د. الشافعى وفاوق شوشه يتوسطان مصطفى سعيد وزير التعليم العالى د. عبد الهادى التازى اعتماد شهادة دولية للغة العربية خطط وبرامج لتدريب العاملين في وسائل الإعلام العناية بلغة الطفولة المبكرة والتعليم الاساسي وسط الجدل السياسي الذي تعيشه بلادنا الآن، لم ينس القائمون علي أمور اللغة العربية أن ينهضوا بمهامهم الرئيسة في كيفية أن تتواصل لغتنا الأم مع معطيات الفكر الجديد، بوسائل ما يسمي بالاعلام الجديد، وهي وسائل أتاحتها ثورة التكنولوجيا والتقنيات الجديدة والالكترونية، اضافة إلي الوسائل التقليدية، من صحافة واذاعة وتليفزيون.. هي المؤتمرات التي انعقدت لمعالجة قضايا لغة الضاد.. ولم نخرج منها الا بتوصيات مصيرها الأدراج، لطالما نادينا بتفعيلها، لكن دون جدوي.. إلا أن الناظر إلي محور مؤتمر مجمع الخالدين في دورته التي بدأت الاسبوع الماضي، تنبيء بمدي جدية القائمين علي شأن اللغة العربية في كيفية ايجاد الحلول الجذرية الصحيحة لتخرج من هذا المأزق الذي تعاني منه أجيال وراء أجيال، فلاول مرة نجد طرحاً قدمه فاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية، طرحا متكاملا لمشكلة تعليم العربية، لتتفاعل مع معطيات العصر، وتوجهات شباب المتعلمين. في كلمته التي جاءت في افتتاح المؤتمر، وحملت عنوان «بين مؤتمرين»، أعلن شوشة أنه آن الأوان لاطراح لغة القلق، والخوف والخشية، والحديث عن المؤامرة ضد اللغة وعن التخلف، وعن تراجع الفصحي، وعجمنة اللسان العربي، وتخاذل المجامع والمؤسسات والهيئات، لتحل محلها لغة تتبني مفردات النهوض، واليقظة، والعمل الجاد المثمر، والتوجه إلي قدس أقداس الهوية العربية، وهو هذه اللغة القديمة المتجددة، التراثية المعاصرة المتوهجة ابداعا وعلما، وخبرة انسانية، ممتدة علي مدار القرون، ووعاء حضارة علمت العالم، وآن لها أن تعود إلي دورها الرائد والمعلم، مؤكدا أن ذلك لايتحقق إلا بوضع المعايير التي تقوم عليها شهادة الكفاية اللغوية، أسوة بما يحدث بالنسبة للغات الأجنبية، وموضحا، أن الفكر الجديد في مجال اللغة يتطلب التعاطي مع الوسائط الاتصالية الجديدة مثل اليوتيوب، التويتر، الفيس بوك، والآي باد، والبلاك بيري، وغيرها وهي تتيح- اذا ما أحسن استخدامها، اضافة بالغة الأهمية إلي تعليم اللغة الصحيحة، حين يمرن مستخدموها علي تحرير الرسائل وتجويدها وضبطها لغويا مع تنمية القدرة علي الفهم والتحصيل المعرفي، والتحليل والنقد، والجهر بما كان - قبل - مضمرا في الصدور مشيرا إلي أن الوظيفة التواصلية للغة العربية تتمثل في اتقان عمليات القراءة الصحيحة والكتابة السليمة والاستماع الواعي، والتحدث والمشاركة، والتذوق الجمالي والبلاغي، مع الافادة من مخزون العامية لدي الطفل في بداية السلم التعليمي للتدرج به إلي تعلم اللغة الصحيحة. وطالب شوشة ان هذا الفكر الجديد يفرض علي وسائل الاعلام والاتصال - التقليدية والجديدة - أن تجذب اللهجات والعاميات المغرقة في