قالت الطفلة كنزي وهي تغادر منزل جدها سنرجع بعد قليل, ولم يستغرب كثيرا فقد اعتاد منها النطق بكلمات كثيرة اكتسبتها من قنوات الأطفال العربية المسلية الهادفة والتي تقدم لهم اللغة العربية الفصحي في أبسط صورها وتكونت بها أجيال من العرب من مختلف الجنسيات تستطيع التفاهم مع بعضها بلغة بسيطة مشتركة تجمعها بدلا من لهجات مختلفة يصعب التقاطها إلا من خاصة أهلها. ولقد تضاءل اهتمامنا باللغة العربية في مدارسنا القومية, بل لعلها اندثرت من مدارس اللغات الأمريكية والانجليزية والفرنسية حين اصبح الطالب يدرس منذ نعومة أظافره اللغة الأجنبية كتابة ونطقا.. وبعدها يبدأ إن أمكن دراسة العربية!! فتكون الأجنبية قد استأثرت بأولي سنوات حياته, حيث العقل والذاكرة في أوج عظمتها.. أين أبناؤنا الآن من أجيال سابقة في مدارس كان بها حصص للمطالعة, والشعر والنثر الجميل الراقي السهل. وحتي وسائل إعلامنا تمادت استسهالا في استخدام العامية المفرطة.. وتقرأ إعلانا في صحيفة يقول ما نفسكش تهيص في المصيف!!! وأطرف ما قرأت إعلانا من شركة كبيرة تهنئ عملاءها بالعيد: فكتبت التهنئة بالانجليزية هكذا!!EidSaeed!! بدلا من عيد سعيد حتي الكتابة العربية لم تسلم!! وأخيرا لاحظت أن سيارات الشرطة اعتدنا علي هذه التسمية منذ زمن مكتوب عليها بالانجليزيةPolice!! وانظر إلي تغلغل الألفاظ الأجنبية في أحاديث الإعلان مثل هاو إفر أو واتفر يقولها المتحدث وأنت تكاد تجزم أنه لا يستطيع تكوين جملة أجنبية من كلمتين ولكنها المظهرية!! وهكذا تري عجز مسئولينا الكبار عن قراءة خطبة مكتوبة ومشكلة قراءة صحيحة ولم يعد المذيع المصري في كثير من الأحيان قادرا علي أن يدير حديثا بلغة فصحي سهلة ولعله لهذا السبب قلما تلجأ المحطات الخارجية إلي مذيع مصري فهي تخاطب العرب وليس دولة معينة. إن اللغة العربية هي أكثر ما يوحدنا فنحن شعوب عربية قبل كل شيء.. إذ اجتمع مسلم من مصر مع مسيحي من الشام ويهودي من المغرب.. فستجد التفاهم والاهتمامات المشتركة والتوحد شبه كامل, حيث تجمعهم لغة واحدة تحمل في طياتها التراث والتاريخ والحاضر فنا وسياسة وأدبا.. والحاصل أن اللهجات المختلفة تباعدت وتعمقت الفوارق بينها وبدأ صوت الفصحي يخفت تدريجيا.. وهذا خطير, فأنت تحتاج لجهد كبير حتي تفهم كويتيا يتحدث بعاميته حين يحول الياء إلي جيم والشين إلي كاف. أما إذا استمعت إلي مواطنين من المغرب يتحدثان فلقد تظن أنهما قد نسيا اللغة العربية منذ سنين!! لقد وقف وزير الثقافة في البرلمان مطالبا بالموافقة علي قانون يحمي اللغة القومية من شوائب تداخل الألفاظ الأجنبية بها.. ووافق المجلس بأغلبية ساحقة وكان القانون يقضي بتغريم من يستخدم لغة أجنبية في الإعلام أو إعلان بمبلغ خمسمائة.....يورو!! نعم يورو!! هذا القانون صدر في فرنسا!! التي أزعجها كما أزعج غالبية الشعب الفرنسي زحف القاموس الأنجلو أمريكي إلي مفردات التعامل الفرنسي اليومي ورأوا أن هذا سوف يهز مكانة لغتهم القومية إحدي دعامات الوطنية وأيقنوا أن التغلغل التدريجي للغة بلد آخر هو تسلل صامت وخطر لقوميات مغايرة يبدأ بألفاظ ثم ثقافات وينتهي بتبعية معنوية ثم مادية وقديما ما تأثرت الشعوب بلغات محتليها مثل دول المغرب ودول إفريقيا السمراء؟! فما بال المصريون والعرب اليوم يرون هذا الزحف المتنامي للمفردات الأجنبية ثم يتباطؤون في اتخاذ المناسب لحماية لغتهم راية حضارتهم المرفوعة؟؟! لا أحد بالطبع يعترض علي بعض الألفاظ التي استقرت في أسماعنا مثل الراديو والتليفزيون وعندنا مجمع اللغة العربية قادر بأعضائه من صفوة مفكري مصر والعرب علي استحداث بديل راق من لغتنا العربية سهل النطق لكل لفظ أجنبي وعلي وسائل إعلامنا الإلحاح علي إبراز هذه المترادفات.. خذ مثلا: صرنا نقول مكالمة هاتفية عظيم.. وتقول اشترت الدولة30 حافلة وليس أتوبيسا والبوليس أصبح الشرطة!! هايل إنها المثابرة علي إظهار لغتنا وهذا هو دور الصحافة والراديو والتليفزيون وهو المساهمة في تثبيت هذا اللفظ العربي حتي يستقر في آذان وعقول المتلقي. ولعل البرلمان!! أقصد مجلس الشعب المقبل يتصدي لغزو لغتنا العربية بقانون يحميها من هذه الغزوة الأجنبية فهو لن يكون أقل اهتماما بها من البرلمان الفرنسي ولا لغتنا الجميلة بأرخص عندنا من لغتهم في بلادهم. د. خليل مصطفي الديواني