اللغة العربية من اللغات الجميلة التي تنتمي إلي اللغات السامية وعلي الرغم من خصوصية جمال الحروف وإعجاز التعبيرات المجازية وآدابها مما يجعلها لغة شعرية راقية قادرة علي الإبداع الباقي من الجاهلية وحتي الآن، إلا أنها في عهود الحضارة العربية والإسلامية استوعبت كل المصطلحات العلمية وكانت الدراسة في علوم الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء إضافة في المواد النظرية من آداب وعلوم اجتماعية وقانون باللغة العربية بينما تملأ أسماء العلماء العرب أسماع وأبصار الدنيا بأسرها. وعندما تخلي العرب عن عروبتهم واتسعت الرقعة بين العلم واللغة وأصبحت المواد العلمية بل والنظرية تدرس باللغات الأجنبية في مدارسنا الحكومية التجريبية واللغات إضافة إلي المدارس الأجنبية أصبحنا نحن العرب أشد عداء للغتنا من أعدائها. ولقد اكتسبت اللغة العربية مكانة متميزة خارج الجزيرة العربية بعد نزول القرآن الكريم .إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. و.إنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين، علي قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين.. ولعل ظهور النسخة العربية من الإنجيل بدلاً من القبطية لدليل قاطع علي احتواء العربية لكل الثقافات. فأين اللغة العربية من اللسان العربي المبين..؟ وقد تقطعت الألسنة واعوجت وتلعثمت وانفرطت من مسبحتها حبات الحروف والكلمات وحلت بدلاً منها الحروف الأجنبية وتعددت اللهجات المحلية وانتشرت العامية حتي في دور العلم .المدارس والجامعات. فأفسدت الألسنة وتناقضت مع أهداف التعليم فتردت مستويات التلاميذ وهش تحصيلهم فالعامية تسير بلا قاعدة ولا منهج وأحببنا القشور وكرهنا أن نتعلم أسرار الإعجاز اللغوي وأصبحت العربية غريبة في بيتها، جامدة لا تقوي علي تطوير نفسها فالمناهج والنصوص وطرق التعليم تجعل المتعلم من أهلها قبل الأجنبي يكره اللغة ولا يرغب في تعلمها. ولقد كانت أجيال القرن الماضي أوفر حظا حيث تربت مسامعها علي تلاوة القرآن الكريم والقصائد الشعرية الفصيحة بأصوات كبار القراء والمطربين وارتبطت بصوت الشاعر المبدع فاروق شوشة في برنامجه ذائع الصيت .لغتنا الجميلة. من خلال لسان عربي فصيح وجميل حمل علي عاتقه مسئولية نشر ثقافة جمال اللغة العربية وكانت نشرات الأخبار والبرامج الثقافية إضافة إلي بعض فقرات الخطاب السياسي للدولة ومناقشات مجلس الأمة .الشعب حالياً. مكتوبة ومقروءة بعناية بلغة عصرية سليمة خالية من الركاكة والأخطاء وكان الشارع العربي يتكلم العربية في اسمه وأسماء الشركات والمؤسسات والألفاظ الحياتية الخاصة بالمأكل والمشرب والملبس.. أما الآن فلغة الحوار في معظم البرامج الحوارية وداخل أروقة مجلس الشعب أصبت لغة هابطة أقرب إلي السوقية ومعظم الصحف والمجلات تكتب بلغة حائرة بين العامية والفصحي السهلة وكأن الجميع اتفقوا علي اختصار اللغة العربية في بضع كلمات قابلة للتداول بينما أسماء الشوارع والمحال خليط من العامية والأجنبية والفصحي رغم وجود قوانين تلزم الناس باستخدام العربية فقط، وقمة المأساة أن نري الرسائ العلمية ضعيفة الأسلوب ومليئة بالأخطاء الساذجة. إذا كان هذا هو حال المناخ العام فكيف حال اللغة العربية في المدارس..؟ وقد أصبحت لغة من الدرجة الثانية والثالثة في بعض مدارسنا الوطنية وصرنا نتفاخر فيما بيننا بإجادة اللغة الأجنبية علي حساب اللغة الأم! وهنا نؤكد أن إجادة اللغة الأجنبية أمر مطلوب بذاته إلا أن إحلالها محل العربية في بلاد العرب خطأ كبير لأن ذلك يفقد الإنسان أصله وهويته وننبه إلي أن موجة التغريب في المرحلة الأساسية من التعليم تؤثر تأثيراً مباشراً علي اللغة الأصلية كما لا يخفي علي الجميع خطورة لغة الشباب الخاصة جداً والتي تحتاج إلي شفرات أكثر خصوصية لفك طلاسمها. وعن التعريب الذي أصبح ضرورة ملحة لكي تعود العربية إلي عزتها وسيادتها في بلاد العرب وفي بلاد الدنيا كلها وترفع قدرتها من كونها وسيلة للتخاطب إلي جعلها وعاء للعاطفة والفكر والعلم وعنصرا فاعلا في بناء الحضارة الحديثة. ومع انتشار ثقافة الجودة والتطوير فإنني اقترح لإصلاح حال اللغة العربية في المدارس ما يلي: *ضرورة إصدار قرار سياسي سيادي عربي قوي بدعم من المؤسسات الثقافية اللغوية المهتمة بالعربية ينص صراحة علي تعريب المواد العلمية والنظرية في المدارس والجامعات تدريجياً مع توحيد المصطلحات من خلال بنك آلي يوحد ويجمع ويخزن ويسترجع ويعيد الصياغة بما يتناسب مع مقتضيات العصر وتجتمع عليه الأمة العربية كلها. * التأكيد علي تخريج وتأهيل معلم متمكن في اللغة العربية مع تحديث مناهج كليات التربية ودار العلوم وكليات اللغة في الأزهر الشريف إضافة إلي إعادة تأهيل المعلمين الحاليين وعمل دورات تدريبية حقيقية لهم وتعريفهم بالطرق والأساليب العلمية الحديثة في تدريس اللغة العربية أسوة بلغات العالم. * تحديث المناهج بما يتناسب مع كل مرحلة مع حسن اختيار النصوص وانتقاء مقطوعات أدبية وشعرية من التراث العربي الخالد لكبار الأدباء والشعراء من كل العصور ليعرف التلاميذ مواطن الجمال في لغتهم والقيمة اللغوية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة. * تدريب التلاميذ علي القراءة الصحيحة من نصوص القرآن الكريم والحديث والشعر والأدب العربي الرفيع القديم والحديث في الفصل والمكتبة والإذاعة المدرسية والحفلات والأنشطة وعودة مسابقات جماعة الخطابة بالفصحي. * عودة جماعات ومسابقات كتابة الخط العربي انتصارا للحروف العربية الجميلة وبالتالي للإنسان العربي نفسه. * الاهتمام بالتلاميذ الذين يعانون صعوبة تعلم اللغة في المراحل الأولي حتي لا يتم تصدير أميين للمراحل الأعلي. * اتخاذ قرار جرئ بتأجيل تدريس اللغة الأجنبية حتي نهاية المرحلة الابتدائية ليتمكن التلاميذ من اتقان اللغة الأصلية في سن تسمح لهم بالترسيخ والأصالة ويبث فيهم روح الانتنماء والوطنية فالعكس يزعزع مكانة اللغة الأم وتجعلهم يتشربون المفاهيم الأجنبية رغماً عنهم علي الدوام. * اهتمام وسائل الإعلام بتأصيل دور اللغة العربية في الصحف والمجلات والبرامج ونشرات الأخبار وكذلك التزام رجال الأدب والفن والسياسة بالتحدث بالعربية لتحريض العامة علي الالتزام تأسياً بهم. * حذف شرط أن يجيد المتقدم للعمل في إعلانات الوظائف في البلاد العربية اللغة الإنجليزية احتراماً لأنفسنا ولغتنا بل ونزيد شريطة أن يجيد العربية تحفيزاً للطلاب علي التفوق في اللغة العربية. وتظل اللغة العربية تعاني من الغربة بين أهلها طالما أن لافتات مرشحي مجلس الشعب مكتوبة بلغة ركيكة ضعيفة وطالما لم يعد لسان معلم اللغة صحيحاً معافي وطالما نسمع تصريحات السادة الوزراء والمسئولين صادمة في المحتوي وفي اللغة نفسها بعد أن كنا نردد مقولاتهم وصياغاتهم. ولنسأل أنفسنا عن الكلمات العربية التي تملأ قواميس اللغات الأخري وقت أن كنا عربا وعن كم الكلمات الأجنبية التي تملأ معاجمنا العربية بعد أن تخلينا عن عروبتنا واستسلمنا للتبعية.. هنا علي أنفسنا وابتعدنا عن سباق العلم والتحضر فهانت علينا لغتنا العربية التي كانت جميلة! www.mahmoudhammam.blogspot.com