الطابع المحلي، كما طالب المؤسسات الاعلامية، ومراكز البحث اللغوي والكليات والمعاهد المتخصصة، بتدريب العاملين فيها عن طريق التركيز علي علم الاسلوب، وعلم السؤال، وفن الحوار، والدراسات الصوتية، مع ضرورة انجاز تخطيط اقتصادي أو اجتماعي أو تنموي، تراعي فيه شروط التنمية اللغوية الصحيحة. وأعلن الأمين العام للمجمع عن تفعيل ثلاث لجان علمية بالمجمع، لانجاز المعاجم، فضلا عن العمل المتواصل في مجال تحديث المعجم الوسيط، لأول مرة بعد مضي أكثر من خمسين عاما علي صدوره، وفي انجاز المعجم الموضوعي المصور للطفل العربي، ومعجم الاعلام في الحضارة العربية والاسلامية. ويواصل مجمع اللغة العربية، صباح غد الاثنين، فعاليات مؤتمره السنوي، الذي يدور محوره الرئيسي حول قضايا اللغة العربية المعاصرة، بمحاضرة يقدم فيها د. حسن بشير صديق (السودان ) (شهادة اللغة العربية الدولية.. قضية الساعة في سباق اللغات الدولية) وعن خطته في تحقيق ذلك يقول: من مشكلات اللغة العربية المعاصرة، عدم وجود شهادة دولية لها، شهادة مصممة ومنفذة علي الاساس القويم للأمة العربية، وهذا الاساس هو ما يلزم كل العرب في شتي أقطارهم، أن يطلبوا من غير العرب الساعين، لأفق العلاقات العربية، حصولهم علي شهادة اللغة العربية الدولية، مع جعل هذا الطلب شرطا أوليا لربط العلاقات، والاشتراك في المصالح المختلفة. ويري د. بشير أن هذا المشروع ضرورة عصرية للدفع بلغتنا الفصيحة المشتركة إلي ميدان السباق الدولي للغات الحية، وأن هذه الشهادة صنو توطين العربية في أجهزة الحسابات الآلية، وفي شبكة المعلومات الدولية. موضحا أننا لسنا بدعا، في هذا الأمر، فكل اللغات الحية تعني بشهادة عالمية لها ومن أمثلة ذلك Toefl عند الأمريكان و C.L.C عند الانجليز، و DELF عند الفرنسيين وTomer عز الأتراك، وأنه علينا نحن العرب أن ندرك - مثل الأمم المتقدمة - متطلبات الزمن المعاصر، المستوعب بثورة المعلومات، والمؤتمر علي جميع أوجه النشاط الحياتي الآتي، قطريا، واقليميا ودوليا، وأن ثورة المعلومات كمصدر لهندسة الاتصالات، وما صراع اللغات واستباقها إلي أفق التوطين بالنظم الحاسوبية، وشبكة المعلومات الدولية، ما ذلك إلا لاثبات شخصيات الأمم من خلال اثبات مشاركتها اللغوية الدولية، فعزة الأمة منوطة بعزة لغتها، وتقدمها منوط بتقدم لغتها، اذن لابد للغة العربية من خطط دائمة، وخطط مرحلية، تجعل منها لغة دولية، مشاركة بصورة فاعلة في النشاط الكوني، وهي مؤهلة لذلك بتأصيلها التاريخي. ولفت د. بشير النظر إلي خمس نقاط أو أسباب توصل إليها هي التي أدت إلي تعامل العرب مع لغتهم بطريقة غير منصفة، وهي أسباب حضارية، وثقافية، واجتماعية يمر بها الوطن العربي في حالته الراهنة، وقد تعانقت هذه الأسباب وتضافرت بحيث أوصلت العربية إلي هذا المستوي المتدني الذي هو عليه الآن، مؤكدا، أنه واهم من يعتقد أن المشكلة اللغوية، سواء عند العرب، أم عند غيرهم منفصلة عن سياقاتها