أثار قرار وزارة الأوقاف, تحديد زمن خطبة الجمعة ب15 دقيقة, جدلا فقهيا واسعا, وانقسم الأئمة وعلماء الأزهر بين مؤيد ومعارض للقرار. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الوزارة أن قرارها جاء تأسيا بسنة النبي صلي الله عليه وسلم, وتيسيرا علي المرضي وكبار السن وأصحاب الحاجات, أكد عدد من العلماء أن زماننا ليس فيه من أوتي جوامع الكلم وبيان الحكمة كرسول الله, صلي الله عليه وسلم, الذي بلغ الرسالة وأدي الأمانة ووضع دستورا للأمة في خطبة الوداع. وما بين مؤيد ومعارض, وتضارب الروايات حول زمن خطبة النبي صلي الله عليه وسلم, أجمع العلماء علي أن القرار رغم أهميته, يجب أن تسبقه خطوات جادة لتأهيل الأئمة وإعدادهم لإبلاغ رسالة المسجد في اقصر وقت ممكن, وتخصيص ندوات ومحاضرات أسبوعية بالمساجد لنشر الوعي الديني والثقافة الإسلامية الصحيحة بين المصلين. يقول الدكتور سيف رجب قزامل, عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا وعضو قوافل الأزهر والأوقاف الدعوية, إنه يجب علي خطيب الجمعة أن يركز في موضوع معين يهم المسلمين, بحيث يعالج مشكلة ما في المجتمع الإسلامي, وفي نفس الوقت يذكرهم بإيمانهم, وإسلامهم, ورسالتهم في الحياة, وأمور العبادات, والمعاملات من البيع والشراء, وكل الأمور الحياتية. كما ينبغي أن يكون موضوع الخطبة في عناصر محددة, بحيث يسهل علي من حضر الخطبة أن يستفيد من عناصرها في حدود الوقت الذي نص عليه قرار وزير الأوقاف لأنها تتفق مع الواقع, فهناك ظروف لكبار السن, وأصحاب الأعذار الذين حضروا لأداء الجمعة, فيسهل عليهم الحضور والاستفادة في هذا الزمن المحدد, ويمكن أيضا للخطيب أن يعلن أنه بعد انتهاء صلاة الجمعة تخصيص محاضرة عامة لإلقاء الضوء علي الخطبة وتوضيح بعض ما ورد بها, ومن أراد أن يجلس فليجلس بعد صلاة الجمعة. ولإنجاح هذه الفكرة يقترح الدكتور رجب قزامل, أن تكون رسالة المسجد شاملة طوال أيام الأسبوع وذلك بعقد محاضرات وندوات يومية في المسجد, في التفسير و الحديث و القصص و الفقه, حتي يصبح المسجد جاذبا لأهل الحي الذين لا يذهب بعضهم إلي المساجد إلا في نهاية خطبة الجمعة, وبذلك نستفيد من الإمام الذي عينته الدولة في المسجد, وينتهي بذلك الخلاف حول الزمن المخصص لخطبة الجمعة. فقه الخطبة ويري الشيخ محمد الدومي, إمام مسجد مصطفي محمود بالمهندسين, أن القاعدة الفقهية تنص علي انه( من فقه الرجل قصر الخطبة وطول الصلاة) وهذا القرار اقتداء بسيدنا محمد, صلي الله عليه وسلم, وكان النبي, صلي الله عليه وسلم يلقي خطبته كلمات معدودة يعدها العاد, من أجل أن يفهمها الناس, ويحفظوا توجيهات النبي, صلي الله عليه وسلم, ومعلوم أن كثر الكلام ينسي بعضه بعضا, ودراسات علم النفس تؤكد أن العقل البشري يستطيع التركيز بنسبة تامة في أول عشر دقائق, ثم يقل التركيز تدريجيا, فالخطيب البارع هو الذي يستغل ذلك كله بحسن تصرف ليوصل معلومته, وفكرته إلي المستمعين, فإن أطال عليهم ساعة أو يزيد, فقد أتعب الناس وشتت أفكارهم وجعلهم يشعرون بالملل, ومن الناحية العملية نجد أن الخطباء الذين يطيلون في خطبهم يكررون ما يقولون, ويشتتون المستمعين, ويخرجون بهم من موضوع إلي آخر, وهذا لا يعد من الكفاءة العلمية, ويجب علي الخطيب بذل الجهد في