اكملت الأممالمتحدة اليوم عامها الثامن والستين.. لكن يبدو أنها لم تتعلم من أخطائها. فقد تأسست المنظمة العجوز في24 أكتوبر عام1945 لإحلال السلام وحماية حقوق الإنسان, ولكن هل مازالت تحترم الأهداف التي أنشئت من أجلها, أم تخلت عن مسئولياتها؟ هل استطاعت أن تكون قدوة للإنسانية أم كانت أول من يهرب من تحمل عواقب أفعالها؟.. فمع إحياء ذكري تأسيسها, مازالت أكبر كتلة دولية متخبطة في مهامها وكان آخرها في هايتي التي أرسلت لها قواتها منذ عشر سنوات لحماية الأبرياء ورعايتهم. ومع تراكم سلسلة الفضائح هناك, تحولت مهمتها التي تهدف في الأصل إلي إحلال الخير إلي كابوس يفرضه أي احتلال غاصب. ولكن لم يعد بالإمكان السكوت علي ذلك, وهو ما دفع فريقا من المحامين إلي رفع دعوي قضائية فريدة من نوعها ضد حامية حمي العالم بسبب' مساهمتها الفعالة' في نشر وباء الكوليرا في هايتي الذي أودي بحياة ما لا يقل عن8 آلاف شخص, ناهيك عن إصابة مئات الآلاف الآخرين منذ عام.2010 والغريب أن هذه الدعوي التي رفعها محامو الضحايا أمام محكمة في الولاياتالمتحدة جاءت في الأسبوع ذاته الذي صوت فيه مجلس الأمن الدولي علي مد مهمة قوات حفظ السلام في هايتي لمدة عام آخر, رغم أن- وباعتراف بريطانيا- هذا القرار لا معني له لأن هايتي ببساطة لاتواجه صراعات عسكرية! وهذه ليست المرة الأولي التي تخفق فيها بعثة الأممالمتحدة في مهمتها في هايتي منذ عام2004 بما في ذلك حالات متكررة من الاعتداء الجنسي. ففي الشهر الماضي, أكدت فتاة من هايتي تبلغ من العمر18 سنة أن جنديا من سريلانكا اقتادها إلي إحدي الطرق بحجة تفتيشها ثم اغتصبها. ولعل أكبر فضيحة هي الأخيرة التي تتعلق بتفشي وباء الكوليرا, فبينما تنفي الأممالمتحدة أي صلة لها بتفشي المرض, أكدت الدراسات العلمية أن إلقاء جنود تابعين للأمم المتحدة لمخلفاتهم ونفاياتهم في الأنهار والمصارف المائية في البلاد هو المصدر الأكثر احتمالا لتفشي هذا المرض المعدي. فما كان من محامي الضحايا إلا رفع قضايا مطالبين بتعويضات هائلة, لكن المنظمة الدولية صاحبة المثل العليا والقيم السامية ردت قائلة وبعد فترة طويلة, إن هذه الدعاوي غير مستحقة نظرا لما تتمتع به المنظمة الكبري من حصانة دبلوماسية تحميها من مثل تلك الاتهامات!! وإضولم تكتف بذلك بل أكدت أنها لن تناقش الدعوي, ولكنها تعهدت ببذل كل ما في وسعها' لمساعدة شعب هايتي التغلب علي وباء الكوليرا'. وبناء عليه فلم يتطرق مجلس الأمن الدولي إلي مسألة الكوليرا خلال التصويت علي مد مهمة بعثته. وهكذا أظهرت الأممالمتحدة أن أولوياتها تنحصر في توفير مئات الملايين من الدولارات لعملية حفظ السلام في هذا البلد الذي لم يشهد حربا, لكنها ترفض تعويض الضحايا عن أخطاء جنودها التي يروح ضحيتها ألف شخص سنويا. لكن بعض المحللين يرون أن للحقيقة وجه آخر, حيث إن هذه الدعاوي قد تقوض قدرة الأممالمتحدة علي التدخل في جميع أنحاء العالم وتنزع الخوف من مقاضاتها... ولكن الضغوط تتزايد. وجدار الصمت والإنكار الذي تتحصن خلفه الأممالمتحدة عن قضية الكوليرا أوشك أن يتصدع للمرة الثانية. وأصبح للضغوط داعمون كبار منهم نافي بيلاي المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أكدت مساندتها لضحايا الكوليرا وحقهم في الحصول علي تعويض.