الارتفاع فى الأسعار هو الشغل الشاغل لغالبية الشعب، لا يمر يوم إلا ويرتفع سعر سلعة هنا أو هناك، فيما يحلم الناس بالتسعيرة الجبرية خاصة للسلع الاستهلاكية الأساسية والاستراتيجية على الأقل.. وقد قامت حركة "مواطنون ضد الغلاء" برفع دعوى ضد رئيس الوزراء د. أحمد نظيف بصفته تطالب فيها بتطبيق التسعيرة الجبرية على السلع الأساسية.. الدعوى أقيمت فى بداية 2008 وتأجلت أكثر من مرة.. ويعلق محمود العسقلانى المتحدث باسم الحركة أن الحكومة ليس لديها ما تقوله خاصة أن الحركة ترفع دعواها وهى مستندة إلى أبجديات الاقتصاد الحر، وإلى المادة رقم 10 من القانون رقم 3 لسنة 2005 الذى وضعته الحكومة من أجل حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، والذى يجيز لمجلس الوزراء فرض تسعيرة جبرية فى مثل هذه الظروف. وكانت هيئة المفوضية بمحكمة القضاء الإدارى قد أصدرت تقريراً قانونياً طالبت فيه بتحديد أسعار السلع الغذائية الأساسية والمنتجات الاستراتيجية وبأن نظام اقتصاد السوق الحر الذى تتبعه مصر لا توجد فيه أية قيود على المنافسة وتداول السلع فى الأسواق إلا أن نظام اقتصاد السوق الحر لا يعنى انعدام رقابة الدولة على الأسواق وضبط حركتها، ومواجهة زيادة معدلات التضخم وحالات احتكار السلع والمنتجات الضرورية للمواطن. وقد تحددت جلسة 20 أكتوبرالمقبل بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة لنظر الدعوى وتلقى رد الحكومة. د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع أكد أن التسعيرة الجبرية ليست حلما، لكنها فريضة، لأن الدستور ينص على كفالة حياة كريمة للمواطنين، ومثل هذه الحياة، لا تتحقق إلا بتوفير السلع بشكل أساسى وبسعر رخيص وحمايتها من المضاربة، وإن لم تتدخل الدولة ضد الفاسدين من كبار التجار سيقوم هؤلاء بإزهاق آخر أنفاس المواطنين.. وعلى الدولة أن تستورد بنفسها السلع الأساسية وتوفرها للمواطن بسعر مناسب. السؤال المطروح الآن: هل يمكن للتسعيرة الجبرية أن تعود فى ظل نظام اقتصادى حر.. وما هى البدائل لحماية المواطنين؟ د. أحمد الجويلى- وزير التموين الأسبق- والذى عاصر التسعيرة الجبرية- يجيب بقوله: إن التسعير الجبرى ليس أسلوبا صحيحا فى إدارة الاقتصاد حاليا ولا سابقاً لأنه يضر بالمستهلك سواء ارتفعت أسعار السلع أو انخفضت.. والناس تعتقد إنه فى مصلحة المستهلك وهذا اعتقاد خاطئ.. لأنه عند وضع تسعيرة جبرية لسلعة ثم يرتفع سعرها لأسباب متعددة تختفى من السوق، ويبدأ ظهور السوق السوداء لهذه السلعة، ويتم بيعها بأسعار تكون غالبا أعلى من الزيادة الطبيعية فى تكلفة إنتاجها.. وفى المقابل إذا تم تسعير سلعة وزاد إنتاجها والمعروض منها مما أدى إلى انخفاض سعرها فإن التسعيرة الجبرية مستمرة ولا يستفيد المواطن من هذا الانخفاض فى سعرها.. فالسيطرة على الأسعار تتحكم فيها ثلاثة عناصر هى العرض والطلب والمخزون.. ودور الحكومة يتمثل فى زيادة المعروض فى السوق، وأن يكون لديها مخزون يسمح لها باستمرار بمد السوق باحتياجاتها، وهذا لا يحمل الخزانة العامة أية أموال، حيث إنها تزيد المعروض فقط. ففى نظام الاقتصاد الحر، وبالرغم من عدم وجود أى تحكم إدارى من الحكومة فى الأسعار بقرارات وزارية توجد به إجراءات أخرى غير مباشرة لضبط الأسواق تقوم بها الحكومة مثل زيادة الإنتاج وزيادة المعروض والاستيراد لعمل توازن فى السوق. ينقلنا د. على لطفى رئيس وزراء مصر الأسبق لنقطة أخرى بقوله : لا أعتقد عودة التسعير الجبرى لسبب بسيط وهو أن عملية تحديد سعر السلعة يرجع فى الأصل إلى العرض والطلب.. فإذا زاد العرض سواء عن طريق الإنتاج أو الاستيراد انخفض سعر السلعة.. وإذا ارتفع سعر السلعة ووضعت الدولة تسعيرة جبرية لها سيتكالب عليها الأفراد ويشترى البعض كميات كبيرة منها ويبدأ فى بيعها بسعر أعلى لمن يريد، وتظهر السوق السوداء وتكون النتيجة أن المنتج الجاد أو المستورد لا يستطيع أن يحقق ربحا منها فيتوقف عن إنتاجها أو استيرادها.. ولو عدنا إلى الماضى أيام التسعيرة الجبرية لوجدنا أن الدلالات هن من سيطرن على السوق وقمن ببيع السلع المسعرة بأسعار أعلى وظهرت السوق