تحديد فكرته والتركيز علي موضوع معين يريد توصيله للمستمعين, فخطبة الجمعة ليست عرضا فقهيا لمسألة من المسائل والأخذ بالرد عليها, ولكنها طرح فكرة تمس واقع الناس وتمس حياتهم ويهمهم علاجها من الكتاب والسنة, وهذا هو الفارق بين الخطيب المتميز الذي يجذب الناس, والخطيب الذي يمل الناس منه. وأوضح أن الخطاب الديني في حاجة إلي تطوير, وذلك بأن نرده إلي ما كان عليه الحال في عهد النبي, صلي الله عليه وسلم, وسنة الخلفاء الراشدين, ولا ينبغي أن يشتت الخطيب المستمعين, ولا أن ينقلهم إلي قضايا فيها الكثير من الأخذ والرد, وخطبة الجمعة موعظة وإمتاع وإقناع, يتم عرض الفكرة في ثلث ساعة بحد أقصي, وخطب الحرمين الشريفين, لا تزيد علي هذا الوقت, والمشكلة أن هناك بعض الناس تعودوا علي سماع من يفسد ذوقهم من غير المتخصصين, فصاروا يستمتعون بالخطأ ولا يذوقون الصواب كمن تعود شرب اللبن المغشوش, فصار لا يتذوق النقي منه. رأي معارض وإذا كان قرار وزارة الأوقاف وجد مؤيدين من الأئمة وعلماء الأزهر,فان المعارضين يرون عكس تلك المبررات السابق ذكرها, ويوضح ذلك الدكتور السعيد محمد علي من علماء وزارة الأوقاف وخطيب مسجد الإمام الحسين سابقا, قائلا: أن خطب النبي, صلي الله عليه وسلم كانت كلها موجزة, وذلك لأنه أوتي جوامع الكلم, وهذا معناه أنه صلي الله عليه وسلم, يتكلم بالكلام البسيط القليل الذي يحوي الكثير من المعاني, ونظرا لأن الصحابة, رضي الله عنهم, كانوا من البراعة في اللغة علي قدر كبير, فلم يكونوا بحاجة إلي شرح وإطناب, إذن الداعي والمتلقي علي قدر واف من الإلقاء والتلقي, وكيف لا وهم قد فهموا مراد الله في كتابه ومراد النبي, صلي الله عليه وسلم, في بيانه, ومعلوم أن القرآن أبلغ كلام, وأفصح بيان من أي كلام آخر, في تحديد زمن الخطبة لابد من إدراك بعدين مهمين, أولهما, مدي إمكانية الخطيب, وقدراته البلاغية والخطابية, واستطاعته جمع العديد من المعاني في أقل وقت ممكن, وللأسف الغالبية العظمي ليسوا من أهل الكفاءة العالية, لأنهم لا يستطيعون صياغة الأفكار والعناصر التي تشتمل عليها الخطبة في هذا الوقت الوجيز, مع الأخذ في الاعتبار أن هناك طائفة أو شريحة من الأئمة وخاصة في المساجد الكبري حاصلين علي( الدكتوراه والماجستير) وهم عدد لا يتجاوز الخمس تقريبا, ولذلك يجب أن نمد في الوقت بقدر خطبة النبي, صلي الله عليه وسلم, حيث قدر العلماء خطبة النبي, صلي الله عليه وسلم, بركعتين في خشوع, وهو ما يساوي ثلث ساعة, ويجب أن تكون الخطبة مركزة وتساوي هذا القدر, فعلي الأئمة إدراك هذا الوقت, وما يقتضيه من تركيز في الأداء والتحضير الجيد, وأطالب بأن يتم تدريب الأئمة تدريبا عمليا علي هذا الأداء الجيد المركز من علماء وزارة الأوقاف, وأساتذة الدعوة بجامعة الأزهر, وأن يكون الأئمة علي مستوي الخطاب الديني المستنير, حتي ننهض بالمجتمع ونخطو بالوطن إلي أحسن حال, وثانيها, يتعلق بالجمهور المستمعين ورواد المساجد, فيجب أن نعلم أن العامة والغالبية العظمي من جمهور الناس دون المستوي نظرا للأمية المتفشية في المجتمع, وهذا يدعونا أن ننزل بالخطاب الديني إلي مستواهم, حتي نستوعب الصغير منهم والكبير, والأمي والمتعلم, والمثقف, وهذا يتعلق أيضا بموضوع الخطبة, ووقت الخطبة, وطريقة الأداء, وهو