السياسية، والاجتماعية، بحيث يمكن درسها بمعزل عن هذين، وتأتي في مقدمة هذه الاسباب، ما سماه الباحث بافتقاد العرب - اليوم - لواقعة التقدم، بمعني أنهم مستهلكون لما يدفع به (الآخر) من زخم فكري ومادي معا، فهم لم يشتركوا في صنعه، العالم يتغير من حولنا، ونحن واقفون في مكاننا، نستهلك العلوم القديمة، ونكتفي بتنسيق الحواشي، وفي ظل ذلك التغير المتسارع لم تعد كثير من تلك العلوم صالحة لهذا الزمن الجديد. ولهذا السبب وجه آخر، وهو الجهل المستشري باللغة العربية، وفضاءاتها الواسعة، وامكاناتها الهائلة، وقدرتها علي الاستيعاب والتطور، وهو ما نلحظه عند الجمهرة الواسعة من المثقفين، رجال السياسة، المدرسون، أساتذة الجامعات، المشتغلون بالاعلام، الكتاب، ولايفوتنا ما تدفع به وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وهواتف نقالة، وشبكات عنكبوتية من لغات أجنبية، ويري د. بشير أن السبب الثالث يمت بصلة وثيقة للسبب الأول من حيث الافتقاد إلي واقعة التقدم نفسها والوقوع تحت نير (الاحتلال). ويقف السبب الرابع - كما يقول الباحث- معلما بارزا بين هذه الأسباب وهم منفذو السياسة، أو من يمتلكون سلطة القرار السياسي، والذين هم مصممون بوعي أو بغير وعي علي ابقاء الحالة اللغوية في الوطن العربي علي ما هي عليه، وليس السبب الخامس سوي مولود تلقائي للسبب السابق ففي ظل ذلك الاقصاء للعربية، والأخذ المحموم باللغات الأجنبية، وأصبح الحصول علي الوظيفة أيسر مثالا لمن يعرف لغة أجنبية، وها هي الصحف العربية، ووسائل الاتصال الأخري كالحاسوب، وغيره تطالعنا باعلانات عن طلب شغل وظائف في مؤسسات مختلفة، فإذا شرط إتقان اللغات الأجنبية من أهم الشروط، فإذا رأي أن الأبواب قد أغلقت أمامه، ولن تفتح إلا بشرط اللغة الاجنبية، فلتؤخر اللغة العربية!!! وكان المؤتمر قد افتتح أعماله بكلمة للدكتور حسن الشافعي رئيس المجمع، أشار فيها إلي أن من ينظر في أحوال الأمة العربية من الخليج إلي المحيط، يجد معالم إحساس بالذنب، واعتراف بالتفريط في حق هذه اللغة الشريفة. وقد استعرض د. الشافعي- في بداية كلامه- الانتقادات والمآخذ التي توجه لمجمع اللغة العربية، ومنها ضعف التواصل بين المجمع القاهري، والجماهير العربية بوجه عام، وضعف تواصله مع الهيئات ذات الصلة في الجامعات وفي المجتمع المدني، بل ضعف تواصله مع جمهور المثقفين بالقاهرة، وثانيها بطء الإيقاع المجمعي، مشيراً إلي استكمال نصاب العضوية الكامل في مجلس المجمع، وعلي أن يكتمل التشكيل في مطلع العام القادم وننجح في انتخاب أول امرأة عربية تتحقق لها عضوية المجمع، وإن كان لدينا بين الخبراء عدد لا بأس به. والتهمة الثالثة التي توجه إلي المجمع- حسب قول د. الشافعي- هي من المشكلات المزمنة والمتزايدة خطورتها علي اللغة العربية- وبخاصة في التعليم والإعلام- وهي لم تعد تحتمل التناول التقليدي الرتيب للجان المجمع، وعمله الذي يركز علي ترجمة المصطلحات