمح لمن يرغب فى ترشيح نفسه بأن يتقدم بطلب إلى اللجنة المختصة، وهو ما اعتبرناه أيام الإخوان وسيلة تحمل معنى الإهانة ولا تفرز الأفضل، وهو ما أدى إلى إحجام كثير من الكفاءات عن قبول هذه الطريقة، وهو ما كان يمكن أن يحدث فى تغييرات رؤساء مجالس الإدارة الأخيرة، وزاد لبس الإعلان عند عدد كبير من الزملاء إشارة غامضة، إلى المادة الثالثة من القرار، التى تقضى بتحديد الجهات الأخرى التى لها حق الترشيح لهذه المواقع. هى إشارة غريبة لكنها تفسر فلسفة المراوغة والإفراغ من أى مضمون جاد، فهى تسمح لك بأن تتقدم وتسمح لجهات أخري! ويقول الإعلان أيضا بما قالته معايير الإخوان بألا يكون من يتم اختيارهم قد أحيل إلى التقاعد لبلوغه سن الستين، لكنها تضيف «ما لم يكن قد صدر قرار بمد خدمته»، رغم علم المجلس والنقابة بإشكاليات موضوع المد من عدمه التى تركت حتى الآن بلا حل وبلا معايير، والجميع يعلم أن كثيرا من الكفاءات لم يتم المد لها بتعليمات من الإخوان أو بتعسف من الإدارة. فى اللا معايير الأخيرة أيضا أوكازيون التخفيضات وتقديم التسهيلات وإهدار القيم المهنية.. فى التخفيضات اكتفت المدة المطلوبة لشغل المنصب بعشر سنوات بدلا من 15 سنة، وفى التسهيلات لا يشترط أن تكون قد قضيت السنوات العشر الأخيرة متصلة بالعمل فى ذات المؤسسة، ويمكن أيضا فى «حالة الضرورة» أن يأتوا إلى رئاسة تحرير مطبوعتك بأى زميل من مؤسسة أخري.وفى إهدار القيم المهنية والنقابية حدث ولا حرج، فقد غاب ألا يكون الصحفى قد مارس خلط الإعلان بالتحرير أو العمل كمستشار إعلامى لمسئول حكومى أو رجل أعمال أو شركة أو مصلحة محلية أو أجنبية. والغريب هنا واللافت أنه قبل إعلان هذه المعايير ومعرفتى بخلوها من هذا البند أجريت عدة اتصالات بالزميل ضياء رشوان، والدكتور نور فرحات، والدكتور حسن عماد مكى عميد إعلام القاهرة، أعضاء المجلس الأعلي، وجميعهم لم يخالفونى الرأى على ضرورة وجود هذه الضوابط المهنية والقانونية، ووعدوا بإجراء محاولات لتدارك الأمر. اللافت كذلك أن المجلس لم يهتم بإجراء حوار جاد مع الصحفيين أو نقابتهم حول هذه المعايير، ولو حدث ذلك فربما كانت توافرت لدينا إجابة عن تساؤلات يطرحها بعض الزملاء، مثل: هل يجوز فى من يتولى رئاسة تحرير صحيفة قومية أن يكون عضوا بالمستويات القيادية بأى من الأحزاب السياسية أو متحدثا رسميا أو إعلاميا باسمها؟ وهل يجوز لبعض الزملاء الذين تفرغوا للعمل مقدمى برامج بالفضائيات أن يتولوا أمر هذه الصحف؟ وهل يمكن أن نتجاهل شرط ألا يكون مالكا أو مساهما فى ملكية أى من الصحف أو أن يكون له سجل محاسبى يسمح له بأعمال وأنشطة تجارية؟ وغيرها من التساؤلات التى لا يكشفها إلا التشاور ولا يجيب عنها إلا الحوار. كان أمامنا عبر هذا الحوار، الذى تجاهله الإخوان فى السابق، خاصة مع النقابة ومع الجماعة الصحفية بدائل أخرى كثيرة تجعل هذه المعايير، دعما لعودة القيم المهنية واحترام القانون ومواثيق الشرف، وتحفظ من خلال آلية الاختيار روح الثقة وكرامة المنصب ومكانته. ولا أتصور أنه ليس أمام الزملاء أعضاء المجلس الأعلى للصحافة، الذين نقدر دورهم وتاريخهم، إلا إعادة النظر فى الأمر، ولا نطالبهم بأكثر مما قاله بعضهم من قبل عن «ضرورة مراجعة المعايير وآلية الاختيار المعيبة وعودة الأمر برمته إلى النقابة والاستماع إلى آراء الجماعة الصحفية». أو إلى ما قاله النقابى القدير جلال عارف فى يونيو2012، وكان وكيلا للمجلس الأعلي: «إننا أمام مشكلة فى هذا الملف الشائك وأنه يجب العودة إلى توصيات العديد من المؤتمرات التى عقدتها نقابة الصحفيين على مدى العقود السابقة، والتى تنظم هذه الأمور، وأنه لا داعى للعجلة». وأخيرا يا أيها الزملاء من ثوار 30 يونيو فى المجلس الأعلى من فضلكم لا تفعلوا بنا ما سبقكم إليه نشالو ثورة يناير!! لمزيد من مقالات يحيى قلاش