ربما كان منصب أرفع دبلوماسي في الولاياتالمتحدة ليس هو مبلغ طموح رجل كان يوما قاب قوسين أو أدنى من كرسي البيت الأبيض ذاته، لكن بالنسبة إلى السيناتور الديمقراطي جون كيري، فإن توليه حقيبة الخارجية الأمريكية وهو الآن في ال69 من العمر، قد يقدم له بعض العزاء ولو بشكل مؤقت، وستكون بانتظاره تحديات هائلة خاصة مع شرق أوسط لم تهدأ فيه أمواج الربيع العربي بعد. يمكن لسيناتور ماساشوستس لما يقرب من 27 عاما، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لخمس سنوات، أن يصنع التاريخ، فثمة ملفات ساخنة تنتظره، من عملية السلام المحتضرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تجربة الديمقراطية في مصر في ظل حكم الإخوان المسلمين، والأزمة في سوريا والملف النووي الإيراني. ربما يكون كيري الرجل المناسب في المكان المناسب، فهذا العسكري المخضرم الذي شارك في حرب فيتنام، سيجلب معه إلى وزارة الخارجية الأمريكية خبرات سنوات طويلة ولن يكون بحاجة حسب ما قال الرئيس أوباما لدى إعلانه ترشيحه، إلى جهد للتأقلم على منصبه الجديد، فهو وجه مألوف للعديد من قادة العالم، بدءا بالرئيس الروسي فيلادمير بوتين انتهاء بالرئيس السوري بشار الأسد والمصري محمد مرسي. والرجل يملك كل المؤهلات ليصنع تاريخا جديدا بالنظر إلى سجله الدبلوماسي القوي، وسيكون أمام عدة اختبارات قوية من أبرزها إعادة تقييم علاقات الولاياتالمتحدة والإخوان المسلمين في مصر. تسبب كيري بحرج بالغ لأوباما أكثر من مرة، فقد سبق الإدارة في مطالبته بتنحي مبارك أثناء الثورة ضده، كما انضم لصديقه الجمهوري المخضرم جون ماكين أثناء الثورة الليبية مطالبا بسياسة أكثر قوة مع القذافي وفرض منطقة حظر طيران. وربما كان هذا السبب في أنه كان الاختيار الثاني لأوباما، بعد ما سحبت سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة سوزان رايس، حليفة أوباما القوية، ترشيحها للمنصب تحت ضغوط شديدة من الجمهوريين على خلفية تعامل الإدارة الأمريكية مع الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي. وليس واضحا ما إذا كان هذا الصوت المستقل القوي سيهدأ بمجرد توليه وزارة الخارجية وتحوله لترس في ماكينة إدارة أوباما. فيما يخص مصر فإنه سيكون أمام خيار صعب للموازنة ما بين مصالح بلاده المتمثلة في أهمية إبقاء البلد العربي الكبير داخل المعسكر الأمريكي والحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد، وما بين رغبته في أداء دور مختلف. طالب كيري الأمريكيين بألا يتعجلوا الحكم على مرسي، والإخوان، وانتظار أفعالهم التي تتكشف الآن. وهو بهذا سيكون في مواجهة مع ماكين ورفاقه، الذين هاجموا تصرفات مرسي الأخيرة، وحذروا من ديكتاتورية دينية في القاهرة. الصراع الفلسيطيني الإسرائيلي من مناطق الألغام الأخرى التي لابد ل كيري أن يدخلها، وستكون مواقفه السابقة الرافضة بشدة لسياسات إسرائيل الاستيطانية على محك حقيقي. في سوريا أثار كيري الجدل في بداية الأزمة بإشادته بالأسد، لكنه الآن أصبح "منبوذا" في عيون الأمريكيين، حسب تعبير صحيفة الواشنطن بوست، بعد سقوط عشرات الآلاف من القتلى في الصراع بين الأسد ومعارضيه. وسيكون على كيري استخدام كل مهاراته لوضع نهاية للأزمة الدامية، مع معالجة المخاوف الأمريكية المتمثلة في سيطرة إسلاميين متشددين على سوريا ما بعد بشار.