تراجع أسعار الذهب في مصر: تفاصيل وتحليل للأسعار الحالية    8 مليارات دولار قيمة سلع مفرج عنها في 3 أسابيع من أبريل 2024.. رئيس الوزراء يؤكد العمل لاحتياط استراتيجي سلعي يسمح بتدخل الدولة في أي وقت    تأثير حملة مقاطعة السمك في مصر.. استجابة لارتفاع الأسعار وتحقيق جزئي للأهداف    حزب الله يعلن استهداف ‌‌شوميرا شمالي إسرائيل بعشرات صواريخ ‌الكاتيوشا    مفوض حقوق الإنسان أكد وحدة قادة العالم لحماية المحاصرين في رفح.. «الاستعلامات»: تحذيرات مصر المتكررة وصلت إسرائيل من كافة القنوات    جدول ترتيب الدوري المصري قبل مباريات يوم الاربعاء 2024/4/24    التشكيل المتوقع لباريس سان جيرمان ضد لوريان في الدوري الفرنسي    «الأرصاد» تحذّر سكان 19 محافظة من الحرارة الشديدة: تصل إلى 43 درجة    اقتراب ماراثون الثانوية العامة و5 محظورات على الطلاب في الامتحانات    ما حقيقة المقابر الجماعية في مجمع ناصر الطبي؟    10 معلومات عن ميناء غزة المؤقت.. تنتهي أمريكا من بنائه خلال أيام    حقيقة ارتفاع سعر الثوم بالأسواق.. هل الكيلو هيوصل 100 جنيه؟    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 24 أبريل    طولان: الزمالك سيتخطى دريمز الغاني.. ولست ضد حسام حسن لكن اختياره خاطئ    الذكرى ال117 لتأسيس النادي الأهلي.. يا نسر عالي في الملاعب    صحف الإمارات اليوم.. لا مؤشرات على توقف الحرب في غزة.. وفد اقتصادي كوري شمالي يزور إيران.. وأمريكا تنذر تيك توك    الشيوخ الأمريكي يوافق على 95 مليار دولار مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا    الكونجرس يقر نهائيا قانونا يستهدف تغيير ملكية تطبيق التواصل الاجتماعي تيك توك    الكرم العربي أعاق وصولها للعالمية، "بيتزا المنسف" تثير الجدل في الأردن (فيديو)    تعرف على مدرب ورشة فن الإلقاء في الدورة ال17 للمهرجان القومي للمسرح؟    عتريس السينما المصرية.. محمود مرسي تزوج مرة واحدة وتوفى أثناء التصوير    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة    نمو الطلب على إنتاج أيه إس إم إنترناشونال الهولندية لمعدات تصنيع الرقائق    مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    يقترب من بيراميدز.. تفاصيل رحيل محمد صبحي عن الزمالك    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    خطر تحت أقدامنا    نتائج مباريات ربع نهائي بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عاجل - درجات الحرارة ستصل ل 40..متنزلش من البيت    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    «رب ضارة نافعة»..أحمد عبد العزيز يلتقي بشاب انفعل عليه في عزاء شيرين سيف النصر    تنخفض 360 جنيهًا بالصاغة.. أسعار الذهب في مصر اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سادة العالم
‏ القصور الزاهرة 7
نشر في الأهرام المسائي يوم 06 - 08 - 2010

تسمو الدول وتتطور بالعلم والمعلومات الصحيحة‏,‏ ولما رأيت أن جهل معظم المصريين بتاريخهم سوف يؤدي إلي مفاهيم خاطئة‏,‏ قد تتفاقم وتتحول إلي سلوك متطرف يعوق التقدم‏,‏ تفرغت أكثر من أربع سنوات لانجاز هذا الكتاب‏.
