اخترنا في البداية عنواناً لهذا التحقيق يقول : "فيتو لتدمير اللغة العربية. وأدركنا أننا قد نشارك بحسن نية فيما نرفضه. وندعو إلي وقفة جادة لمنعه. وهو اللغات واللهجات والتعبيرات الأجنبية التي تسللت إلي لغتنا الجميلة. فأساءت إليها. وشوهتها. وحتي ننسب الفضل لصاحبه. فإن دافعنا لإجراء هذا التحقيق رسالة من الشاعر أحمد شفيق رشوان. تتحدث عن لغة تخاطب دخيلة. ومدسوسة. ولا تعبر عن صحيح لغتنا الجميلة. في تقدير د.محمد عبدالمطلب أن الدولة نفسها هي التي تحطم اللغة العربية. بدليل ما تصنعه في مدارسها الحكومية من جعل اللغة الأجنبية هي اللغة الأولي فيما يسمي المدارس التجريبية. فضلا عن أن مجمع اللغة العربية لم يمارس الحق الذي أعطاه له القانون. وهو حماية اللغة العربية. وللأسف فإن الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع يشارك في تحطيم اللغة العربية. وتقديم اللغة الهجين الفاقدة للهوية. سمعنا في الإذاعة كلمة راندفو. وحين وعدوا بتطوير التليفزيون استبدلوا بالنيل سات. النايل دراما. وكأن التليفزيون يشارك في هذا. وهناك مفهوم خاطيء اشاعه أهل المغرب عن الأرقام. وأن الأرقام اللاتينية التي يستخدمونها أرقام عربية. بينما الأرقام التي نستخدمها أرقام عربية. والحقيقة أن الأرقام جميعها مترجمة عن الهندية. الأرقام التي نستخدمها هي العربية. وقد استخدمت في القرن الثاني الهجري. أما الأرقام التي استخدمت في المغرب. فقد استعملت في القرن السادس الهجري. وكانت تسمي الأرقام الغبارية. وأوهمنا المستشرقون أنها أرقام عربية. حتي نستخدمها. وقد عدت إلي المخطوطات فوجدتها بالأرقام التي نكتبها. هذا جزء من تدمير اللغة العربية. وقد حزنت لأن حفيدتي ذات السنوات العشر. كتبت لي في رسالة ازيك ياجدو. بالحروف اللاتينية. ذلك لأن المدارس الأجنبية تلغي اللغة العربية. وكل المؤسسات تحرص علي الرطانة والعجمة. والعجب العجاب أن الدولة وأساتذة الجامعات مسئولون عن هذا. وقد دخلت بعض المحاضرات بالمصادفة. فوجدت أن الأساتذة يعلمون الطلاب اللغة العربية بالعامية. وهناك أساتذة يفهمون الطلاب أنه لابد من التخلص من التراث. وطبعا تأتي اللغة العربية علي رأس هذا التراث. ويذهب د.عبدالمنعم تليمة الي أن كل أمة من الأمم التي نهضت. واستقرت نهضتها. لابد فيها من جهة معينة عليا. ذات هيبة وذات صلاحية. تهتم باللغة القومية. لدينا خمسة مجامع اللغة العربية. أقدمها مجامع دمشق والقاهرة وبغداد وعمان والرباط. طبعا هناك اتحاد للمجامع اللغوية. ليس له لوائح ولا صلاحية. وكأننا خمس أمم. وخمس لغات. والمفروض أن يتألف مجمع مركزي ينبثق من جامعة الدول العربية. تكون له صلاحيات محددة في كل دولة. المجمع المركزي منوط به تحديد مناهج جديدة وعصرية لتعليم اللغة للناس في كل الأقطار العربية. في مصر لدينا خصوصية. وكذلك العراق. ثمة اللهجات الكردية والفارسية والنوبية والبدوية. لابد من مجلس أعلي للغة العربية يحييها. ويدفع إلي ازدهارها. والتجاوب من وحي الحياة اليومية. والمستحدث. والشبابي. والفتوحات العلمية. والجديد في الفنون والآداب. والانفتاح علي العالم. وللأسف لا يوجد معجم تاريخي للغة. في كل معجم تنوع. وفيه ما يجري في الحياة من جديد في العلوم والمصطلحات الجديدة. ويراقب المجلس الأعلي للغة العربية وسائل الاعلام. ويتابعها. ويوجه ويرشد ويضيف ويفهرس. ويري الشاعر بدر بدير أن وزارة التربية والتعليم لم تعد تؤدي رسالتها. لأن معلمي اللغة العربية أنفسهم مستواهم ضعيف في اللغة العربية. وأنا أسمع خطباء ودعاة يظهرون في التليفزيون. وكلامهم خطأ. لكي أصلح الأمر بالنسبة للشباب. لابد أن يكون أستاذه محباً للغة العربية. ويجيدها. إلي جانب هذا. فإن الشباب لم يكن لهم قدوة في القراءة. ومن يحببهم في القراءة. وبخاصة القراءة الحرة. فقد انتهت. ليس لدينا للأسف خطة منظمة لبعث