من يسير في شوارعنا وقت خطبة الجمعة قد يساوره الشك في أن ذلك اليوم هو الجمعة, فالكثير من الناس في حالة من الانشغال ( المقصود), إما بالبيع والشراء أو بقضاء مصالحهم . أو بدروس أبنائهم( الخصوصية) أو غيرها من مشاغل الحياة التي لا تنتهي, وحتي الفئة( الهاربة من الجمعة) التي لا تجد ما يشغلها في هذا الوقت من اليوم تفضل النوم أو البقاء في البيت علي النزول لسماع الخطبة, منتظرين دعاء الامام الأخير أو النداء المحبب إليهم المؤذن بإقامة الصلاة, لكي يسرعوا ويدركوا الركعتين, حاملين معهم سجادة الصلاة في همة ونشاط, فيسقطوا الفريضة ويستريحوا من عذاب الضمير.. فما الذي حدث حتي بلغ هؤلاء هذه الدرجة من التهاون مع فريضة وليست سنة ؟ ولماذا لم تعد الخطبة تمثل لهم أي أهمية, بل صارت عبئا ومشكلة وهي المرجو من ورائها إيجاد حلول لمشاكل الأمة ؟ بالتأكيد وراء ذلك أسباب إما في الناس( المصلين الغائبين) وإما في الخطبة نفسها وإما في كليهما. سنتحاور مع علمائنا لنتعرف علي الأسباب وكيف يمكن معالجتها والقضاء علي ظاهرة الهروب من خطبة الجمعة, آملين أن تتعافي خطبة الجمعة وتعود مجددا لسابق عهدها ولدورها المنشود, تعمق الرابطة الوجدانية بين الناس وخالقهم, وتغرس في المسلمين مراقبة الله والعدل والمساواة وحب الخير والتواضع وغيرها من الصفات التي أصبحت بعيدة اليوم عن غالبية المسلمين. اجتماع إيماني متجدد شرع الله سبحانه وتعالي لكل أمة في الأسبوع يوما يتفرغون فيه للعبادة ويجتمعون فيه ويتذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قياما بين يدي رب العالمين وكان أحق الأيام بهذا الغرض المطلوب اليوم الذي يجمع الله فيه الخلائق وذلك يوم الجمعة فادخره الله لهذه الأمة لفضلها وشرفها فشرع اجتماعهم في هذا اليوم في الدنيا لطاعته وقدر اجتماعهم فيه مع الأمم في الآخرة لنيل كرامته, فهو يوم الاجتماع شرعا في الدنيا وقدرا في الآخرة, كما أوضح الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد والذي ذكر فيه خصائص يوم الجمعة وأوصلها إلي ثلاث وثلاثين خصيصة منها: أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء علي الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله- صلي الله عليه وسلم- بالرسالة, وتذكر العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلي جنانه ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا مقصود الخطبة والاجتماع لها. وأشار إلي أن النبي- صلي الله عليه وسلم- كان يعد لهذا اليوم بقراءة سورتي( ألم تنزيل) و( هل أتي علي الإنسان) في فجر الجمعة, لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون من المعاد وحشر الخلائق وبعثهم من القبور إلي الجنة والنار, لتذكير الأمة بما كان في هذا اليوم وما سيكون فيه. ثم تأتي خطبة النبي- صلي الله عليه وسلم- في هذا اليوم تقريرا لأصول الإيمان, من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته, فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا ومعرفة بالله وأيامه, لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق وهي النوح علي الحياة والتخويف بالموت فإن هذا أمر لا يحدث في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة به ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس علي محبته والشوق إلي لقائه فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلي التراب أجسامهم, فأي إيمان وأي معرفة وعلم نافع يحصل بهذا ؟! مواصفات غائبة هناك مواصفات غائبة عن خطباء اليوم يذكر الدكتور مصطفي مراد الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية بعضا منها فيقول: أول: هذه المواصفات هي الصدق والإخلاص, فقد سئل الحسن البصري عن الخطباء والوعاظ, مابال بعضهم تؤثر فينا موعظته بينما الآخر لا يهز منا شعرة, فقال: إذا خرج الكلام من القلب بلغ إلي الجنان, وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان. وقد كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- إذا خطب كمنذر جيش, فيجب ان تكون نية الخطيب خالصة لله تعالي, حتي يكون كلامه مؤثرا وفعالا ومقبولا عند الناس, وبعد كل ذلك يتوجه لنصح الناس بقلب صادق مخلص. ثانيا: حفظ نصيب كبير من القرآن والسنة, فالقرآن والسنة هما بضاعة الخطيب ورأس ماله, فالخطيب داعية إلي الله ولا يمكن أن يهدي الناس ويعلمهم ويرشدهم بعيدا عن الكتاب والسنة, وقد قال صلي الله عليه وسلم محذرا من صنيع أولئك الذين يدعون بعيدا عن الكتاب والسنة فقال في وصفهم:( قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي). ثالثا: الاعتناء بإعداد الخطبة, فبعض الخطباء لا يعد للخطبة إلا في صبح الجمعة أو قبلها بقليل, فهذا ممن لا يحمل دعوة ولا رسالة وإنما اتخذ المنبر عادة أو تكسبا, فالواجب علي الخطيب أن يضع جل همه وتفكيره في خطبة الجمعة, ويفرغ لها الوقت الطويل لإعدادها الإعداد المناسب, فالخطيب هو كمن يخوض المعركة, حيث لابد من الاستعداد لها, وأول خطوة في الإعداد هي طرح السؤال التالي: ماذا أريد أن أقول للناس في الخطبة ؟ والجواب يكون هو موضوع الخطبة, وهنا أيضا يتم طرح السؤال التالي: ما الفائدة في طرح هذا الموضوع ؟ والجواب يترتب عليه تحديد مقدمة الخطبة وتفاصيل الموضوع والخاتمة. كما يجب أن تتوافر في الخطيب الخبرة والكفاءة, فخطبة الجمعة ليست كلأ مباحا لكل أحد, وليست حقا لكل من ظن بنفسه الأهلية, وليست ساحة للظهور والشهرة علي حساب الناس ووقتهم ودينهم, فهي أمانة ومسؤولية, ومن أراد التصدر لها فعليه أن يكون أهلا لها من ناحية الخبرة, ويملك من المعلومات التي تؤهله ليكون خطيبا بارعا. النقد بأسلوب مهذب الجمعة فرصة لتجديد الإيمان وذلك من خلال الخطبة التي يذكر فيها الإمام المصلين بالله عز وجل ويرقق قلوبهم بالموعظة الحسنة, ولخطبة الجمعة شروط وأركان حفلت بها كتب الفقه ولكن الذي يعنينا هنا هو المقاصد التي لا بد من مراعاتها في هذه الخطبة الأسبوعية, الدكتور محمد عبد رب النبي أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر(أسيوط) يشير إلي أن أول هذه المقاصد هو التركيز علي الجوانب الإيمانية التي تزيد المؤمن ثقة بربه ويقينا بمولاه, ذلك اليقين الذي يعين المؤمن علي تحمل مشاق الحياة دون يأس أو قنوط ويفتح له أبواب الأمل في أن الله قادر علي أن يهيئ له من أمره رشدا, كما ينبغي أن تحارب الخرافات التي علقت بأذهان الناس والممارسات التي تتنافي مع توحيد الله والتوكل عليه, وتدفع الناس إلي التوجه إلي الله في السراء والضراء والتعلق به وحده دون سواه. ويؤكد د. عبد رب النبي أنه ينبغي أن تراعي خطبة الجمعة واقع المسلمين ومشكلاتهم المعاصرة سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية فلابد أن يتصدي الخطباء في الوقت الراهن لمشكلة الفساد والرشوة التي أصبحت ظاهرة تهدد مستقبل الوطن وتذكر المسئولين بأنهم موقوفون أمام الله ومسئولون عما استرعاهم وأن مصالح الناس أمانات في أعناقهم, كل ذلك بالأسلوب المهذب دون تطاول أوتجريح. كما ينبغي أن تربط خطبة الجمعة المشكلات المعاصرة بالقرآن الكريم والسنة المطهرة وأن توجد لها الحلول المناسبة من خلالهما فإن ذلك من شأنه أن يربط الناس بمعطيات دينهم ويزيدهم ثقة بمنهج ربهم وهذا يحتاج من الخطيب إلي مهارات معينة مثل فقه الواقع وحسن الإلمام بالقرآن والسنة والقدرة علي صياغة المعطيات الدينية صياغة عصرية مع المحافظة علي المضمون الديني والمقاصد الشرعية. ودعا إلي ضرورة أن ينوع الخطيب أساليبه ما بين الترغيب والترهيب والإقناع العقلي والخطاب العاطفي نظرا لتنوع السامعين ومن ثم تنوع أذواقهم وووسائل تأثرهم, كما يجدر بالخطيب أن يكون لبقا مهذبا محبوبا وأن تكون أخلاقياته انعكاسا للأخلاق الإسلامية وبذلك تؤتي دعوته ثمارها ويكون لها صدي قوي ومباشر علي القلوب والعقول. دعوة عامة.. الخطابة هي إحدي وسائل الدعوة إلي الله, بل إنها من أهم وسائل التربية والتأثير, لذا فقد كانت جزءا من مهمة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- في دعوة أقوامهم إلي توحيد الله سبحانه وطاعته, ليقلعوا عما هم عليه من ضلال وفساد عقدي وخلقي واجتماعي, ومن هنا كان لخطبة الجمعة مكانة في الإسلام وأهمية بالغة وذلك ما يؤكده الدكتور طه عبد الجواد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر فيقول: إن خطبة الجمعة تمثل شعيرة من شعائر الإسلام, أركانها الحمد والشهادتان والأمر بالتقوي ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, تشهدها الملائكة, كما قال صلي- الله عليه وسلم:( إذا كان يوم الجمعة كان علي كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون من جاء من الناس علي قدر منازلهم, فرجل قدم جزورا, ورجل قدم بقرة, ورجل قدم شاة, ورجل قدم دجاجة, ورجل قدم عصفورا, ورجل قدم بيضة, فإذا أذن المؤذن, وجلس الإمام علي المنبر طووا الصحف ودخلوا المسجد يستمعون الذكر), وقد اكتسبت هذه الأهمية والمكانة لأنها من وسائل نشر الدعوة العامة حيث لا تختص بأحد دون أحد, ولا طبقة دون طبقة, فجميع المصلين يستمعون إليها من الخطيب من كان منهم قوي الإيمان أو ضعيفه, ومن كان منهم ذا ثقافة أو عديمها والكبير والصغير فهي فرصة للخطيب متكررة يستطيع بها التأثير علي هذه الأعداد الهائلة الذين سيحضرون باختيارهم راغبين غير مكرهين. وكذلك فإن المسلم مأمور بالسعي لصلاة الجمعة حيث يسمع النداء الثاني, وحين يحضر المصلي للجمعة يلزمه الإنصات للخطيب ولا يجوز الكلام فالمسلم أمر بالسعي إلي الجمعة والإنصات للخطبة. كما أن تكرار الخطبة كل أسبوع يدل علي أهميتها وضرورة العناية بها من قبل الخطيب والسامعين حيث يستمع المصلي في العام الواحد لأكثر من خمسين خطبة تقريبا. فلو أن كل خطيب يعالج في كل سنة(50) موضوعا ما بقي بين المسلمين جاهل في الأحكام الضرورية, كما أن هذا التكرار والاستمرار لخطبة الجمعة, له دور كبير في إرساء المفاهيم الإسلامية, وتقليل الشر والفساد, ورفع مستوي الخير والصلاح, والحث علي الفضائل. ويؤكد أن الحاضرين والمستمعين للخطبة يزيدون ولا ينقصون بخلاف غيرها من وسائل الدعوة الأخري أو المستجدات العصرية كالمحاضرة والدرس والندوة, مثلا فقد يخرج البعض قبل اكتمال الموضوع, ففرق شاسع بينها وبين وسائل الدعوة الأخري. مجرد طقوس وإسقاط للفريضة ويشير الدكتور طه عبد الجواد أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر إلي أن خطبة الجمعة لم تعد مؤثرة في الناس كما كانت قديما, وذلك لسببين رئيسيين: أولها: افتقاد مقومات الخطيب الناجح, وأبرزها العلم والثقافة, موضحا أن الكليات الشرعية اليوم تأخد أدني المجاميع وأغلب الخطباء من خريجي هذه الكليات هم الذين فشلوا في الالتحاق بكليات القمة بسبب ضعف مستواهم, والكثيرون منهم لا يحفظون إلا القليل من القرآن الكريم ولا يحسنون اللغة العربية, ونظرا لضعف مستواهم فهم يلجأون لحفظ خطب من الكتب القديمة أو لغيرهم من الخطباء من داخل البلاد وربما من خارجها دون فهم أو دراسة للواقع الذي يعيشونه ومشكلات الناس من حولهم, وهكذا تحولت الخطابة إلي مجرد وظيفة وليست رسالة, وطالما أصبح الخطيب موظفا فلن يؤثر في الناس. السبب الثاني: عدم صدق إيمان المخاطبين المصلين, فمن علامات الإيمان كما أخبر الله عزوجل:( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلي ربهم يتوكلون)( الأنفال:2), ولكن الإيمان اليوم أصبح مزيفا ولم يعد ذكر الله ولا تلاوة آياته تزيد في إيمان الكثير من الناس شيئا, وتحولت الجمعة إلي مجرد طقوس وإسقاط للفريضة, فلا تمتلئ المساجد إلا في نهاية الصلاة أو قبل انتهاء الخطبة بقليل, ويلقي د. طه عبد الجواد بالمسئولية عن ذلك علي دور وسائل الإعلام التي تشغل أذهان الناس وتشحنهم إما بمباراة كرة قدم أو بإثارة بقضايا شخصية لا تهم المجتمع, مما يجعل المخاطبين مشغولين بما يقرأونه أو يشاهدونه غير متأثرين بما يقوله الخطيب سواء أصاب أو أخطأ, غائبين تماما عن الخطبة. الحكمة مفقودة والهدف غائب هناك الكثير من السلبيات التي نلمسها في كثير من الخطباء اليوم مما يقلل فرصة انتفاع الناس من الخطبة وبالتالي انعدام وجود أي أثر إيجابي لها في حياتهم, الدكتور محمد مختار المهدي الرئيس العام للجمعية الشرعية وعضو مجمع البحوث الإسلامية يوضح أن من بينها: عدم إدراك الخطيب لأحوال وطبيعة المخاطبين وبالتالي ينعكس علي اختياره للأسلوب الملائم لمستمعيه سواء كانوا من المثقفين أو أنصاف المتعلمين أو الأميين, مما يفقده التفاهم والتجاوب مع الناس, فالحكمة التي ندعو إليها الخطباء هي الكلمة المناسبة للشخص المناسب في الوقت المناسب. فليس من جمهور المستمعين له من بسطاء الناس في حي شعبي كمن يستمع له ناس من المتعلمين في حي راق فلكل لغته واحتياجاته وطرق التأثير عليه. عدم اختيار الموضوعات التي تهم الناس وعرض مواضيع محددة وتكرارها بشكل يسبب الرتابة, فالناس في حاجة لعرض مايجري حولهم من مشكلات لفهمها. عدم الإجابة عن السؤال الأساسي لدي المصلين عقب كل خطبة وهو: ما المطلوب منا ؟ لذا يجب علي الخطيب أن يراعي التسلسل في عناصر خطبته ووضع هدف وإجابة نهائية لما هو مطلوب من مستمعيه, فعلي سبيل المثال حين يتناول قضية القدس وما يحدث فيها من اعتداءات يستغل بعض الأئمة الناحية العاطفية لدي الناس ويقوم بتهييج مشاعرهم ويترك لهم الباب مفتوحا دون أن يحدد لهم ما هو المطلوب منهم علي وجه التحديد. عدم مراعاة حالة الفراغ الديني التي يعاني منها الكثير من الناس, فبعض الخطباء يثير قضايا خلافية, وربما كان لدي البعض قناعات معينة حول بعض المسائل فإذا ما استمع للإمام وهو يهاجم معتقداته انصرف عنه, لذا لابد من تجنب القضايا الخلافية ومناقشة المسائل المتفق عليها. تحويل الخطبة لمنبر سياسي لترويج أفكار معينة ولا عيب في التطرق للأحداث ومناقشتها من وجهة نظر شرعية تنفع الناس لكن أن نصبح في وضع لا ندري فيه أنحن أمام منبر جمعة أم أمام شاشة قناة إخبارية ؟! فهذا هو المرفوض. عدم الإعداد الجيد للخطبة وهذا يعود إلي عدم تأهيل الخطيب التأهيل الجيد, وينصح د. المهدي الأئمة والخطباء بضرورة الاستعانة بكتب( المعجم المفهرس للقرآن الكريم) وكتاب( اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) وذلك لمراجعة الآيات والأحاديث الصحيحة المتعلقة بموضوع الخطبة والتثبت من القصص القرآني والنبوي. الهاربون أدانوا الخطباء للوقوف علي مدي رضا الناس عن الخطبة وما يجب أن يتحلي به الخطيب أجرينا بحثا ميدانيا مع بعض المتسربين من خطبة الجمعة وسألناهم عن الأسباب التي تدفعهم إلي ذلك فقال حسن بشير(23 عاما) مهندس : منذ سنوات كثيرة أذهب لصلاة الجمعة في مسجد قريب يقع بالقرب من بيتي, أصبحت أعرف ما سيقوله الخطيب قبل أن يبدأ, وطوال هذه السنوات لم أستفد أي شيء من الخطبة حتي أصبح جسدي في المسجد وعقلي مع أعمالي ومتطلبات بيتي. ويقول فؤاد إبراهيم(40 عاما) موظف : إن تسرب الناس من صلاة الجمعة مشكلة ذات شقين: شق يعود إلي تكاسل الناس عن الصلاة, فمن لا يحضر صلاة الجمعة وغير منتظم في سماع الخطبة فهو من الأساس غير منتظم في الصلاة, وهؤلاء يتعللون بأسباب فارغة لعدم انتظامهم في الصلاة, والشق الآخر وهم الخطباء الذين أصبحوا يرددون الآن ما يقال في الإنترنت وفي بعض الفضائيات المشبوهة, ورغم أن المجتمع مليء بالظواهر السيئة إلا إنهم لم يعالجوها, والدليل أن الناس أصبحوا يكرهون بعضهم والشباب يعقون والديهم والكثيرون لا يخافون الله, فأين خطبة الجمعة من كل هذا! لقد تحولت الخطبة بالنسبة لكثير من الخطباء إلي وظيفة جامدة, يخرجون ويلقون بعض الكلمات المتشابهة كل أسبوع وينتهي الأمر. ويقول محمد زغلول(36 عاما) تاجر : خطيب مسجدنا لم يتغير من مكانه منذ عشر سنوات ولم يقدم أي شيء يذكر للمصلين الذين أصبحوا يفضلونه لأنه فقط لا يطيل عليهم, والكثير من الشباب يجلسون في الصفوف الأخيرة كل في واد, في انتظار الجملة المحببة لهم والتي تأذن لهم بإقامة الصلاة, ويتساءل: بعد كل هذه السنوات من الخطاب الممل المكرر, كيف ومتي خطبة الجمعة مؤثرة ؟! باب الشكاوي مفتوح تطوير خطبة الجمعة وتفعيل دورها في المجتمع والخروج بها عن دائرة الرتابة مسئولية القائمين علي شئون المساجد وبالتحديد وزارة الأوقاف المسئول الأول عن جودة أو تدهور خطبة الجمعة, فأين دورها من المتابعة الجادة والمستمرة للخطباء ؟ وهل هناك دورات للارتقاء بهؤلاء الأئمة, وبتبصيرهم بأهمية الخطبة وكيفية إعدادها والأسلوب الخطابي المؤثر ؟ وهل تجري مسابقات دورية لاختيار أحسن الخطباء عمليا وأحسن الخطب المكتوبة, وهل ترصد جوائز ومكافآت قيمة لهذا الغرض ؟ ولم لا تجري استفتاءات وبحوثا عن أثر خطبة الجمعة في الأحياء والمناطق المختلفة, للعمل علي رفع النسبة الإيجابية لهذا الأثر بتغيير الخطيب, وتغيير موضوع الخطبة ؟ ومتي تستحدث وزارة الأوقاف خطا ساخنا, أسوة بغيرها من الهيئات الأخري, لتلقي شكاوي الناس من الخطباء سعيا لتحقيق هذا التطوير؟ بهذه التساؤلات والآمال توجهنا إلي الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة الذي رحب بفكرة وجود خط ساخن للشكاوي وأكد أن الوزارة تتعامل بحزم مع أخطاء الخطباء, وفي حالة وجود أخطاء يمكن لأي مواطن أن يتوجه إلي رئيس الهيئة المركزية للدعوة ويقدم شكواه ضد أي خطيب أو إمام, وأوضح أنه في جميع الشكاوي التي قدمت للوزارة كان الأئمة يرتدعون ويقرون بخطأهم بمجرد تذكيرهم بسنة النبي- صلي الله عليه وسلم- وبكيفية فهم الواقع المعاصر. كما أوضح أنه يتم عمل دورات مستمرة ومنتظمة للأئمة المساجد للوقوف علي مستواهم الحقيقي وانتقاء العناصر المتميزة للخطابة في المساجد الكبري. وأشار إلي أن هناك تعليمات بخصوص خطبة الجمعة تبلغ لكافة الخطباء من بينها ألا تزيد الخطبة عن نصف الساعة, فالمتوسط أن تكون مدة الخطبة20 دقيقة بالإضافة إلي5 دقائق للصلاة. وأوضح أن تحديد هذه المدة للخطبة بشرط ألا يخل بالغرض منها ومراعاة أحوال المصلين كما هي السنة النبوية في ذلك حيث جاء في صحيح مسلم عن النبي- صلي الله عليه وسلم:( إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان لسحرا), كما نفي د.سالم إملاء الوزارة علي الخطباء مواضيع معينة وقال: الأمر اختياري لهم بما يحقق المصلحة والمقصود الشرعي من خطبة الجمعة وفي إطار الحكمة والموعظة الحسنة.