العلمية، مغفلاً مشكلات الواقع، ومتابعة أطواره الميدانية.. أما التهمة الرابعة فهي مجتمعية لا مجمعية فحسب، وأخيراً فإن غياب التنسيق أحياناً، وضعفه في أحيان أخري، علي الرغم من تطور أساليب الاتصال ووسائله المتنوعة، هو علة من علل الحياة المجمعية التي نعمل علي تحريكها وتنشيطها، وأن التنسيق أصبح ملحاً، وضرورياً نظراً للتطور المحيط بنا في المؤسسات المناظرة بالعالم المعاصر. وفي مداخلته أكد الدكتور مصطفي مسعد وزير التعليم العالي إننا في هذا المناخ الصعب تتحسن خُطانا لمواجهة واقع مرير جعلنا في ذيل الأمم، من حيث الوصول إلي مجتمع المعرفة.. نحاول أن نعالج مشكلاتنا بوسائل تقليدية لا تتجاوز المُسكنات التي تعالج الأعراض، ولا تغوض إلي جوهر المرض. مشيراً إلي أننا نحتاج في هذا المناخ الثوري الذي يُظل بلادنا إلي حلول ثورية لمشكلاتنا المعرفية، وبصفة خاصة مشكلة اللغة واغترابها بين أهلها.. نحتاج إلي منظومة تعليمية تقوم منذ مراحلها الأولي، علي أساس راسخ من احترام لغتنا، وبث محبتها في قلوب أبنائها من جهة، ومن جهة ثانية علي مواجهة تسرب الأطفال من المدارس لسد منابع الأمية، ومن جهة ثالثة علي إعادة ثقافة القراءة إلي الإنسان العربي، وفي مثل هذه المنظومة متكاملة الأركان. واختتم أنه إذا كان لي أن أخص بالذكر قضايا بعينها، نتمني نحن- غير المتخصصين- من حضراتكم إيلاءها اهتماماً مضاعفاً، فإنني أشير أولاً إلي قضية تدريس اللغة العربية في الجامعات، التي أثق أنَّ تفعيلها سيكون وسيلة جيدة لربط شبابنا بأحد أهم مقومات هويتهم، عبر ما يتلقونه من برامج دراسية، تتعلق بعلوم العربية وآدابها.. بغض النظر عن تخصصهم الدراسي.. وخطوة جادة علي طريق جسر هوة الاغتراب الثقافي لديهم، وهو أمر سيكون له ما بعده في سبيل معرفتهم بتراثهم العلمي والأدبي، والانطلاق منه إلي مساهمات أكثر فاعلية في مسيرة التقدم الإنساني. وأما القضية الثانية التي أود الإشارة إليها، فهي قضية تعريب العلوم.. وأعلم أنها أحد المحاور التي تقع في بؤرة اهتمام مجامعنا اللغوية.. في ضوء ارتباط هذه القضية بقضايا أخري، تتعلق بقدراتنا الإبداعية، ونشاط حركة الترجمة في بلادنا، وغرس قيمة الانتماء للغتنا في أوساط باحثينا ومبدعينا.. لقد اختار مؤتمر المجمع لهذا المحور عنواناً دالاً هو »تعريب العلوم: ضرورة لغوية أم حاجة قومية؟«.. فحقيقة الأمر أن التعريب حاجة لغوية بحكم ما يوفره من جهد، وما يكسره من حاجز عدم الإلمام باللغات الأجنبية، التي تُصاغ بها الاصطلاحات العلمية ومسميات المخترعات والمنتجات.. وهو في الوقت نفسه حاجة قومية أساسية، في ظل طموح بلادنا إلي مواكبة كل جديد في مضمار العلوم والتكنولوجيا، وما يلحق بها من تغيرات متلاحقة.. ولا نبتعد كثيراً إذا أضفنا إلي البُعدين الآنفين بُعداً آخر، يتمثل في أهمية التعريب بوصفه جسراً تستطيع بلادنا أن تعبر به واقعها المؤلم، إلي مستقبل أكثر إشراقاً في مجال العلوم وتطبيقاتها.