أمريكا تركز على صفقة نووية مع إيران.. وتضع علاقتها مع مصر فى المقاعد الخلفية لم يعد بالأمر الخفى أن إدارة أوباما تبنت سياسة «أكثر تواضعا» تجاه الشرق الأوسط. وأن الفضل فى ذلك (إذا جاز هذا التعبير) يرجع إلى سوزان رايس مستشارة الرئيس للأمن القومى. كما أن خطاب الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضى عكس هذا التغير فى التعامل الأمريكى مع منطقة الشرق الأوسط وأزماتها. حديث أهل واشنطن وأيضا «الثرثرة الدائرة أخيرا فى العاصمة الأمريكية» تبلورت وانعكست فى تقرير نشرته أمس صحيفة «نيويورك تايمز». حيث تناولت دور رايس المهم والمتميز فى هذا التوجه وهذا التحول فى تحديد الأولويات ومنها أن الولاياتالمتحدة سوف تقوم بالتركيز على التفاوض للوصول إلى صفقة نووية مع إيران وأنها تتوسط كسمسار لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبأنها ستسعى إلى أن «تخفف من الفتنة فى سوريا» أما باقى الأمور ومنها مصر فإنها «ستشغل مقاعد خلفية» حسب وصف الصحيفة. وهدف الرئيس أوباما من هذه المراجعة، كما قالت رايس، ل«نيويورك تايمز»: «تَفَادِى أنْ تبلع الأحداث فى الشرق الأوسط أجندتَه الخارجية، مثلما فعلت مع الرؤساء الذين أتوا من قبله». رايس وهى تناقش هذه المراجعة للمرة الأولى فى الأسبوع الماضى قالت أيضا: «لا نستطيع أن نستهلك 24 ساعة فى اليوم وسبع ساعات فى الأسبوع فقط من جانب منطقة واحدة وهامة مثلما هى الشرق الأوسط» وأن الرئيس بخطوته هذه «أعتقد أنه وقت جيد للتراجع للخلف وإعادة التقييم بطريقة نقدية للغاية وبدون قيود حول: كيف نرى ونتصور المنطقة» كما أن رايس قالت فى موضع آخر: «… هناك عالم بأكمله ولدينا مصالح وأمامنا فرص فى ذاك العالم». ويرى محللون أن الإدارة أصابت وكانت محقة فى اللجوء إلى الدبلوماسية التقليدية فى التعامل مع إيران وعملية السلام بالشرق الأوسط إلا أن هذا فى رأيهم (كما تذكر «نيويورك تايمز») «أزاحت جانبا دور مصر التى رغم مشكلاتها ستظل حليفا أمريكيا حيويا، ولها الريادة فى المنطقة». وتقول الصحيفة إن رايس ومسؤولين آخرين نَفَوْا أن مصر قد تم تهميشها قائلين بأن السياسة قد تم تقييمها بحيث تحافظ على النفوذ الأمريكى لدى القاهرة، وقالوا أيضا إن الولاياتالمتحدة ستواصل ترويج الديمقراطية حتى إذا كانت هناك حدود لما يمكن أن تفعله وأيضا لما يمكن أن يطلب الرئيس من الشعب الأمريكى الذى أنهكته الحرب. «نيويورك تايمز» وهى تصف تسلسل المواقف تجاه مصر تكتب: «البيت الأبيض لم يعلن أن إطاحة الجيش المصرى بالرئيس محمد مرسى كانت انقلابا، والذى كان يتطلب قطع كل المعونات للحكومة المصرية. وبدلا منه ألمح بعدم الرضا وذلك بتعليق مؤقت لإرسال بعض الأسلحة. وكلف الخارجية بإعلان البيان الخاص بمصر». وذكرت أيضا فى سياق تناولها لما يسمى ب«استراتيجية جديدة تجاه الشرق الأوسط»: «… إن مصر كانت فى وقتٍ ما دعامة مركزية لسياسة أمريكا الخارجية. وإن الرئيس أوباما الذى أشاد بالجماهير فى شوارع القاهرة عام 2011 وتعهد بالالتفات لصرخات التغيير على امتداد المنطقة أوضح أيضا أن هناك حدودا لما يمكن أن تفعله الولاياتالمتحدة فى دعم الديمقراطية سواء كانت فى مصر أو البحرين أو تونس أو اليمن». وانتقادًا لتراجع الإدارة وربما «إهمالها» أو «عدم اهتمامها بشكل كاف» بمصر قال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية «إن مصر ما زالت تعد حالة الاختبار عما إذا كان