من بين واقع الحياة الملىء بالضجيج وتشابه الأعمال الفنية، يظهر الفنان التشكيلى ذات الطابع الصعيدى الأصيل، أحمد صابر، بفنه السريالى الحديث، الذى ساعده على تجسيد فلسفته الفريدة التى تمزج بين تراث الثقافة المصرى القديم؛ وتحديدًا تاريخ وعادات صعيد بلدته التى ظلت عالقة بكل تفاصيلها فى ذهنه حتى الوقت الحالى، والخيال الميتافيزيقى فى لوحاته، وذلك من خلال استخدام الرموز وحشد الأشياء الصغيرة داخل إطار من اللامعقول والرمزية السريالية. يقول «أحمد» ل«المصرى اليوم»: «منذ طفولتى وأنا شغوف بشدة تجاه الفن، إلى أن تكوّنت بداخل ذهنى فى أثناء دراستى للفن التشكيلى بكلية الفنون الجميلة، أفكارًا خاصة بالتراث والجوانب المتعلقة بالتاريخ المصرى القديم، وذلك بسبب نشأتى فى محافظة سوهاج، فحينها أدركت أن الفن ليس مجرد هواية؛ بل أسلوب حياة». وظهر اهتمام «أحمد» بالثقافة المصرية وهويتها منذ ذلك الوقت بشكل ملحوظ، وذلك من خلال تقديم قصص وتاريخ التراث الصعيدى وعاداته وتقاليده الفريدة خلال لوحاته، بهدف إحياء الذاكرة الجماعية، وتسجيل ملامح التراث للحفاظ عليه من الاندثار، وجعله وسيلة لربط الأجيال الجديدة بتراثهم وهوايتهم الوطنية. واعتمد «أحمد» أسلوب السريالية الحديثة التى تفوق الطرح الكلاسيكى، والمزج بين الواقع المادى والخيال الميتافيزيقى خلال أعماله الفنية، لكى تتجاوز عناصر اللوحة دورها الواقعى لتصبح رموزاً تعبر عن حقائق نفسية وروحية واجتماعية، ما يدعو المتلقى للتأمل فى عوالم تتجاوز طبيعة الحياة اليومية وقضاياها. وأضاف: «حبيت أركز خلال أعمالى على قصص وأساطير مستمدة من التراث المصرى القديم والموروث الشعبى، خاصةَ التى تحمل رموزًا حضارية عميقة، مثل الرمز الحيوانى كالسمكة التى تعنى الكثير لأهل الصعيد، لأنها تمثل الحياة والرزق وتحمل دلالات أسطورية نظرا لارتباطها بالربة «حاتحور»، ما تساهم فى عكس الخلفية الثقافية العميقة». استلهم «أحمد» من البيئة المحلية لأهل الصعيد، عناصر عديدة، مثل الفلاحين البسطاء، والجمال، والقطط، وبعض أنواع الفاكهة المرتبطة بقصص دينية، ما عكس أصالة وصدق التعبير الفنى لديه، وجعل أعماله قريبة من الواقع والخيال فى آن واحد. عشق «أحمد» الخيول منذ اللحظة التى داعبت فيها مخيلته خيول سيدنا سليمان الصافنات، ما دفعه لتوثيق هذا الأمر بطريقته الخاصة فى لوحاته، مبينًا: «كانت خيول سيدنا سليمان مجنحة، لأنها تمثل القوة والهيبة، وتستخدم فى استعراض القوة أمام الأعداء، أما الخيول فى الصعيد تمثل جزءًا مهمًا من ثقافة التراث المصرى، لأنها عنصر مهم فى سباق المرماح، لذلك أحببت المزج بين سباقات الصعيد وخيول سليمان للدلالة على السرعة».