تنظر اليوم محكمة القضاء الإدارى الدعوى القضائية، التى رفعتها حركة «مواطنون ضد الغلاء»، ضد الحكومة لمطالبتها بفرض تسعيرة جبرية على السلع الرئيسية التى شهدت أسعارها قفزات واسعة غير مبررة خلال الفترة الماضية. كانت هيئة مفوضى الدولة فى محكمة القضاء الإدارى قد أقرت الدعوى التى رفعتها الحركة وأصدرت قرارا الشهر الماضى بإلزام الحكومة، ممثلة فى رئاسة مجلس الوزراء، بوضع تسعيرة جبرية للسلع الأساسية والمنتجات الاستراتيجية، بينها الزيت والسكر والأرز واللحوم، والأسمدة، والحديد والأسمنت. هذه «الخطوة تعد الأولى فى مشوار الألف ميل»، كما جاء على لسان محمود العسقلانى، المتحدث باسم حركة «مواطنون ضد الغلاء»، واصفا قرار هيئة مفوضى الدولة بالإيجابى ومؤكدا أهميته باعتباره «إقرارا من كيان مهم فى القضاء، وقراراته فى كثير من الأوقات تعد تمهيدا لصدور حكم أو على الأقل لمناقشة القضية على نطاق واسع كما كان الحال فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل. وهيئة مفوضى الدولة هى أحد أطراف القسم القضائى بمجلس الدولة وتقوم بإعداد تقارير فى الدعاوى التى تحال اليها ضد قرارات الدولة، بما فى ذلك القرارات السلبية أى عدم صدور قرارات. وتستند حركة «مواطنون ضد الغلاء» فى دعواها التى تقدمت بها للقضاء الإدارى يوم 11 مارس، على ما تنص عليه المادة العاشرة من القانون رقم 3 لسنة 2005 الخاص بحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والتى تجيز لرئيس الوزراء فرض تسعيرة جبرية على التجار فى حالة الضرورة. «انتهى عهد التسعيرة الجبرية مع بداية تطبيق سياسة الاقتصاد الحر، ولكن مع ارتفاع الأسعار والغلاء الاذين طحنا الشعب المصرى»، وفقا للعسقلانى، «بات ضروريا إعادة تطبيقها لإنقاذ المستهلك المصرى من جشع التجار والمحتكرين الذين لا يفكرون سوى بمضاعفة أرباحهم على حساب الشعب البسيط»، كما جاء على لسانه. ويرى العسقلانى أن «التسعيرة الجبرية هى الآن الوسيلة الوحيدة التى ستسمح بإعادة الانضباط إلى الأسواق، بعد شيوع حالة من الفوضى العارمة على خلفية انسحاب الحكومة من أداء دورها وتسابق المنتجين ورجال الأعمال فى جمع أرباح طائلة وغير مبررة». والتسعيرة الجبرية، هى سعر تحدده الحكومة لبعض السلع الأساسية، إذا ما ارتفعت أسعار السلع الأساسية التى يستخدمها المواطن لتصل إلى مستويات تهدد أمن المستهلك، والهدف منها هو الحد من مغالاة التجار فى رفع الأسعار. فبرغم انخفاض الأسعار عالميا فى عام الأزمة، لم ينعكس ذلك على أرقام التضخم فى مصر حيث بلغ التضخم السنوى على مستوى الحضر فى شهر سبتمبر 10.8% وكان السبب الأساسى فى هذا الارتفاع يرجع إلى ارتفاع مؤشر الطعام والشراب الذى سجل خلال سبتمبر ارتفاعا على مستوى الحضر بنسبة 3.7%. وقد كشفت الأرقام القياسية لبعض السلع، وفقا لبيان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، عن ارتفاع معدل التغير فى أسعار اللحوم والدواجن والأسماك الطازجة والطماطم والبطاطس والبصل بمعدلات تبدأ من 11.6 % فى اللحوم وتصل إلى 94.5% فى البصل. وبالإضافة إلى السلع الغذائية، سجلت كثير من السلع مثل الأسمنت ارتفاعا ملحوظا نتيجة زيادة الطلب عليه ليقترب فى الأشهر التى سبقت رمضان من ال600 جنيه فى كثير من محافظات القاهرة، كما عاودت أسعار الحديد الصعود بعد اختفاء الحديد التركى. وقد قالت الهيئة فى تقريرها الذى أودعته أمام المحكمة بالرأى القانونى فى الدعوى التى أقامتها حركة «مواطنون ضد الغلاء» إن مصر تتبع حاليا نظام السوق الحرة الذى لا يوجد فيه أى قيود على المنافسة وتداول السلع فى الأسواق، إلا أن هذا النظام الاقتصادى لا يعنى انعدام رقابة الدولة على الأسواق لضبط حركتها ومواجهة زيادة معدلات التضخم وحالات احتكار السلع والمنتجات الضرورية للمواطن. المستهلك