أثار قرار الدكتور مختار جمعة, وزير الأوقاف, بتوحيد وتحديد موضوعات خطبة الجمعة بدءا من اليوم وحتي نهاية شهر نوفمبر القادم,في جميع مساجد الجمهورية, جدلا بين العلماء, وانقسموا بين مؤيد ومعارض لهذا القرار. وفي الوقت الذي اعتبر فيه عدد من العلماء والدعاة أن تحديد موضوعات خطبة الجمعة في جميع مساجد الجمهورية ينهي فوضي المشهد الدعوي, ويمنع الاستغلال السياسي للمساجد. أكد المعارضون, أن ما يصلح في خطبة الجمعة بأحد مساجد القاهرة, قد لا يلقي قبولا بين المصلين في إحدي القري النائية بالوجه البحري, أو لا يستسيغه المصلون بنجوع الصعيد. ويتساءلون: هل يخرج الإمام علي تعليمات الوزير إذا تحدث في خطبته بأحد المساجد عن عظة الموت عند وجود جنازة بالمسجد, أو فضيلة العفو والتسامح والدعوة إلي الصلح بين عائلتين, أو إذا حث المصلين علي التبرع وعمل البر إذا كان أهل الحي الكائن به المسجد بحاجه إلي المساعدة؟! في البداية أشاد الدكتور أحمد محمود كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, بالقرار مؤكدا أنه علاج حاسم وحازم لفوضي الدعوة في المساجد, ويري أن الوزارة أحسنت صنعا, بإصدار هذا القرار, خاصة أن معظم الدول الإسلامية والعربية والخليجية تفعل ذلك لضبط العمل الدعوي, فلا تكون الخطب لهوي الخطيب الذي قد تكون له انتماءات مذهبية أو سياسية, وقد يحول الخطبة إلي نشرة أخبار أو تجريح للمخالفين وتشهير بهم, وهذا يتنافي مع أركان الخطبة التي أجمع عليها الفقهاء. وأعرب عن أمله في استعانة وزارة الأوقاف بأكاديميين وتربويين من جامعة الأزهر لاختيار الموضوعات المقترحة شهريا, أما الأحداث المفاجئة, فلا بأس أن تصدر تعليمات من الأوقاف بالحديث فيها إن وجدت المقتضيات, أو بعدم الحديث فيها إن وجدت المحاذير, فالموازنة بين المصالح والمفاسد معتبرة بهذا الشأن. الاحتيار في كيفية الاختيار من جانبه أوضح الدكتور سعيد عامر, أمين عام لجنة الفتوي بالأزهر, أن الأوقاف بما لها من سعة الإطلاع في أحوال العباد والبلاد وحرصا منها علي توجيه الأئمة بما يصلح وبما يتناسب مع المناسبات والأحداث, رأت أن تحدد عدة موضوعات معاونة للإمام في أداء رسالته, وهذا من باب التعاون علي البر والتقوي, وعلي الإمام أن يقوم بتحديد العناصر حول هذا الموضوع وجمع الأدلة بما يتناسب مع أحوال الناس وعرضها بأسلوب طيب جميل بما يرغب الناس في الخير, وحسن الأخلاق, ويرهبهم من الشر وسيئ الأخلاق, وذلك سنة النبي, صلي الله عليه وسلم, فقد كان يبين للدعاة الموضوعات ويترك لهم كيفية العرض والأسلوب الأمثل, ففي الحديث المتفق عليه قال صلي الله عليه وسلم لسيدنا معاذ بن جبل حينما بعثه إلي اليمن داعيا ومعلما( إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله, فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم....) وأكد أن الوزارة تتعاون مع الأئمة في هذا الباب لمصلحة الوطن, وما ينفع العباد, ولكن هناك حالات استثنائية كوجود جنازة في المسجد أو صلح بين عائلتين أو عمل بر أو خير في المكان, فيرغب في المساهمة فيه, وذلك استثناء من القاعدة العامة إلي آخر هذه الموضوعات التي تخص مكانا معينا وظرفا طارئا, وعلي الإمام أن يكيف الوضع بأسلوبه في العرض. وأضاف: أن الخطيب كالطبيب يشخص أجواء المجتمع وعلله, ويصف الدواء الناجع بحكمة واقتدار, ويعيش أحوال الناس, ويشعر شعورهم, فيشاطرهم آمالهم وآلامهم, فلا يعيش في واد والمجتمع في واد آخر, بل يعرض الموضوعات المهمة, ويتحري حسن اختيار الموضوعات, فالداعية الحكيم هو الذي يدرس الواقع وأحوال الناس, وينزل الناس منازلهم, ويدعوهم علي قدر عقولهم, وطبائعهم وأخلاقهم, ومستواهم الاجتماعي, ولذا قال سيدنا علي, رضي الله عنه,( حدث الناس بما يعرفون, أتحبون أن يكذب الله ورسوله). الخطبة الثانية.. للمستجدات ويري الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء, أنه