‏ لأن بعض المتصدين للكتابة إلي الناس أو المتحدثين اليهم ينطقون عن جهل أو سوء نية‏,‏ ويخلطون بين العقائد الخالدة وبين الأشخاص الفانين‏,‏ وهدفهم تأخر هذا الشعب العريق‏,‏ ففي تأخره رواج لبضاعتهم الفاسدة‏!‏
والتاريخ ذاكرة الأمة‏.‏ وكانت لمصر امبراطورية فرعونية قوية ثرية‏,‏ ضعفت بفساد الحكام‏,‏ وركونهم الي حياة الدعة والترف‏,‏ حتي تكون الجيش المصري من المرتزقة الأجانب‏,‏ الذين سيطروا علي البلاد بحكم السلاح‏,‏ فتمزقت البلاد إلي دويلات‏,‏ وكشف الأعداء سرها‏,‏ أي عرفوا الطريق الي احتلالها‏,‏ ووقعت مصر تحت استعمار طويل متعاقب لدول أقل منها حضارة‏,‏ من الفرس واليونان والرومان والعرب والفاطميين والأكراد الأيوبيين‏,‏ ثم المماليك فالأتراك العثمانيين وأخيرا الانجليز‏!‏
ومع استمرار المذلة والقمع‏,‏ فقد المصريون إحساسهم بالعزة القومية والاستقلالية‏.‏ قاوموا بعض الأحيان بإيجابية‏,‏ ومعظم الأحايين بسلبية‏,‏ من منطق أنهم باقون في بلادهم‏,‏ أما الطغاة فإلي زوال‏!‏
هذا الكتاب بجزء يه خلاصة آلاف الصفحات‏,‏ جميعها من المراجع الأمهات‏,‏ وحصيلة عشرات من الدراسات الحديثة الممتازة لبعض دارسينا الذين رجعوا إلي مصادر ومخطوطات ليست تحت يدي‏.‏ وقد انشأت هذا الكتاب من مقتطفات متتابعة من هذه المراجع النفيسة‏,‏ ولم انتقل منها إلي كتابات المعاصرين إلا لإيضاح ما خفي فهمه علي مؤرخي العصور الوسطي ولم أتدخل أنا إلا في القليل لربط أحداث أو إزالة غموض‏.‏
وجميع معلومات هذا الكتاب مسندة إلي مصادرها الأصلية المذكورة في نهاية كل جزء‏.‏ وقارئ مؤرخي العصور الوسطي يعاني من المغالاة والتعميم‏,‏كأن يقول أحدهم مثلا‏:‏ ثم حاربهم وقضي عليهم جميعا‏,‏ ويكون قصده أنه قتل الكثيرين منهم‏!..‏ ويعاني أيضا من اللغة المكتوبة بمفردات فصيحة وتركيبات عامية‏,‏ وقد تركت بعضها للحفاظ علي مذاق روح العصر‏.‏
وبسبب كثرة الألفاظ البائدة والأعجمية‏,‏ وغرابة الأسماء‏,‏ مثل‏:‏ طرنطاي‏,‏ يلبغا‏,‏ أشلون خوند‏,‏ أقجماس‏,‏ صرغتمش‏,‏ طشتمر‏,‏ وهو عينات سهلة‏,‏ اقتصدت في ذكر الشخصيات الهامشية بما لا يخل بالحقيقة التاريخية‏.‏
كما يكابد قارئ هؤلاء المؤرخين العظماء من جنوحهم الي صياغة التاريخ بأسلوب اليوميات‏.‏ فكان المؤرخ يبدأ الحادثة التاريخية المهمة‏,‏ ثم يترك إلي أحداث أخري منها ما هو خطير ومنها ما هو تافه‏,‏ ثم يعود إلي إكمال الحادثة التي بدأ بها‏,‏ بعد عشرات الصفحات أو في المجلد التالي‏!‏
ومن أمثلة المراجع الأساسية‏:‏ كتاب السلوك للمقريزي وهو أربعة أجزاء في اثني عشر مجلدا ضخما‏,‏ وخطط المقريزي في جزءين كبيرين‏,‏ والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي ومكون من ستة عشر جزءا تضمها عشرة مجلدات ضخمة‏,‏ وبدائع الزهور لإبن إياس وهو خمسة أجزاء في ستة مجلدات‏,‏ إلي جانب تاريخ الجبرتي ومراجع أخري عديدة‏.‏
