شهد المجتمع المصري تغيرات ملحوظة إثر ثورتين متتاليتين.. ونصت المواثيق الدولية علي أن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة ويعبر عن هذه الإرادة في انتخابات نزيهة ودورية تجري علي أساس الاقتراع السري وعلي قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.. ويثور التساؤل عن الفكر الجديد للمحكمة الإدارية العليا عن قاعدة بيانات الناخبين و تنقية الجداول الانتخابية في ضوء معايير نزاهة الانتخابات, حيث يقول المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة إن المحكمة الإدارية العليا قد أصدرت حكما تاريخيا حديثا بجلسة17 نوفمبر2013 برئاسة المستشار يحيي راغب دكروري نائب رئيس مجلس الدولة, ورئيس المحكمة الإدارية العليا الدائرة11 ابتدعت فيه فكرا قانونيا خلاقا, يتناسب مع المرحلة التي يمر بها المجتمع المصري وما يجب أن يكون عليه في ضوء الأطر الدستورية والقانونية المستجدة و يمكن إيجازه في ثلاث نقاط: أولا: كيفية القيد وتنقية الجداول الانتخابية وتحديثها وضمان سلامتها ومفهوم قاعدة بيانات الناخبين.. يقول المستشار الدكتور محمد خفاجي إن المحكمة العليا أكدت أن المشرع جعل إجراء القيد وتنقية الجداول الانتخابية وتحديثها وضمان سلامتها شراكة فعالة بين الدولة بحسبانها المنوطة بها رعاية الحقوق خاصة الأساسية منها وبين المواطنين بما يلقيه عليهم الالتزام بالمساهمة في الحياة العامة من واجبات وطنية, إدراكا للتغيرات السياسية التي أحدثتها الثورة في المجتمع وأهمها إقبال المواطنين وحرصهم علي التعبير عن إرادتهم بما يمثل نزاهة الانتخابات وذلك عن طريق استحداث نظام مفهوم قاعدة بيانات الناخبين استنادا الي منظومة الرقم القومي التي تضمنها قانون الأحوال الشخصية, إذ أصبح لكل مواطن رقم يميزه منذ ميلاده وطوال حياته ولا يتكرر بعد وفاته وأصبح لدي مصلحة الأحوال المدنية بوزارة الداخلية قاعدة قومية لبيانات المواطنين تشمل سجلا خاصا لكل مواطن تسجل فيه جميع وقائع الأحوال المدنية التي تطرأ عليه منذ ميلاده حتي وفاته بمقتضي القيد الذاتي فور بلوغ كل مصري أو مصرية ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة ولم يلحق به أي مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية وذلك علي مدار العام باستثناء الفترة من تاريخ دعوة الناخبين الي الانتخاب او الاستفتاء حتي تاريخ نهايته أخذا بمبدأ مرونة القيد وليس ثباته كما كان سابقا. وأكد المستشار الدكتور محمد خفاجي أن المحكمة الإدارية العليا انتهت إلي أن هذا النظام لا يعتمد علي مجرد نقل البيانات المدرجة بقاعدة بيانات الرقم القومي لدي مصلحة الأحوال المدنية, إذ عهد المشرع إلي اللجنة العليا للانتخابات بمهمة الإشراف علي إعداد قاعدة بيانات الناخبين وطريقة مراجعتها وتنقيتها وتحديثها بالطرق المنصوص عليها, كما عهد أيضا الي اللجنة العليا للانتخابات بتشكيل لجنة لإعداد وإنشاء أول قاعدة لبيانات الناخبين من واقع قاعدة بيانات الرقم القومي ثم تنسخ قاعدة البيانات بجميع مستوياتها علي أقراص مدمجة غير قابلة للتعديل وتحفظ النسخة الأصلية باللجنة العليا للانتخابات وتحفظ قاعدة البيانات الخاصة بكل محافظة لدي لجنة الانتخابات بالمحافظة وترسل نسخة منها إلي مدير الأمن المختص وبتمام الاعتماد يتحقق إنشاء أول قاعدة لبيانات الناخبين وإعمالا للشفافية يجب عرضها علي الكافة من خلال النسخ الورقية المطبوعة والنسخ الالكترونية في الأماكن والمواقع الالكترونية وأجهزة الحاسب الآلي المقررة قانونا. مع ضرورة أن يتضمن البرنامج