في تقرير خاص لصحيفة ديلي بيست الإلكترونية الأمريكية المعروفة, أشار أحد الصحفيين إلي الصراع الداخلي في الإدارة الأمريكية حول سياسة الرئيس باراك أوباما تجاه مصر حيث أكد كاتب التقرير علي وجود خلافات بين فريقين الأول تقوده سوزان رايس مستشار الأمن القومي والتي تدعو لإظهار قدر من التشدد في اللغة المستخدمة ضد الإدارة الحالية للعملية الإنتقالية في مصر وفريق آخر يقوده وزير الخارجية جون كيري ويتشبث بمواقف متأنية في التعامل مع الوضع الحرج بعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي بعد عام من صعود جماعة الإخوان إلي الحكم. ضغطت رايس كثيرا من أجل أن يستخدم كيري في زيارته للقاهرة كلمات حادة في التعامل مع ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان ولم تفلح في إثناء الوزير الأمريكي عن وجهة نظره أن الوقت غير ملائم- بل وتجاوزته الأحداث- ولم يعد التلويح بالمساعدات العسكرية أو تقليص مستوي التعاون يجدي في شئ نتيحة البيئة المتغيرة التي نشأت مع سقوط الجماعة في مصر والمعادلات الجديدة التي خلفها السقوط المروع لأكبر جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. أول تلك المعادلات هو شعور القاهرة بتحرير القرار السياسي من ربقة الصديق الأمريكي بعد ثلاثين عاما من علاقة ملتبسة بنيت علي فرضية أن واشنطن تملك في يدها إدارة دفة العلاقات في الإتجاه المفضل لديها دون مقاومة حقيقية من القاهرة! واحد من دروس الثورة الشعبية في30 يونيو الماضي, الرغبة في تحديد مسار جديد يتمرد علي اللعبة التقليدية للولايات المتحدة التي تمسك بخيوط الأنظمة الحاكمة فيما تتدعي أنها تكافح من أجل دعم خيارات الشعوب. تلك اللغة الأمريكية أصيبت بنكسة كبيرة عندما خرجت من دعم حكم مبارك في ثلاثين عاما إلي دعم حكم جماعة الإخوان في أقل من عامين من صعودها في السياسة المصرية حيث رمت واشنطن بكل ثقلها وراء قيادات الجماعة سواء منهم من كان في واجهة السلطة أو من كان يدير الرئيس والرئاسة من الكواليس في مكتب الإرشاد. إنتكاسة السياسة الأمريكية أنها وعدت في صيف2011علي لسان رئيسها وفي إحتفال بالخارجية الأمريكية بتغيير الإتجاه والرهان علي خيارات الشعوب في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية, وبعدها بشهور وقعت الإدارة في إغراء ظهور حليف جديد في مصر يرغب في إقامة شراكة بين البيت الأبيض ورئاسة جديدة من خلفية لم تعهدها مصر من قبل. وتحاول واشنطن عن طريق مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أن تبدو في صف الشعوب من خلال مواقف ظاهرية لصقور حقوق الإنسان والديمقراطية من أمثال سوزان رايس وثامانتا باور مندوبة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة إلا أن حركة الأحداث في الشرق الأوسط لم تعد تتحمل العمليات التجميلية للوجه القبيح! تصورات كيري ووزير الدفاع شاك هاجل حول واقعية الصورة الحالية هو ما سوف يحكم العلاقات مع مصر ودول أخري كبري في المنطقة لسنوات قادمة حيث المصالح الحيوية مهددة بدخول أطراف جديدة في المباراة الدائرة بين الولاياتالمتحدة والأنظمة الصديقة المحورية مثل مصر والسعودية. ثاني المعادلات هو وقوف الولاياتالمتحدة في منطقة' معتمة' بعد أن هوت صروح التنظيم السياسي الأكثر شعبية في العالم العربي بعد فترة وجيزة في الحكم رغم مساعي واشنطن لدعمه دوليا وهو ما يعني أن معادلة' أنت أقوي بدعم أمريكا- لو كنت منتخبا' مثلما سعي الإخوان إلي الإستفادة من ميزة وصولهم بالإنتخاب إلي الحكم بالتقرب من واشنطن وتبادل المنافع لن تجدي نفعا في المستقبل مع أي نظام أخر يأتي بالديمقراطية أو غيرها..' المنطقة المعتمة' تزداد اتساعا ومعها تأتي صعوبة التعرف علي مفردات المتغيرات المحيرة في العالم العربي.. من تمدد لشبكات الإرهاب وعلي رأسها القاعدة في سوريا وليبيا إلي إنكشاف للسياسات الفاشلة حيال قضايا إقليمية كبري منها الموقف من البرنامج النووي الإيراني والقضية الفلسطينية والحل في سوريا وهي الملفات الثلاثة التي وعدت الإدارة بوضعها علي رأس الأولويات ولكنها اليوم تواجه ضغوطا إقليمية ودولية من أجل' التروي' وتحسس خطواتها مثلما هو الحال في القضية النووية الإيرانية, حيث كادت الإدارة ان تمضي في صفقة خاسرة من وجهة نظر أكثر من طرف حيوي إلا أن فرنسا- الطامعة في نصيب من الكعكة الجديدة في الشرق الأوسط- رفضت التوصل إلي حل سريع مع طهران حتي لا يخلف الاتفاق نتائج سلبية لا يمكن علاجها سهولة وأهمها اللين في التعامل مع الطموحات الإيرانية واحتمالات أن ترد إسرائيل بعدوانية علي فتح الباب أمام حيازة طهران لليورانيوم المخصب دون قيود دولية. في واحدة من نوادر السياسة الأمريكية, كتب لي سميث في مجلة ويكلي ستاندرد اليمينية الشهيرة مؤخرا أن أفكار أوباما عن الشرق الأوسط تحددها قراءته لمقالات بعض الكتاب المقربين منه ومنهم ديفيد إجناثيوس واشنطن بوست وتوماس فريدمان نيويورك تايمز حيث يمكن أن تعرف مسار السياسة الأمريكية من خلال هؤلاء الكتاب اليوم وهو ما يعني ضمنيا أن هناك حالة تخبط في دوائر السلطة الفاعلة وعلي رأسها البيت الأبيض- المسئول الأول عن صناعة السياسة الخارجية الأمريكية. والمعادلة الثالثة أن أمريكا شهدت تغيرا داخليا كبيرا تحت وطأة الأزمات الإقتصادية والمالية في السنوات التي أعقبت حرب العراق, ولم يعد يقبل بالمغامرات العسكرية التي يمكن أن تعصف بمكانة أمريكا مستقبلا, حيث التدخل الخارجي لم يجلب سوي المتاعب والخسران ويهدد بإتساع رقعة الخصوم في الشرق الأوسط وتأجيج عداوة أكثر بين الشعوب الرافضة للسلوك الأمريكي في التعامل مع قضايا المنطقة. حيرة الإدارة الأمريكية ربما تبدت في تصريحات جون كيري في القاهرة وتودده بشدة للحكم الجديد والإعراب عن إيمانه بأن' خريطة المستقبل' تسير في الطريق الصحيح, فيما فقد البعض في مراكز الأبحاث الكبري البوصلة الإسترشادية للإدارة التي تحولت في عدد من القضايا إلي دور المتفرج وفي البعض الأخر تقوم بدور المعرقل للتحولات الحتمية في بعض البلدان والتي تضع أمامها هدفا واحدا ضمن عدة أهدف ألا وهو التحرر من قيود القوي العظمي سيئة السمعة!