لن يستفيد من عودتها إعادة تطبيق التسعيرة الجبرية ليست الوسيلة المثلى لمحاربة الغلاء، ولن تحقق هدف المستهلك، تبعا لتقدير. أحمد جويلى، وزير التموين السابق مدللا على ذلك بتجربته حين كان وزيرا للتموين واضطر إلى إلغاء التسعيرة الجبرية على خمس سلع أساسية. ويوضح جويلى أنه فى حالة زيادة المعروض من سلعة من السلع، سينخفض سعرها عن التسعيرة التى تضعها الحكومة، ويظل التاجر يبيع بنفس السعر المرتفع، أما إذا قل المعروض، سيحدث العكس، وفى هذه الحالة سيظهر على الفور السوق السوداء، والوضع فى الحالتين ليس فى صالح المستهلك، تبعا للجويلى. ويتفق وزير التجارة والصناعة، رشيد محمد رشيد مع جويلى، «التسعيرة الجبرية فشلت فى الدول التى تأخذ بنظام السوق الحرة لأن أضرارها أكثر من فوائدها فهى تشجع تهريب السلع بل واختفاءها فى كثير من الأحيان وقيام السوق السوداء بسعر أضعاف السعر المعلن». تبعا لما جاء على لسان رشيد فى تصريحات خاصة ل«الشروق». ويرى رشيد أن قرارات الحد من تصدير بعض السلع (التى نحقق فائضا فى إنتاجها) وكذلك تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على بعض السلع الأساسية كلها آليات بديلة قد أسفرت بالفعل عن انخفاض أسعار هذه السلع كالأرز والزيوت والأسمنت بنسب تراوحت بين 10 و25%. ويتفق محمد المصرى، رئيس اتحاد الغرف التجارية، مع ضرر تطبيق سياسة التسعيرة الجبرية مرة ثانية، مشيرا إلى أن رفع مستوى الأجور الذى لا يتناسب مع ارتفاع نفقات المعيشة قد يكون حلا للمشكلة. وفى الوقت نفسه، يرى المصرى أن المستهلك أيضا له دور مهم فى الحد من الارتفاع فى الأسعار وهو أن يقوم بمقاطعة التجار الذين يبالغون فى الأسعار، ف«المنافسة التى تفرضها السوق الحرة من شأنها الحد من هذا الارتفاع، ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا شعر التاجر الذى يبيع بسعر أعلى أن بضاعته ستتكدس لديه ولن يتم بيعها»، يقول المصرى مدللا على كلامه بالحديد الذى انخفض سعره إلى ما يقرب من النصف حين تم فتح باب الاستيراد واشتعلت المنافسة فى السوق. ويتساءل العسقلانى عن الصعوبة فى تطبيق التسعيرة الجبرية وإن كانت حكومة نظيف، أى حكومة الاقتصاد الحر نفسها، بحسب تعبيره، هى التى صاغت هذه المادة، قائلا «هذا هو الحد الأدنى الذى يمكننا من تنظيم السوق، فدور الدولة مثل «شرطى المرور»، عليها أن تستخدم الآليات التى تمكنها من إدارة السوق و«الحد من الحجم التضخمى للأرباح»، بحسب العسقلانى. تسعيرة جبرية غير مباشرة ويقول محمد أبوشادى، رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التجارة، إنه حتى إذا كانت مصر تطبق سياسة الاقتصاد الحر، فإنها لم تتخل عن محدودى الدخل، مشيرا إلى أن هناك تسعيرا جبريا غير مباشر لبعض السلع الأساسية مثل العيش، والدقيق والقمح، والسولار والبوتاجاز. بالإضافة إلى ذلك، يشير أبوشادى إلى وجود 63 مليون مستفيد من البطاقات التموينية، أى 85% من حجم المستهلكين، يحصل كل واحد منهم على كميات من السلع الأساسية المدعومة قائلا: «إذا كان السواد الأعظم من المجتمع المصرى يستفيد من السلع المدعومة، فمن الطبيعى أن يكون هناك 15% من المجتمع قادرين على تحمل النفقات»، يقول أبوشادى مستبعدا أن تصدر المحكمة حكما بتطبيق التسعيرة الجبرية. «ولكن فى حالة إصدارها سنطبقها وسيعرف الشعب حينئذ أضرارها»، يقول أبوشادى. وقضية التسعيرة الجبرية، والتى يطالب بها فئة من الشعب، لحماية محدودى الدخل، لم تلق أيضا تأييدا من الخبراء فى السوق، فكما تقول عالية المهدى، «لا يجوز تطبيقها لأن عهد الدلالات سيعود على الفور قائلة إن تطبيقها لا يكون إلا لصالح طبقة محدودة، وقد لا يأتى بالهدف المنشود منها»، كما جاء على لسانها مشيرة إلى أن الدول التى قامت باستخدامها لم تلجأ إليها إلا فى وقت الحروب.