السوداء.. التسعير ليس هو الحل.. وإنما منع الممارسات الاحتكارية الضارة لأن الاحتكار يؤدى إلى رفع الأسعار.. لدينا قانون حماية المنافسة، ومطلوب تفعيله، وتدريب العاملين على تنفيذه لتكون له فعالية فى منع الممارسات الاحتكارية ثم يأتى تفعيل دور جهاز حماية المستهلك الذى تم إنشاؤه أيضا بقانون ويمكنه أن يلعب دوراً أكبر مما يفعل الآن و تشجيع الاستيراد فى حالة عدم كفاية الإنتاج حتى لا يتحكم أحد فى السوق ويرفع الأسعار. ويطالب د. على لطفى بإجراء آخر من الحكومة - بإصدار قرار بمنع تصدير بعض السلع إذا ما احتاجت السوق المحلية لها مثلما فعلت فى منع تصدير الأسمنت.. مع تشجيع الاستثمار لزيادة الإنتاج وخفض أسعار السلع، وهكذا هناك وسائل وطرق كثيرة غير التسعير الجبرى يؤدى إلى خفض أسعار السلع لأن التسعيرة الجبرية لم تعد متوائمة مع نظام الاقتصاد المفتوح الذى يطبقه العالم أجمع الآن. في المقابل تتفق د. يمن الحماقى- أستاذ الاقتصاد بتجارة عين شمس- مع عدم إمكانية تطبيق التسعيرة الجبرية الآن بقولها : إن هذا النظام كانت له آثار مدمرة على الاقتصاد المصرى إلا أن هناك بدائل للتسعيرة مثل عمل مرصد للأسعار وحساب التكاليف لمعرفة تكلفة الإنتاج لكل سلعة خاصة السلع الرئيسية الغذائية. فالغرفة التجارية فى القاهرة قد تبنت هذا المشروع لرصد تكلفة إنتاج السلع الأساسية ومعرفة متوسط هامش السعر الذى يحصل عليه التاجر لتحديد سعر السلعة والاطمئنان على عدم وجود احتكارات أو ممارسات سلبية على المستهلك.. لأن فرض تسعيرة جبرية على السلعة يؤدى إلى اختفائها وظهورها للأغنياء مثلما كان يحدث فى الماضى عند طرح فراخ الجمعية المستوردة كانت تحصل عليها الفنادق بالرشاوى.. فالتسعيرة الجبرية نظام فاشل.. ويوجد لدينا الآن جهات كثيرة تعمل فى مجال ضبط الأسواق، لكنها فى حاجة إلى تفعيل.. وقد جربنا فى شهر رمضان بفتح منافذ بيع مؤقتة لعرض السلع بسعر المصنع وحققت نجاحا كبيرا خاصة فى الموسكى.. فقد تبرعت الغرفة التجارية بإقامة هذه المنافذ وقام الحزب بالاتصال بالتجار لعرض السلع بسعر المصنع بعد تحقيق هامش الربح، وبذلك تلافينا ربح تاجر الجملة وتاجر التجزئة وخرجنا من التجربة بأن المصنع كسبان والمستهلك كسبان، ونحاول الآن تعميم التجربة بفتح منافذ دائمة فى بعض المناطق. وهناك جهود أخرى تقوم بها جمعيات حماية المستهلك حاليا لتحقيق نفس الهدف عن طريق رصد الأسعار فى محلات تجارة الجملة وتوعية المستهلك بها إلا أن سبب استمرار الأزمة يرجع لعدم وجود قوة للمستهلك لأن هذه سلع أساسية لا يمكنه الاستغناء عنها.. والحل هو زيادة المعروض من السلع لخفض أسعارها. وهنا يقترح الدكتور جودة عبدالخالق- أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة- رأيا آخر بقوله: نحن لم نخترع نظام الاقتصاد الحر الذى نطبقه الآن بل أخذناه عن البنك الدولى وصندوق النقد وأمريكا.. ومن ابتدع هذا النظام يعطى للدولة حق التدخل بالتسعير، لأن هناك فرقا بين الحرية والفوضى فى إطار القواعد.. ولكن عندنا المسألة مختلفة فهناك عدد محدود من الأفراد محتكرون للاستيراد والتوزيع فى الأسواق الداخلية للإنتاج، وهم من يقررون : هل تنزل السلع إلى الأسواق أم لا.. وهذا غير موجود فى نظام الاقتصاد الحر. وللسيطرة على الأسعار - يواصل د. جودة - شقان الأول يتمثل فى قيام الدولة بدورها فى الرقابة على الأسواق، ولعمل هذه الرقابة عليها أن تعلن أن هناك تسعيرة جبرية وتراقب تنفيذها. والشق الثانى أنه على المواطنين أن يدافعوا عن حقوقهم فى التسعيرة فالمواطن هو أول من يدافع عن حقه وستكون المسألة متعبة فى البداية لكنه سينجح فى النهاية. ومن يدعى أن النظام الحر لا توجد فيه رقابة أو تسعيرة هو يغالط الناس ويستغل عدم معرفتهم بهذا النظام جيدا، وهؤلاء يعرفون هذا النظام جيدا وأن ما يقولونه ليس له علاقة بالاقتصاد.. و العالم لم يعرف التسعيرة الجبرية إلا فى الحرب العالمية الثانية عندما تم توجيه كل الموارد للحرب مما اضطر أوربا إلى توزيع السلع عن طريق كوبونات توزع على الأفراد ومع زيادة ندرة السلع بدأت تظهر السوق السوداء لمن يملك هذه السلع ويبيعها بسعر أعلى.