يمكن تحقيق انتقال سياسى سلمى فى العالم العربى» مضيفا : «إلا أن الإدارة فى هذا الأمر غالبا صامتة، ويبدو أنها غير متأكدة عن ماذا تفعل». وكشفت «نيويورك تايمز» أن رايس ومعها فريقها من المساعدين (عددهم لا يزيد على ستة) اجتمعوا صباح كل سبت خلال شهرى يوليو وأغسطس الماضيين فى مكتبها بالبيت الأبيض من أجل التفكير والتخطيط لمستقبل أمريكا فى الشرق الأوسط. وأن هذه الاجتماعات والمناقشات كانت مكثفة وساخنة وصريحة للغاية ومقصورة على فريق الأمن القومى. ولم يشارك فيها أحد آخر من خارج البيت الأبيض خلافا لما حدث فى أثناء مراجعة السياسة تجاه أفغانستان عام 2009 عندما شارك فى الاجتماعات عشرات من المسؤولين بالبنتاجون والخارجية ووكالة الاستخبارات الأمريكية (سى آى إيه). وأن رايس أبلغت مضمون المراجعة لكل من جون كيرى وزير الخارجية وتشاك هيجل وزير الدفاع خلال جلسات «غداء عمل» عقدت أسبوعيا. وأن ما قاله الرئيس أوباما فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة طرح الأولويات التى تبناها أوباما كنتيجة لهذه المراجعة. ومنها أن الولاياتالمتحدة سوف تقوم بالتركيز على التفاوض للوصول إلى صفقة نووية مع إيران وأن تتوسط كسمسار لتحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وأن «تخفف من الفتنة فى سوريا» أما باقى الأمور (ومنها مصر) فإنها «ستشغل مقاعد خلفية». سوزان رايس (48 سنة) مستشارة الرئيس للأمن القومى تسلمت مهامها أول يوليو الماضى. وقد ذُكر من قبل أن رايس بما أنها جاءت إلى البيت الأبيض فى ذلك اليوم فإنها أجرت ثلاثة اتصالات مع د.عصام الحداد مستشار الرئيس السابق محمد مرسى، قبل أن يتم عزله يوم 3 يوليو. وتعد رايس «مقربة جدا» لأذن الرئيس وهذا التوصيف يستخدم كثيرا لبيان أن الرئيس كثيرا ما يلجأ إليها ويستمع إليها، لأنه يثق فيها وفى ما تقوله. وكانت رايس المرشح المفضل لأوباما كوزيرة للخارجية. إلا أن الكونجرس وقياداته من الجمهوريين تحديدا لوحوا بأن رايس «غير مقبولة لديهم» بسبب دورها فى تضليل الأمريكيين و«عدم قولها للحقائق» فى أثناء حادثة الاعتداء على القنصلية الأمريكية فى بنغازى وقتل السفير الأمريكى وثلاثة من الأمريكيين. ولن يقوموا باعتمادها كوزيرة للخارجية. ومن ثم عيّنها الرئيس أوباما مستشارة له للأمن القومى. وهذا المنصب لا يتطلب اعتماد الكونجرس. والحديث عن هذه الاستراتيجية الجديدة تجاه الشرق الأوسط أثار ويثير عددًا من التساؤلات، خصوصا أنها ب«براجماتيتها» تبتعد كثيرا عما قاله أوباما فى 2011 عقب الثورات العربية وما سمى وقتها ب«الربيع العربى». وأيضا «تنأى بنفسها تماما» عما كان يطالب به ويدعو إليه الرئيس بوش (الابن) من تقدم ودفع مسيرة الحرية والديمقراطية بعد تدخله عسكريا واحتلاله لكل من أفغانستان والعراق. ولا شك أن واقعا جديدا بدأ يتشكل فى الشرق الأوسط فى العامين الماضيين تحديدا، وبالتالى هناك حاجة ماسة ومُلحة إلى سياسة جديدة للتعامل مع المتغيرات الجديدة وللعمل من خلالها والتحرك عبرها من أجل تحقيق مصالح أمريكية وحمايتها. هذا الواقع الجديد قد لا يؤدى تحديدا إلى «رسم خريطة جغرافية جديدة» كما «يطنطن» البعض فى المنطقة فى حديثهم المعتاد والمتكرر عن «خطة ومؤامرة أمريكية لتقسيم المنطقة إلى دويلات أكثر». وإن كان يؤدى غالبا إلى «خريطة جديدة لقوى تتصارع وتتشابك» و«انكماش نسبى للسلطات المركزية القوية» ومن ثم قد تزداد الأمور صعوبة وتعقيدا!