ما يحمل عن أن الأمي بحاجة أكثر من المثقف إلي قدر كبير من البساطة والوضوح في الخطاب الديني, ويدعونا إلي التبكير إلي المساجد وهو سنة عن النبي, صلي الله عليه وسلم, حتي يتمكن من متابعة الإمام منذ اللحظة الأولي لارتقائه المنبر. وأضاف: يمكن الاستدلال هنا بزمن خطبة الوداع التي ألقاها النبي, صلي الله عليه وسلم, يوم عرفة في العام العاشر من الهجرة علي مسامع100 ألف صحابي كانوا يحجون معه والتي تعد من الخطب الشهيرة التي أطال النبي, صلي الله عليه وسلم, فيها الخطاب, ورغم ذلك كانت خطبة جامعة لأهم القضايا التي تعترض حياة الأمة وكافة شئونها, بما في ذلك أمر الأمة والأسرة والفرد والمجتمع, وعلي ذلك فإذا اقتضي الأمر إطالة الخطبة فمن الممكن أن نستدل بخطبة النبي يوم عرفة والتي قد يصل وقتها إلي نصف ساعة فقط, وعلي الإمام أن يكون قدوة للمجتمع في تحمل مسئولية أمانة الكلمة وهدي النبي, صلي الله عليه وسلم. الأمية الدينية وفي سياق متصل يؤكد الدكتور صابر أحمد طه عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن هذا الوقت الذي حددته الوزارة لخطبة الجمعة غير كاف, لاسيما في هذه الآونة المملوءة بالمشاكل المتشابكة, ويذهب الجمهور إلي المساجد لسماع الرؤية الصحيحة الصادقة الوسطية من دعاة الأزهر الشريف, ويضيف الدكتور صابر مؤكدا أن السنة النبوية هي قصر خطبة الجمعة, وهذا من فقه الداعية, ولكن متي يكون هذا؟ إذا كنا في مجتمع مثالي ملتزم يحافظ علي الدروس والندوات التي تقام في المساجد وفي أندية الشباب, أما إذا كان المجتمع لاهيا وعنده أمية دينية ولا يهتم بالثقافة الإسلامية فعندئذ, علي الداعية أن ينتقي موضوعات تعالج قضاياه بشريطة ألا يطيل فيها إطلالا مملا ولا يوجز فيها إيجازا مخلا, وعلي هذا فإننا نري أن هذا الوقت غير كاف الآن نظرا لما نعيشه في مصر وسبق الإشارة إليه. تدريب الدعاة أما الشيخ أحمد ربيع الإمام والخطيب, بأوقاف القاهرة, فيؤكد أن دور الخطيب صناعة القلب السليم والعقل المستنير, فلا ينبغي له أن يعرض قضية ما إلا إذا كان ممتلئ القلب بالعاطفة وممتلئ العقل بالمعرفة, فتأتي المعالجة القوية في أقل عبارة وأحسن إشارة وما طالت خطبته, فقد روي الإمام مسلم في صحيحه عن أبي وائل قال: خطبنا عمار, فأوجز وأبلغ, فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت, فلو كنت تنفست- أي أطلت قليلا- فقال: إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم, يقول:( إن طول صلاة الرجل, وقصر خطبته, مئنة- أي علامة- من فقهه, فأطيلوا الصلاة, واقصروا الخطبة, وإن من البيان سحرا), وبالنظر إلي واقعنا فمن العجيب أننا ننشغل بتقصير الخطبة وليس بمضمون الخطبة, فنحن نهتم بالشكل علي حساب المضمون,وننشغل بطول الكلمة وقصرها ولا ننشغل بالمتكلم بعقله وفهمه وقدراته ومعارفه وملكاته ومنهاجه. وأضاف: أن الخمسة عشر دقيقة أو الثلث ساعة عند ذلك تكون كثيرة, ولكن الواقع غير ذلك, لأن وصول الخطيب بهدفه في هذه المدة القصيرة يحتاج من وزارة الأوقاف إلي برامج لبناء وتنوع الوعاء المعرفي للدعاة, وأن تعمل علي صناعة عقل الداعية صناعة متقنة, لأن صناعة عقل الداعية صناعة لعقل الأمة, كما أن مدة الخطبة وقصرها هو قرار الإمام وهو علي المنبر بالنظر إلي أحوال سامعيه.