الثقافة من جديد. وزارة الثقافة توفر مكانا للشباب لمناقشة أعمالهم الإبداعية. وهم يناقشون هذه الأعمال. وما تقوم به وزارة الثقافة ضعيف. نحن نحتاج الإخلاص والعمل الدءوب. ومحاربة الإغارة علي اللغة العربية. ولازالت أذكر أستاذي في اللغة العربية الذي لم يكن يتكلم لفظة عامية. مرجع الشباب الآن في الأدب ما يذاع في الإعلام المسموع والمرئي وما يحفل به من لغة سقيمة. الشباب يستخدمون هذه المفردات لأن الإعلام مثلهم الإعلامي. وفي رأي الشاعر السيد الخميسي أنه ما من أمة إلا وكان اهتمامها بلغتها علي رأس أولوياتها. ليست اللغة فقط وسيلة التفكير والاتصال. ليست وعاء للفكر. بل هي الفكر ذاته. ومن يتابع تطور اللغة العربية في مصر في الآونة الأخيرة يجدها بعيدة عن المرتبة الأهم في اهتمام الأمة. كما يحدث في البلاد المتقدمة المعتزة بكينونتها وهويتها. لقد تجاوز الأمر مجرد الافتتان بلغة الغازي الذي نراه في شوارعنا مجدداً في المحال التي اتخذت أسماء أجنبية. وفي تخاطب المثقفين الذين يستعرضون ثقافتهم الأجنبية. فتراهم يخلطون بين لفظة عربية وأخري أعجمية. لقد وصل الداء الي الأجيال الجديدة الفارغة من الثقافة قديمها وحديثها. اخترعت لغتها الخاصة القريبة إلي اللغات البدائية. ولغات الطبقات الشعبية من الحرفيين والمهمشين وقليل الحط من التعليم. مجرد علاقات لفظية منحوتة من مادة التفاهة والضياع الذي يعيشونه. وكأن هنا حرباً مقصودة علي لغتنا وكياننا علي طريقة الانتحار الذاتي. بالاضافة الي المنهجية في تدمير اللغة العربية في المدارس. فقد انحدر مستوي التلاميذ. ومن ثم أفرز التعليم أساتذة لا يعرفون أسرار لغتهم. ناهيك عن المدارس الأجنبية التي تعامل اللغة العربية فيها معاملة الخدم والعبيد. لقد رأيت كيف ينظر الياباني والفرنسي والايطالي. وحتي الاسرائيلي. إلي لغته. فهو يعتز بها بلا حدود. يجب أن نهتم باللغة العربية. فهي أساس تكويننا الفكري والحضاري والعقائدي. ومن لا يحسن فهم لغته لن يحسن فهم الناس. ولن يفيد من تقدمهم. ولا علومهم. ويذهب القاص وائل وجدي الي أن اللهجة المتداولة بين الشباب. في الشارع أو المدرسة أو الجامعة. تبرز بكل وضوح ما آلت إليه من ضعف. يجب أن يتم تغيير المناهج الدراسية. لتحبيب الطالب في اللغة العربية. واختيار الموضوعات التي تناسب كل مرحلة عمرية. حتي نبعد النفور الذي ينتاب الطالب من دراسة موضوعات سمجة لا تناسبه. ومن ناحية أخري. يجب الاهتمام بلغة الحوار التي تصاغ بها الأعمال الدرامية من سينما وتليفزيون. والبعد عن الفجاجة. والبذاءة. لأن الشباب يحاكي ويقلد ما يسمعه دون تفكير. مادام بطله الفضل يستخدم هذه اللهجة. ويشير الشاعر والمترجم أحمد هريدي الي التعليم. يعتبره السبب فيما نعانيه. لقد كان في المدرسة مكتبة كبيرة. وكذلك هناك مكتبة الفصل.. وقبل أن أقتني كتباً خاصة. كنت أقرأ في المدرسة. وكانت هناك حصة للقراءة.. الآن لا توجد حصة للقراءة. واختفت مكتبة الفصل. ومكتبة المدرسة. وهي المرجع الأساسي لأي تلميذ. لا أحد يقرأ الآن في الأدب العربي القصة والشعر والمسرحية. وهذا سبب ما نحن فيه.. الشباب لا يجدون إلا لغة الشارع والنادي والجلوس علي المقهي. لا يوجد ما يحببهم في اللغة العربية.. يجب الاهتمام منذ المرحلة الابتدائية. والرجوع إلي حصة القراءة. ودور وزارة الثقافة في المراحل التالية.. لابد أن تضم مكتبات قصور الثقافة كتبا في جميع فروع المعرفة.. للأسف حصل فصل بين لغتنا ولغة أولادنا.. في بعض الأوقات أجد ابني في ثانية ثانوي يقول عبارات لا أفهمها. وكأنه يتحدث لغة أخري غير العربية. لابد أن تتضافر الجهود. وبخاصة التربية والتعليم. والتليفزيون. ومنتجي الأفلام. الألفاظ يتبناها الشباب. ويقيس علي منوالها. ويضع تراكيب مشابهة. بحيث تعبر الكلمة عن معني آخر غير الذي نريده. كل هذا يصبح رافدا للشباب. يضيفون عليه.