أثارت مبادرة الحكومة بفرض التسعيرة الجبرية علي مختلف السلع, حالة من الجدل بين المواطنين والتجار, فالبعض يري أنها ضرورة لمواجهة الفوضي في الأسواق. والتي جعلت التجار يرفعون الأسعار بصورة أثرت بشكل كبيرعلي الحالة المعيشية للأسرة المصرية, والبعض الأخر يرفض التسعير لأنه يؤدي لغياب السلع بشكل متعمد من جانب التجار. أما علماء الدين فتباينت آراؤهم حول التسعير, وانطلقت بعض الفتاوي عبر الفضائيات تؤكد عدم مشروعية التسعير, بينما أفتي آخرون بصحة التسعير في الأشياء المكيلة والموزونة, والبعض الآخر يري حرمة التسعير, لأنه يؤدي للإحتكار, وللخروج من هذا الجدل الفقهي طالب العلماء بضرورة أن تقوم الدولة بإحكام الرقابة علي الأسواق والأسعار بشكل يومي, وأن تكون هناك عقوبات شديدة علي كل من يتلاعب بالأسعار, لأن الدولة مسئولة عن حماية محدودي الدخل وتوفير السلع الأساسية لهم. يقول الدكتور علوي أمين, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, إن البيع والشراء مباح وللحاكم أن يقيد المباح, فإذا وجد الحاكم أن التجار يرفعون الأسعار دون أسباب عليه أن يتدخل, وذلك للحفاظ علي حياة البسطاء ومحدودي الدخل, وهذا أمر ضروري ولا حرج فيه, لأن بعض التجار يرفعون الأسعاربشكل كبير, وهذا يؤثرعلي الحياة المعيشية للفقراء, فكيف يعيش البسطاء في ظل تصرفات بعض التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل غير مبرر؟, ولذلك لابد أن تتدخل الدولة للحفاظ علي المواطنين وحمايتهم من خلال ضبط الأسعار, فالإسلام ينهي عن الاحتكار والتخزين, وذلك بهدف توفير السلع للمواطنين, لأن غلاء الأسعار دون سبب حرام شرعا, ولا يجوز أن يقوم التجار برفع الأسعار بشكل غير مبرر, وإذا حدث ذلك لابد أن تقوم الدولة بدورها, ولابد أن يعلم التجار أن هذه أمانة وكل إنسان عليه أن يقوم بدوره بما يرضي الله عز وجل, لأن التاجر الصدوق يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء. خلاف فقهي ويؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر, أن العلماء اختلفوا في حكم التسعير, فمنهم من يري حرمته, وأنه يجب أن يترك الناس يبيعون كيف يشاءون, لتتحدد أسعار السلع في الأسواق وفق نظام العرض والطلب, واحتجوا بحديث أبي هريرة أن رجلا جاء فقال: يا رسول الله سعر لنا, فقال: بل أدعو, ثم جاء رجل فقال: يا رسول الله سعر, فقال: بل الله يخفض ويرفع وإني لأرجو أن ألقي الله وليس لأحد عندي مظلمة, ويري المالكية أنه يصح التسعيرفي الأشياء المكيلة والموزونة سواء كانت مأكولا أم غير مأكول من المبيعات, لأن المكيل والموزون يرجع فيه إلي المثل, فوجب أن يحمل الناس علي سعر واحد فيه, بخلاف غيره فإنه يرجع فيه إلي القيمة, وهي تختلف فيه, ويري بعض العلماء أنه يصح التسعير في كل المبيعات ماعدا قوت الآدمي, والرأي الذي أري رجحانه من هذه المذاهب هو ما ذهب إليه الجمهور, من حرمة التسعير, لما استدلوا به علي مذهبهم, ولأنه من قبيل أكل أموال الناس بالباطل, إذا كانت السلعة قد اشتراها التاجر بأعلي من السعر الجبري, فضلا عن هذا فإن التسعير قد يؤدي إلي احتكار هذه السلع تحينا لارتفاع أسعارها وفقا لنظام العرض والطلب, وقد اعتبر رسول الله صلي الله عليه وسلم التسعير ظلما, والظلم حرام فكان التسعير محرما كذلك. دور الدولة وأضاف: أن ما يحدث اليوم في مصر أن كثيرا من الباعة قاموا بالمغالاة في أسعار سلعهم, متعللين في ذلك بعلل شتي يعلم القاصي والداني بطلانها, ولكنه الجشع والرغبة في الكسب السريع, ولو كان علي حساب حياة المطحونين من فئات المجتمع الكادح, وهذا يقتضي تدخل الدولة في تحديد أسعار ما تشتد حاجة الناس إليه من طعام وشراب وكساء ودواء, ومراقبة الأسواق مراقبة شديدة, حتي لا تحدث مخالفة من أحد في بيع ما حدد ثمنه, رفقا بأحوال الناس, وفي هذا الصدد يشرع لولي الأمرأن يعاقب المخالف بالعقوبة التعزيرية المناسبة, كمصادرة السلعة التي تباع بأعلي من التسعيرة المحددة, أوتغريم بائعها, أوحرمانه من بيعها في السوق, أوالاستيلاء علي السلعة من قبل الجهات المعنية, لتتولي الدولة بيعها عن طريق المنافذ المخصصة لبيع أمثالها, إلي غير ذلك من صور العقاب, استئصالا لشأفة المغالاة في أسعار السلع, وتمكينا لذوي الدخول المحدودة من إشباع حاجاتهم.