الخاص بالعرض الالكتروني نظاما لا يسمح بالتعديل أو بالحذف أو بالإضافة إلي قاعدة بيانات الناخبين كما عهد المشرع إلي اللجنة العليا للانتخابات بتشكيل لجنة دائمة لتحديث قاعدة بيانات الناخبين بعد تمام إنشائها وإعدادها علي النحو المتقدم. ثانيا: شروط خلق قاعدة بيانات الناخبين ومعايير نزاهة الانتخابات. يقول المستشار الدكتور محمد خفاجي إن محكمتنا العليا ذهبت إلي أن المشرع قصد إعداد أول قاعدة بيانات للناخبين لتكون البناء الرئيسي للقاعدة الأم لبيانات الناخبين, دون وجود قواعد متتالية ثانية وانه يشترط لخلق تلك القاعدة عدة شروط وضمانات كمعيار حاسم من اهم معايير نزاهة الانتخابات والضمانة الأولي هي حتمية وتلقائية القيد, وتعني ان يتم قيد أسماء كل من تتوافر فيهم شروط الناخب ولم يلحق بهم اي مانع من موانع مباشرة الحقوق السياسية في قاعدة بيانات الناخبين دون توقف علي طلب منهم وبشكل تلقائي علي مدار العام فور بلوغ كل مصري أو مصرية ثماني عشرة سنة وذلك من واقع بيانات الرقم القومي الثابتة بقاعدة بيانات مصلحة الأحوال المدنية, والضمانة الثانية هي وحدة الموطن الانتخابي, وذلك بربط الموطن الانتخابي للناخب بعنصر وحيد هو محل إقامته الثابت ببطاقة الرقم القومي بحيث إذا تغير المحل في بطاقة الرقم القومي في أي وقت تغير معه بالتبعية موطنه الانتخابي في قاعدة بيانات الناخبين, والضمانة الثالثة هي وحدة القيد وعدم تكراره, فنتيجة لربط قيد المواطن برقم قومي واحد يميزه منذ ميلاده وطوال حياته غير قابل للتكرار حتي بعد وفاته, فهو يرتبط به وجودا وعدما, ووحدة الموطن الانتخابي للناخب علي هذا النحو كان من المنطقي واللازم ألا يقيد الناخب في أكثر من قاعدة بيانات فرعية واحدة وان تستبعد نهائيا فكرة القيد المتكرر. والضمانة الرابعة هي أحكام القيد وانضباطه, وذلك بأن تتضمن قاعدة بيانات الناخبين فقط أسماء من لهم حق مباشرة حقوقهم السياسية من المواطنين الذين استوفوا الشروط المقررة قانونا وألا يدرج بها أسماء المحرومين من مباشرة حقوقهم السياسية أو من توافر في جانبهم سبب من أسباب وقف مباشرة الحقوق السياسية ومن قرر المشرع إعفاءهم من أداء واجب الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء. والضمانة الأخيرة هي الشفافية والافصاح, وذلك عن طريق عرض قاعدة بيانات الناخبين في خلال مقرات المحاكم الابتدائية ومراكز واقسام الشرطة والمواقع الالكترونية المذكورة قانونا وذلك بغرض إعلام الكافة بها وإفصاح لمجموع الناخبين عما آلت إليه عملية وإجراءات إنشائها. ثالثا: وجود بعض الأخطاء في قاعدة بيانات الناخبين لا يفضي حتما الي بطلان القاعدة بأكملها ولعدم الاعتداد بإنشائها ولتلافي تلك الأخطاء, يؤكد المستشار الدكتور محمد خفاجي ان المحكمة الإدارية العليا ذهبت الي أن احتمال حدوث أخطاء عند إنشاء قاعدة بيانات الناخبين لأول مرة أمر اقره المشرع ذاته وذلك كاهمال قيد اسم في قاعدة البيانات بغير حق أو قيد اسم بغير حق او حدوث خطأ في البيانات الخاصة بالقيد ذاته( الاسم, الرقم القومي, النوع, محل الإقامة) وذلك مرجعه تقدير المشرع للواقع العملي بحسبان أن مسألة إعداد قاعدة بيانات الناخبين وان غلب عليها الميكنة واستخدام تقنيات الحاسب الآلي ونظم المعلومات الا ان ذلك لا يخلو من تدخل العنصر البشري في هذه المسألة باعتباره هو من يصمم البرامج اللازمة ويغذيها بالبيانات ولا يحول ذلك دون الحق في الطعن علي قاعدة البيانات حال وجود مثالب تهدر مقوماتها الأساسية, وذلك بمناسبة أية استفتاءات أو انتخابات مستقبلية.