يبدو أن كبر مساحات بعض الدول العربية, أصبح مزعجا للغرب الاستعماري.. هكذا علق أحد السياسيين العرب الكبار في جلسة خاصة جمعتني به في الدوحة الأسبوع الماضي, وحين سألته عن سبب ذلك قال: إن الدول الغربية تري في مساحات بعض الدول العربية خطرا علي المجتمع الدولي, سواء أكانت تلك المساحات كبيرة أو صغيرة, والحديث هنا لا يخص الدول العربية من حيث التعداد السكاني, وإنما من حيث امتلاك معظمها ثروات, وإن فشل بعضها في الاستفادة منها, لذلك لابد من أمرين, الأول: انهاك الدول العربية صغيرة المساحة وصاحبة الثروة في انفاق متواصل إما بالحروب, أوالإرهاب, أوزيادة الاستهلاك, والأمر الثاني: تقسيم الدول كبيرة المساحة علي غرار ما حدث في السودان. من هنا يمكن لنا فهم ما يحدث اليوم في اليمن من دعوات الحراك الجنوبي للانفصال بحجة غياب العدل, ومحاولته افشال الحوار الوطني, وقد سبق أن رأينا التقسيم علي أساس عرقي ومذهبي في العراق, وهو ما يحضر له في سوريا المستقبل, تكون البداية مع مؤتمر( جنيف 2), المزمع اجراؤه في يناير المقبل, صحيح أنه قد لاتتم الدعوة إليه بشكل مباشر, غير أن الترتيبات السياسية إقليميا ودوليا ستفضي إلي هذا مع الوقت, وليس تشاؤما إن انتهينا إلي القول: نحن عربيا نتجه إلي الصوملة ببطء وبغباء سياسي من القادة والنخب, حتي من أولئك الذين يدعون إلي حكم إسلامي يراعي فيه سياسة التوحيد لجهة عالميتها. لقد أشيع خلال السنوات الثلاث الماضية, خاصة بعد وصول الإخوان المسلمين إلي الحكم في تونس ومصر, وإلي حد ما في ليبيا, إلي أن جماعات ما بات يعرف ب الإسلام السياسي تدعو بل وتسعي إلي استعادة الخلافة الإسلامية, وتقديم الأمة علي الوطن, ودون تعمق منا وقعنا في حالة من سوء الفهم, لأن حقيقة الأمر كما تكشف عنه الوقائع كل يوم أن تلك الجماعات تسهم في التقسيم, وهي لا تفكك الأوطان من أجل عالمية الإسلام وبعده الأممي, وإنما من أجل مصلحة الجماعة, ولنا المثل الواضح في ما يحدث في فلسطينالمحتلة التي تحولت إلي مشروع غزة وأريحا, ثم انتهت إلي دولتين واحدة في غزة, والأخري في رام الله. تري, هل من المعقول ان تلتقي جماعات التغيير في الدول العربية مع الدول الغربية حول انهاء مشروع الدولة الوطنية من خلال تقسيمها مجتمعيا وعرقيا ومساحة؟.. يبدو أن المشترك بين قوي الخارج وجماعات الداخل, بما فيه تلك الحاملة لأيديولوجيات كبري والحالمة بها, أكبر من أن يختصر في الوصف والتحليل, لأنه يتطلب مواجهة فعلية قبل أن يعمنا الطوفان. من التصور السابق يمكن لنا فهم ما يحدث في ليبيا اليوم, فدعوات بعض الجماعات والقيادات السياسية إلي الفيدرالية بحجة التهميش ومظالم الدولة الوطنية بقيادة الزعيم الراحل معمر القذافي, ستنتهي إلي تقسيم ليبيا, وستكون المناطق الخاصة بالنفط دويلات مستقلة بذاتها, والذين اسهموا عن طريق حلف الناتو بتدمير نظام الدولة الوطنية سيدفعون ثمن ذلك من أعمارهم وأرزاقهم وسيفقدون الأمان والسلم الاجتماعيين بغياب ليبيا الكبري