ولا يقل أهمية عنهم العلماء الذين أفنوا حياتهم في تحقيق هذه المراجع وكتابة الهوامش الموضحة للأسماء والمهن والأزياء المنقرضة‏,‏ حتي ان الهوامش تشغل نصف المساحة تقريبا‏,‏ من هؤلاء الأساتذة الدكاترة‏:‏ محمد مصطفي زيادة‏,‏ محمد مصطفي‏,‏ سعيد عبدالفتاح عاشور‏,‏ سيدة اسماعيل كاشف‏,‏ حسن حبشي‏,‏ فهيم محمد شلتوت‏,‏ ابراهيم علي طرخان‏,‏ سعاد ماهر‏,‏ جمال الدين الشيال‏,‏ مصطفي السقا‏,‏ حسن ابراهيم حسن‏,‏ محمد كمال‏,‏ السيد محمد‏,‏ أحمد أمين‏,‏ علي مبارك‏,‏ فيليب حتي‏,‏ عبداللطيف حمزة‏,‏ حكيم أمين عبدالسيد‏,‏ محمد قنديل البقلي‏,‏ السيد محمد العزاوي وآخرون‏.‏ إلي هؤلاء الأفاضل وكثيرين أدين بالفضل‏.‏
والتاريخ في هذا الكتاب للسلاطين والملوك‏,‏ وقبل ذلك لحياة الناس وآثارهم المعمارية والأدبية والفنية وأزيائهم‏,‏ وارتباطهم بالمنطقة المحيطة‏,‏ ثم علاقتهم بأوروبا بعد أن تخلصت من المتاجرين بالدين‏,‏ وجعلت المسيحية للحياة الروحية‏,‏ وشئون الحياة العملية لأهل العلم والإدارة‏,‏ فقفز الغرب من الانحطاط والتخلف إلي ما هو عليه الآن من سيادة علي العالم‏.‏ فسادة الدنيا دائما هم سادة العلوم والابتكارات‏.‏ والمبدع لا يبتكر إلا في مناخ من الحرية الكاملة واحترام الرأي الآخر ويقدس المبادرة الفردية واحترام الملكات الشخصية‏.‏
أورد المقريزي في أتعاظ الحنفا‏64‏ أن أم الأمراء زوجة أبو تميم معد بن المنصور ولقبه المعز لدين الله الفاطمي وجهت من المغرب مع شيخ صبية ربتها‏,‏ لتباع في مصر‏,‏ بقصد جمع معلومات عن أحوال البلاد‏.‏ فجاءت امرأة شابة علي حمار واشترت الجارية يستمائة دينار‏,‏ فقيل للشيخ‏:‏
يامغربي‏,‏ بنت الإخشيد اشترت الجارية لتتمتع بها‏,‏ وهي بنت كافور فلما عاد أخبر المعز بذلك‏,‏ فأمر باحضار الشيوخ‏,‏ وقال‏:‏ ياإخوان انهضوا إليهم‏,,‏ إذا كان القوم قد بلغ بهم الترف إلي أن صارت امرأة من بنات‏:‏ ملوكهم تخرج وتشتري جارية تتمتع بها‏,‏ فقد ضعفت نفوس رجالهم‏,‏ وذهبت العزة بينهم‏,‏ فانهضوا إليهم‏.‏
‏*‏ حملة جوهر‏:‏
ثم عمل المعز علي إقرار الأمور في بلاد المغرب‏,‏ وقضي علي ثورة أمراء المغاربة ضده‏,‏ وأقام الطرق بين تونس ومصر وحفر الآبار‏,‏ وأنشأ الاستراحات علي طول الطريق‏,‏ وجهز جيوشا من مائة ألف منظمة تنظيما دقيقا‏,‏ زودها بالأموال الضخمة والعتاد والمؤن‏,‏ وأنفق عليها أربعة وعشرين مليون دينار‏,‏ عدا ماحمله ألف جمل من الذهب الذي رصده للإنفاق علي هذه الحملة‏,‏ وأمر بأن تكون ظاهرة فوق الجمال‏..‏
ووضع علي قيادتها جوهر الصقلي‏,‏ وأضفي عليه هالة من الاحترام‏,‏ حتي لقد أمر أولاده وإخواته وولي عهده وكبار رجال دولته بالترحل بين يدي جوهر‏.‏
وأن يمشوا في خدمته وهو راكبا‏.‏ وكتب الي سائر عماله يأمرهم إذا قدم جوهر عليهم أن يترجلوا مشاة في خدمته
كان جوهر في الأصل عبدا للمعز‏,‏ وهو روماني النشأة‏,‏ وارتفع شأنه عند المعز حتي صار كبير قواده‏.‏ وقيل أنه كان خصيا‏,‏ وقيل أنه كان فحلا بدليل وجود ولد له‏.‏ وكانت وجهته الاسكندرية‏,‏ فلم يجد فيها مقاومة تذكر‏,‏ ودخلها وقال في منشوره أنه أتي لينقذ المصريين من ظلم العباسيين‏(‏ وفيما بعد سوف يقلده نابليون ويزعم أنه جاء لينقذ المصريين من عسف المماليك‏!).‏
