ليس الكفيف الذي أمسي بلا بصر, إني أري من ذوي الأبصار عميانا بهذه الكلمات التي قالها الشاعر إيليا أبو ماضي بدأت حديثها مع صفحة صناع التحدي . وتري أن الحياة لا تؤلم المكفوفين عبثا, بل تؤلمهم ليكبروا وليتعلموا أبجدياتها, كما تري أيضا أن المتفائل يجد فرصة في كل محنة, والمتشائم يري مصيبة في كل فرصة, والإنسان عندما يعتقد أنه قادر علي فعل شيء يفعله, وإذا أعتقد أنه لا يستطيع فهو حقا لن يستطع, ومن وجهة نظرها أن الحلم يبقي حلما حتي يكتب علي ورقة فيتحول هدفأ, كل ذلك جعلها ترسم خطا لحياتها وتتغلب علي إعاقتها البصرية, وتلتحق بكلية الألسن جامعة عين شمس.. إنها سمية محمد19 سنة أحد النماذج التي تحدت إعاقتها لتثبت وجودها في الحياة. بدأت سمية حوارها معنا قائلة: والدي ووالدتي أقارب, وقد تسبب ذلك في إصابتي بإعاقة بصرية, حيث ولدت كفيفة, وعندما أكملت عامي العاشر أجريت عملية تصفية وتركيب عيون زجاجية, حيث كنت أعاني من صداع مستمر كان من الممكن أن يؤدي إلي انفجار في المخ, وعندما وصلت إلي سن السادسة التحقت بمدارس النور للمكفوفين, وكانت مدرسة داخلية مما جعل أمي شديدة الحرص أن تجعلني أخرج خلال الفترات التي أقضيها معهم حتي لا أنعزل عن العالم وأعيش في دائرة مغلقة لا تعرف سوي المكفوفين فقط, فقد كانت تتركني أخرج بمفردي في نطاق الحي الذي نسكنه, وعندما وصلت للصف الأول الثانوي حلمت بإتقان اللغة الإنجليزية, لذلك بحثت عن الأماكن التي تنظم دورات للتعلم, ووفي أثناء إحدي الدورات أخبروني بوجود منحة تتيح لي السفر عاما كاملا إلي أمريكا في إطار التبادل الثقافي بين البلدين, وكانت أسرتي تعي أهمية هذه الرحلة ومدي تأثيرها علي مجريات الأمور في حياتي, فتغلبوا علي مشاعرهم ومخاوفهم ووافقوا علي سفري, ورغم بعدي عن أهلي ووطني, إلا أن العام الذي عشته في أمريكا كان من أجمل سنوات العمر, حيث استضافتني أسرة أمريكية تتطوع لمساعدة الطلاب المصريين, وكانت هذه الأسرة تتكون من رجل وسيدة يعيشان بمفردهما بعد زواج أبنائهما, وكانت السيدة كفيفة, مما جعلها متفهمه لحالتي, لذلك وفرت لي كل ما أحتاجه وساعدتني في المذاكرة, وكانت تبسط لي المعلومات وعلمتني كيفية استخدام الكمبيوتر. وعن تفاصيل التحاقها بإحدي المدارس في أمريكا تقول سمية: كان أمامي لاختيار ما بين مدرستين الأولي قريبة ولكنها ليست لذوي الإعاقة, والثانية بعيدة وخاصة بالمعاقين, حيث درست أسبوعا في المدرسة الخاصة بالمعاقين ثم قررت أن أنتقل إلي المدرسة الأخري, وكان بداخلي بعض الخوف بسبب أنها مدرسة عادية, وأني الطالبة الوحيدة المصابة بإعاقة بصرية, ولكن سرعان ما تبدل هذا الإحساس عندما وجدت المدرسة صغيرة, ومنظمة, وتوفر للطلاب كل سبل الراحة والأجهزة التكنولوجية, لتساعدهم علي التعلم, كل ذلك جعلني أشعر إني إنسانة عادية مثل كل من حولي, لا فرق بيني وبينهم, إلي جانب الدراسة تعلمت أشياء تتعلق بالحياة العملية, مثل إتقان بعض الأعمال المنزلية, وممارسة رياضة الجولف, التي لم أكن أتخيل نفسي يوما ما أمارسها, ومن خلال رحلة إلي إحدي الشركات أتقنت وظيفة خدمة العملاء, كما درست دراما ومسرح, وكنت سعيدة جدأ لأني أهوي التمثيل والغناء منذ المرحلة الابتدائية, وكان يومي مقسم بين المدرسة وعائلتي الجديدة والمذاكرة, وأيام الإجازات أتجول في أنحاء مدينة تكساس التي كنت أعيش بها والتي تعد من أكبر مدن الولاياتالمتحدةالأمريكية, وتعرف باسم ولاية النجمة الواحدة, ومن أكثر الأماكن التي أعجبتني متحف تكساس ومتحف آخر للحيوانات المحنطة أنشيء خصيصا للمكفوفين. وتوضح سمية: لا يوجد أي تشابه بين مدارس المكفوفين في مصر وأمريكا, فالتعامل داخل مدارس المكفوفين في أمريكا