الموحدة, التي تحررت في ستينيات القرن الماضي من الاستعمار الايطالي. والمحاولات الجارية في مصر اليوم, هي أيضا جزء من ذلك المخطط العام الهادف إلي تقسيم الدول العربية, وذلك من خلال اشعال الجبهة الداخلية, ورفض سيادة الدولة وسلطتها, قانون التظاهر مثلا, وفي ذلك تلتقي مطالب الداخل, بوعي أو من دونه, مع ضغوط الخارج الهادفة إلي تغيير المنطقة ليس فقط علي المستوي السياسي الداخلي ولكن وبشكل خاص تحضيرها إلي مستقبل الدويلات المجزأة, من خلال تشكيك عامة الشعب في انتماء بعض المناطق أو المحافظات, وتركيز العمليات الإرهابية في سيناء جزء من هذا المشروع. حرب المساحات, ستشتعل حسب التخطيط الغربي, إن لم نتدارك الأمر قبل فوات الأوان, في كل من الجزائر والسعودية, ولندرك هذا علينا أن نتابع قراءة السياسيين الغربية وكذلك وسائل الإعلام الغربية لبعض المطالب الشعبية في الدولتين. ففي الجزائر تقرأ من خلال البعد العرقي, أما في السعودية فينظر إليها من الزاوية المذهبية, وواقع الأمر أن مطالب الشعب في بعض المناطق المحرومة في الدولتين هي مطالب اجتماعية أو تتعلق بالحريات وبحقوق الإنسان, ودوافعها غير سياسية, وليست انفصالية, ومع ذلك فإن الغرب يراها من منظوره الخاص, الذي يكرس ماضيه الاستعماري الذي أدي إلي تقسيم الدول العربية بالشكل التي هي عليه اليوم. من ناحية أخري, فإنه في ظل التغيرات الحاصلة في الدول العربية, تطرح, وعلي نطاق واسع, مسائل يبدو ظاهرها المصلحة العامة, لكن باطنها التفرقة والتجزئة والانقسام,من ذلك الدعوات المتواصلة لتكريس الدولة الوطنية بعيدا عن انتمائها العربي, وهويتها الإسلامية, لاعتقاد البعض أن هذا يمثل حماية لها, مع التركيز علي خصوصية كل دولة, لدرجة أن هذا لم يعد خطاب السياسيين وإنما خطاب المثقفين وكثير من العلماء.. وهذا لا يقل خطورة عن دعوات الجماعات الدينية التي تطرح عالمية الإسلام في حين هي متقوقعة داخل فكر الجماعة وقيادتها, وتري في رؤاهم ومواقفهم صوابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. بعد هذا كله يحق لنا القول: إن كثيرا من الأفكار والتصورات المطروحة علي الساحات العربية يخدم المشروع المستقبلي لحرب المساحات, التي قد تجد مبررا لها من التاريخ البعيد, حيث ستحل الجماعة أو القبيلة بديلا عن الدولة, وعندها سيعود الاعتقاد القديم بقوة السلاح فتخر منطقة لأخري ساجدة بسبب الثروات, وإلا ستكون معيشتها ضنكا وستشرب كدرا وطينا, لكن عندها ستكون الحماية من دول الشركات العالمية, وستستعين الدويلات الصغيرة علي جارتها, بعد زوال الدولة الوطنية الجامعة, بأعداء الأمس القريب, وسنكون علي شاكلة ممالك العرب في المشرق والمغرب حين استعانوا بقوي خارجية لحمايتهم من إخوانهم, لذلك فإن المحافظ علي الوحدة الترابية للدولة الوطنية مثل الماسك بالجمر, ولاشك أن جمر الدولة الوطنية أفضل من نار الفتنة والاقتتال والتقسيم. كاتب وصحفي جزائري لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه