هذا تعبير بالانجليزية حاولت أن أجد له ترجمة بالعربية »جعجعة ولا أري له طحنا« ولكن هذا التعبير لا يعبر تماما عن المعني المقصود ، أما »خير الكلام ما قل ودل« فهو اقرب للمعني المقصود. ولكنني أروي هنا هذه الفكاهة التي قرأتها وأنا غلام في مجلة المختار (النسخة العربية لمجلة ريدرز دايجيست): ذكر أحد المحاضرين انه كان لا يهتم عندما يري المستمعين ينظرون الي ساعاتهم في خلال محاضرته، تعبيرا عن مللهم. ولكنه كان ينزعج عندما يراهم يقربون ساعاتهم الي اذانهم ويهزونها حيث كانوا يتصورون أنها قد توقفت!، لعل هذا هو اقرب تعبير عن المعني المقصود. قد تمر علي الكثير من ال بلا بلا بلا في حياتك اليومية. فكم اريق كثيرا من الأحبار علي صفحات الصحف والمجلات والكتب، وكم امتلأت شاشات التليفزيون بالمتحدثين والمتحدثات، وكم اذيع بالراديو من كم هائل من الأحاديث، ويدخل في ذلك المسلسلات والأفلام التي تستخف بعقول المشاهدين وتنحدر بمستواهم العقلي. وكذك المقابلات لكثير من المتحدثين وعلي الأخص من أهل الفن والرياضة وغيرهم من ذوي الثقافة الضحلة، وكثير منها بلا بلا بلا!. هل تم اجراء احصاء بين القارئين والقارئات والمشاهدين والمشاهدات والمستمعين والمستمعات لمعرفة نسبة هذا الكم الهائل الذي يضيع هباء من أوقاتنا للمشاهدة والاستماع الي هذا ال بلا بلا بلا! والغريب انه في كثير من الأحيان يلقي استحسانا من جمهور المشاهدين. وكثيرا ما تشاهد برامج بها مقابلات من المتخصصين في بعض القنوات التليفزيونية والمحطات الاذاعية. ومما لا شك فيه ان هناك برامج رائعة وخاصة في الاذاعات وللأسف القنوات الاجنبية، تخرج منها بمزيد من المعرفة العلمية وتشاهد وتسمع الحرية في التعبير والمناقشة، كما قد تشاهد كثيرا من برامج بلا بلا بلا، ويزيد الطين بلة موقف المحاور (المذيع أو المذيعة) التي تبدأ بسؤال الضيف، وما يكاد يفتح فمه للرد حتي تقاطعه لتزايد عليه في الحديث، مستعرضة معلوماتها التي تريد ان تظهر بها بأنها »مفيش أحسن من كده، وأنها محيطة علما بكل شيء!« ومن ثم لا تترك للضيف الا وقتا محدودا ليشرح ماهو مطلوب في مناقشته، مستحوذة هي او هو علي معظم وقت البرنامج!! وتكون النتيجة بلا بلا بلا! تذكرت الحديث الشريف ».....من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت« وقد حدث تقدم مؤخرا وخصوصا في برامج ما يسمي ب Talk show بسبب زيادة مساحة الحرية المسموح بها حاليا مقرونة بما سبق من كيف في تعيين هذه الحرية. هل سمحت ظروفك بان تحضر مؤتمرات او ندوات علمية او ادبية او سياسية - ويكون بعضها تحت رعاية وزراء وكبار رجال الدولة ففي اول يوم يقوم هذا الكبير - او الكبار - بالحضور، ولذلك تجد نسبة الحاضرين عالية للغاية، ثم تنخفض هذه النسبة بشكل كبير في الايام التالية لعدم تواجدهم، وعلي الاغلب يكون معظم ما يقال بلا بلا بلا! وتري اناسا معينين يودون دائما اخذ ناصية الحديث - الحوار - وليري مكانه بين الناس »ويا أرض انهدي ما عليكي ادي« ويكون كلامه علي الأغلب بلا بلا بلا!! وفي النهاية يجتمع المتخصصون ليصدروا توصيات اغلبها بلا بلا بلا! وتنتهي هذه الزفة بما فيها من ضجة اعلامية في الصحف والمجلات... الي عدم متابعة وتضيع هذه التوصيات في الفضاء وعدم التطبيق. قد اتيح لي حضور مؤتمرات وندوات محلية وكذلك خارجية، وللأسف لا يوجد وجه للمقارنة بين هذه وتلك، وكثيرا ما يتهافت الكثير للسفر لحضور هذه المؤتمرات الخارجية، ولكن هل يستفيد منها من حضروها؟ وهل استفاد الوطن من هذا الحضور؟ غير دفع تكاليف السفر الباهظة... ولك الله يامصر!! منذ عقود قليلة كان دخل الفرد موزعا ما بين المأكل والمسكن والملبس وبعض الترفيه، ثم اضيف لها بند جديد وهو الدروس الخصوصية، ومؤخرا جاء بند المكالمات التليفونية عبئا جديدا علي المصروفات وزادت المشاكل بادخال التليفون المحمول ليكون ذلك البند مشكلة كبيرة في بند المصروفات... وتزداد المشكلة تعقيدا عند ازدياد المكالمات التي معظمها بلا بلا بلا!! في دراستنا - في المدرسة - عن انحدار الادب في الكتابة والخطابة في بعض العصور حتي وصل هذا الانحدار الي الخطابة الدينية، ولاسيما خطب الجمعة. أتذكر قصة حكاها لي أحد أصدقائنا ونحن في مرحلة الشباب فيقول: كان لدينا في القرية خطيبا للجمعة يخطب من كتاب ذي صفحات صفراء، والتي تنتهي عادة بالدعاء للسلطان وعساكره! كان دائما يعيد ويكرر هذه الخطب حتي حفظها المستمعون. فكان شباب القرية من كثرة إعادتها - يداعبونه بان يكرروا قراءتها معه في نفس وقت إلقائها، مما كان يسبب له كثيرا من الغيظ. كانت خطب بلا بلا بلا!! كاتب المقال : رئيس شركة التمساح لبناء السفن الأسبق