يعتمد كليا علي التكنولوجيا, حيث توفر الحكومة لكل طالب جهازا يكتب بطريقة برايل, ويعلمونهم استخدام العصا البيضاء, كما أن الكتب تكون معده بطريقة برايل, وكل طالب يختار المواد التي يرغب في دراستها منذ بداية التحاقه بالمدرسة باستثناء التاريخ الأمريكي واللغة الإنجليزية علي الطريقة الأمريكية فهما مادتان إجباريتان بغرض دراسة الطلاب لتاريخ بلدهم, أما في مصر فمدارس المكفوفين لا تعلم الطلاب كيفية استخدام العصا البيضاء, فضلا عن انعدام التكنولوجيا, وأكثر الأشياء التي أدهشتني هناك احترامهم للديانات والثقافات الأخري, في بداية إقامتي مع الأسرة الأمريكية لم أكن أعرف مواقيت الصلاة هناك نظرا لفروق التوقيت ففوجئت بهم يبحثون علي الإنترنت لمعرفة مواعيد الصلاة وكيفية تحديد القبلة, وكان ذلك أكبر سبب جعلني أشعر وكأنهم عائلتي فعلا وحتي اليوم أتواصل معهم باستمرار. وعن تفاصيل عودتها إلي مصر مرة أخري تقول سمية: فور عودتي أنهيت دراستي الثانوية وحلمت بالالتحاق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية, ولكن سرعان ما تبخر الحلم نتيجة الروتين الحكومي الذي لا يسمح للمكفوفين الالتحاق بكل الأقسام في جميع الجامعات, فكلية الآداب بجامعة الإسكندرية لا تتيح للمكفوفين الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية رغم أنه متاح في جامعة المنصورة ولا أدري السبب وراء ذلك, مما جعلني ألتحق بكلية الألسن بجامعة عين شمس وأسكن في المدينة الجامعية, ولا أواجه أي صعوبات سوي المواصلات, لأن معظم المحاضرات تنتهي في وقت متأخر والمدينة الجامعية ليست قريبة من الجامعة فأضطر إلي العودة عن طريق المواصلات التي تكون مزدحمة طوال الوقت, وهذا الزحام يعوقني عن استخدام العصا, مما يجعلني أطلب المساعدة من إحدي الزميلات أو المارة, لذلك كل ما أحلم به أن تخصص إدارة الجامعة مواصلات للطلاب ذوي الإعاقة, وترحمهم من رحلة العذاب اليومية في المواصلات, والغريب في هذا الأمر أن المدينة الجامعية الخاصة بالطلاب توجد بجوار الجامعة أما الخاصة بالطالبات فهي في حي الزيتون وغير مجهزة لدرجة أن بعض الطالبات تعشن في حجرات ليس بها سرير وينمن علي الأرض وبعضهن لا تخبرن أسرهن حتي لا يزيد قلقهم عليهن بسبب هذه المعاناة ولا أدري هل الحكومة تخاف علي الشباب أكثر من البنات أم ماذا؟ وتنهي سمية حديثها قائلة: أحلم بأن أصبح مترجمة أو مذيعة, وأنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تضع فيه الحكومة قوانين حقيقية لذوي الإعاقة تلبي احتياجاتهم, شريطة ألا تكون هذه المرة حبرا علي ورق. المكفوفون يزورون المتاحف! هاجر صلاح في إطار زيادة وعي ذوي الإعاقة البصرية بمختلف نماذج الإبداع الأثري والفني التي تحتويها المتاحف المصرية تنظم مدرسة الوعي الأثري للمكفوفين بالمتحف المصري يومي25 و28 نوفمبر الحالي زيارات لعدد من المتاحف, علي رأسها المتحف المصري, ومتحف الفنان محمود مختار, ومتحف عميد الأدب العربي طه حسين, ومتحف زعيم الأمة سعد زغلول, بالإضافة إلي إقامة عدد من الورش الفنية بمركز إبداع الطفل في بيت العيني, حيث يقوم المكفوفون بعمل نماذج من التماثيل والقطع الأثرية التي تعرفوا عليها عن طريق حاسة اللمس. وقال أحمد ناجي- عضو فريق عمل بالمدرسة- لصفحة صناع التحدي إنه سيتم السماح خلال زيارات المتاحف للمكفوفين بالتعرف علي القطع الأثرية عن طريق لمسها بأطراف الأصابع, ولكن توجد قطع قليلة فقط هي التي يمنعون من لمسها لحساسية المواد المصنوعة منها وسهولة تعرضها للتلف. ودعا ناجي كل من يرغب من المكفوفين في زيارة تلك المتاحف مراسلة المدرسة علي صفحتها علي موقع الفيس بوك وعنوانها:blindschoolegymuseum