برغم أن الغرض الأساسي من إنشاء الجامع الأزهركان جعله قبلة لنشر المذهب الشيعي في العالم بعد فشل الدولة العبيدية المهدية في نشر التشيع انطلاقا من دولتهم الأولي في المغرب, إلا أن الأزهر سرعان ماتحول إلي أكبر جامعة لنشر المذاهب السنية, وذلك بعد أن انتهت الدولة الفاطمية العبيدية في مصر علي يدي الوزير ثم السلطان الناصر صلاح الدين في عام567 هجرية الموافق1171 ميلادية, فقد اضطر صلاح الدين في باديء الأمر لإغلاق الأزهر لرمزيته الشيعية وجعل معظم المساجد الأخري بمصر تدرس المذاهب السنية الأربعة حتي تولي السلطان الظاهر بيبرس حكم مصر و عادت صلاة الجمعة للأزهرالسني. ومن الإنصاف أن نذكر أن المماليك كان لهم الفضل الأكبر في تحول الأزهر إلي قلعة السنة في العالم الاسلامي, فقد اعاد بيبرس افتتاحه بعد قرن من اغلاقه علي يدي صلاح الدين و قام أحد أتباعه المماليك وهو الأمير عز الدين أيدمر بجمع ما تبدد من أوقاف الأزهر, وجدد سقوف الجامع وقام بتبليطه, كما قام الأمير بدر الدين بيلبك الخازندار الظاهري بانشاء رواق كبير أوقف عليه المزارع والعقارات, واشترط أن ينفق ريعها علي من ينقطع في هذا الرواق لقراءة القرآن الكريم وتدريس كتب السنة المحمدية, وتدريس فقه الإمام الشافعي, وكان هذا الرواق هو أول أروقة التدريس بالأزهر, وبداية تحوله إلي جامعة الاسلام الأولي عالميا. وعلي مدي العقود التالية تزايد اهتمام سلاطين المماليك ومن بعدهم الولاة العثمانيون, بالأزهر باعتباره قلعة السنة في العالم, لدرجة أن السلاطين العثمانيين دعوا المئات من علماء الأزهر جيلا بعد جيل للانتقال للعيش في عاصمة الخلافة الاسلامية لتدريس المذاهب السنية في مساجد ومدارس تركيا مثلما فعلوا مع البنائين والعمال المهرة المصريين الذين نقلوهم للعيش هناك لبناء المساجد والمدارس الدينية علي نفس طرز مساجد ومدارس مصر. ولم يتوقف السلاطين المماليك ومن بعدهم العثمانيون وغيرهم من أمراء وأثرياء الدولتين عن تقديم التبرعات والعطايا للأزهر والتوسع في مبانيه وأروقته ومدارسه لكي تستوعب طلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي, خاصة السني منه, فكانت أروقته تضم طلابا من شتي أرجاء المعمورة, ومن هذه الأروقة: رواق السودانية, ورواق المغاربة, ورواق الجبرت وكان خاصا بالطلاب القادمين من الحبشة وإريتريا والصومال, ورواق البرنو وكان يضم الطلاب القادمين من السنغال ونيجيريا وغينيا وغانا, ورواق تشاد, ورواق النوبة, ورواق اليمن, ورواق الشام, ورواق إندونيسيا, ورواق الهند, ورواق الحرمين, ورواق الأفغان. وبفضل هذه الأروقة انتشرت مذاهب الاسلام السني في العالم, فكان خريج الأزهر من أي بلد يعود إلي بلاده عالما يحج الناس من كل حدب وصوب إليه ليتعلموا علي يديه, بل ويتبركون منه وكان هؤلاء الطلاب الأزهريون بمثابة مدارس متنقلة للمذاهب السنية مما جعل طلابهم يتفاخرون بأنهم تعلموا علي يد من تعلم بالأزهر الشريف. ومع الأيام بدأ الأزهر يرسل علماءه المصريين لتدريس صحيح الدين في بقية دول العالم الاسلامي, فانتشر المذهب السني الوسطي المعتدل علي النهج الأزهري مصحوبا باحترام بالغ, بل ان العديد من الدول الاسلامية حول العالم مثل اندونيسيا وماليزيا بها مساجد ومقامات لمشايخ تخرجوا في الأزهر والذي بات بدوره العاصمة الدينية للخلافة الاسلامية العثمانية التي تضاهي في مكانتها العاصمة السياسية وهي الأستانة. وعندما فكر محمد علي باشا والي مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر في إرسال بعثات من الطلاب المصريين لتلقي العلوم المدنية الحديثة في أوروبا لم يجد أفضل من الأزهريين, مثل الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي, فقد ذهبوا لتلقي العلم الحديث وتدريس العلوم الدينية في آن واحد أو علي الأقل الدفاع عن الاسلام في مواجهة منتقديه غير العالمين به في أوروبا. ولكي نعلم مكانة الأزهر في نشر الاسلام السني في العالم, علينا أن نذكر أن هذه الجامعة الاسلامية العالمية كانت توفر الدراسة والإقامة والمأكل لنحو15 ألف طالب علم سنويا من جميع أنحاء العالم في القرن الثامن عشر, وقد ارتفع هذا العدد إلي35 الف طالب سنويا ينتمون ل104 دول, علاوة علي أكثر من نصف مليون طالب مصري يدرسون في جميع مراحل التعليم الأزهري, كما يجب أن نتذكر أنه لاتكاد توجد دولة اسلامية ليس بها رابطة لخريجي الأزهر. ويشتهر خريجو الأزهر وطلبته حول العالم بالاعتدال والوسطية ومعرفة صحيح الدين, لذا يقفون دائما في الصف الأول من المدافعين عن الإسلام في بلدانهم. [email protected]