قرار تنظيمي ينظم للخطيب ما يقوله ويعينه علي تخير الموضوع, حتي لا يبحث وحده, وهذا لا بأس به, ولكن تحديد الخطبة علي مدي شهر أو شهرين, قد يأتي في وسط هذه المدة بعض الأحداث أو المناسبات التي تحتاج إلي إلقاء الضوء عليها, فلا بأس حينئذ من أن يتحدث عنها الخطيب, ولا تثريب عليه, ومن الممكن أن يجعلها في الخطبة الثانية, أو في جزء من الخطبة الأولي, ووزير الأوقاف رجل عالم يريد أن يعين الخطباء علي تخير الموضوعات, فلا بأس بهذا ولا مانع للخطيب من أن يعرج علي ما قد يجد من موضوعات جديدة أو مناسبات بعد ذلك, وإذا كانت الموضوعات لا تتلاءم مع المكان, فيجب علي الإمام أن يكيفها حسب فهم المصلين, لأنه من البلاغة( مطابقة الكلام بمقتضي الحال) فيراعي الإمام أحوالهم ويتكلم بما يحتاجون إليه. رأي مخالف أما الدكتور عبدالوارث عثمان, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, فله رأي آخر, ويؤكد أن للداعية دور أساسي في توعية وتنمية المجتمع لا يستطيع أحد أن يغفله, لذلك اهتم المسلمون عبر تاريخهم الطويل بفن الخطابة الذي هو المنبر الأساسي في توعية الناس وتثقيفهم. وأوضح أنه من المحال تطبيق فكرة وزير الأوقاف في توحيد خطبة الجمعة, وذلك لأن قدرات الخطباء تختلف عن بعضهم البعض, وكذلك عقول المستمعين من المصلين تتنوع علي حسب بيئتهم وإمكانياتهم وقدراتهم الاجتماعية والمعيشية, بل وأحيانا تختلف الاهتمامات علي تنوعها من بيئة إلي أخري, ومن مجتمع إلي آخر, وبين ريف وحضر, وأماكن سكنية مستحدثة قد لا يربط بين الساكنين فيها من رابط أسري أو اجتماعي, وهنا يكون الخطيب في حيرة من أمره, ولابد أن يقوم الإمام بمخاطبة عقول هؤلاء علي اختلاف ثقافاتهم وقدراتهم العقلية, فإذا ما أجبر الخطيب علي أن يخاطب الناس بموضوعات سبق تحديدها له بجدول زمني, فإن هذا يؤدي إلي سخط الناس عليه إذا لم تتوافر لديه القدرة علي الحديث في الموضوع الذي أجبر عليه, ويؤدي أيضا إلي انخفاض مستوي الخطيب إذ أنه سوف يعتمد علي الموضوع الموجود والمرسل له من الوزارة, فينقطع عن القراءة بتوسع ويجعل الإمام محدود التحصيل, ولذا قد نكون فقدنا خطيبا ومستمعا معا في وقت ندعو فيه إلي تنمية قدرات خطباء وزارة الأوقاف للقيام بواجبهم في تنمية المجتمع واستقراره وأمنه ليدفعه إلي التطور والتقدم والالتفاف حوله حتي يكون منجاة لهم من الوقوع في فخ أرباب التطرف الفكري والجهل الديني. ويضيف: نحن في وقت خلت فيه الساحة من خطباء غير تابعين لوزارة الأوقاف بناء علي قرار من وزير الأوقاف نفسه, فكان علي الوزير أن يعمل علي تنمية قدرات خطباء الوزارة وتثقيفهم وزيادة تحصيلهم للمعلومات الدينية ليسدوا الفراغ الذي أحدثه بقراره في منع صعود المنابر من غير الأزهريين. وفي سياق متصل يري الدكتور شرف الدين أحمد آدم, أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة بجامعة الأزهر, أن المجتمع المصري متباين الثقافة, كما أنه متعدد العلل والأمراض الاجتماعية, فما نجده في مجتمع ما يشكل مرضا اجتماعيا لا يكون بالضرورة في مجتمع آخر هو نفس المرض, وهذا واضح بين سكان المدينة وسكان الريف, بل إن المجتمع الحضري الواحد متعدد الثقافة ومتباين فكريا, وبالتالي يلزمه تعدد في الخطاب الديني والأفكار المطروحة عليه في خطبة الجمعة, ونضرب مثلا بالأحياء الشعبية بالقاهرة التي تختلف كل الاختلاف عن المجتمعات الراقية,( فلكل مقام مقال) والحكمة تقول( ليس كل كلام حضر وقته, وليس كل ما حضر وقته حضر أهله) وينبغي أن يكون التناول والعرض مختلفين, كما أن الجمهور في المسجد ينتظر من الإمام والخطيب أن يعالج الأحداث الجارية, ولا يقبل منه أبدا أن ينعزل عن الواقع, وليس بالضرورة أيضا أن يكون تناول الأحداث الجارية بالتجريح أو الانتقاص, وإنما تكون بالتطمين والبشارة وفتح أبواب الأمل أمام المصلين.