وفي كتابهما المعز لدين الله الفاطمي ذكر الدكتوران حسن ابراهيم حسن وطه أحمد شرف أن الصقلي لبي مطالب المصريين‏:‏ بأن يؤمنهم جميعا جنودا ومدنيين‏,‏ مسلمين ومسيحيين‏,‏ علي أنفسهم وأموالهم وبلادهم‏,‏ وتعهد بأنه سوف ينشر العدل والأمان‏:‏ وذكر أن مولاه المعز ندبه لإنقاذهم من حكم العباسيين‏,‏ وأن يدرا عنهم الأخطار الخارجية من ناحية القرامطة الذين غزوا بلاد الشام ومنعوا الحجاج عن أداء فريضةالحج‏(‏ والقرامطة شيعة أيضا‏,‏ لكن كان بينهم وبين الفاطميين تنافس‏)..‏
وتعهد بأن يصد الروم الذين غزوا شمالي بلاد الشام وشمالي العراق‏,‏ لأن المعز أرسله لنجدة العالم الإسلامي عامة‏.‏ ثم حاول إبعاد فكرة الغلو عن الإسماعيلية‏(‏ الفاطميين‏)‏ لأن الإسلام سنة واحدة‏.‏ وأنه سيمنع تزييف العملة‏.‏ ثم خاطب المصريين قائلا‏:‏ ولكن بشرط أن يحافظوا علي الطاعة‏,‏ ولا تخذلوا وليا لمولانا وسيدنا أمير المؤمنين المعز صلوات الله عليه‏..‏ وكان ذلك في شعبان سنة‏358‏ ه
‏*‏ إبن ميمون‏:‏
بعد مناوشات هزيلة من الإخشيديين عبر جوهر النيل بالقوة‏.‏ وأخذت نساء العاصمة يطالبن بالرحمة فأعقب التسليم عفوا شاملا‏,‏ وأمر جوهر بالكف عن السلب والنهب‏.‏ وعلي الفور حذف اسم الخليفة العباسي من صلوات الجمعة‏,‏ وحرم لبس ملابس العباسيين السوداء‏,‏ وأصبح الواعظ يرتدي ملابس ناصعة البياض‏.‏
وصار الدعاء‏:‏ اللهم صلي علي محمد المصطفي‏,‏ وعلي علي المرتضي‏,‏ وعلي فاطمة البتول‏,‏ وعلي الحسن والحسين سبطي الرسول‏,‏ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا‏.‏ وصلي علي الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله الفاطمي وصار المؤذنون يجهرون‏:‏ بحي علي خير العمل‏,‏ فشق ذلك علي الناس‏!‏
وأنشد محمد بن هانئ الأندلسي شاعر المغرب قصيدة مطولة مدح فيها المعز‏,‏ وحط علي الخلفاء العباسيين‏,‏ فكان مطلعها‏:‏
تقول بني العباس هل أخذت مصر لبني العباس قد قضي الأمر‏!‏ والمعز لدين الله ينتسب إلي الرسول عن طريق ابنته فاطمة الزهراء وإلي علي بن أبي طالب‏,‏ ابن عم الرسول وزوج ابنته فاطمة‏.‏ فهو فاطمي لأنه من سلالة فاطمة‏,‏ وعلوي لأنه من سلالة علي
ومذهب الشيعة يرجع ظهوره الي الانشقاق القديم حول من يرث الخلافة‏,‏ وكيف تكون‏:‏ بالانتخاب العام أم بالحق الإلهي؟‏!‏
فقد قال أصحاب المذهب القديم أي السنة‏:‏ إن انتخاب أول ثلاثة من الخلفاء الراشدين‏,‏ وهم أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان‏,‏ كان شوريا‏,‏ في حين قال أصحاب مذهب الشيعة‏:‏ إن أصحاب الحق الإلهي في وراثة الخلافة هم أفراد عائلة الرسول‏,‏ وعلي ذلك يكون من لهم الحق في الخلافة هم علي ومن بعده أولاده‏..‏ وهكذا أصبح علي بن أبي طالب بدوره رابع الخلفاء‏,‏ غير أنه لقي معارضة وقتل‏,‏ وهنا أقصي أولاده أحفاد النبي عن الخلافة‏,‏ وحينما حاول أحدهم وهو الحسين أن يطالب بحقه فيها هزم وقتل‏..‏
ومنذ ذلك الوقت ومأساة الاستشهاد في كربلاء بدأت تثير مشاعر الشيعة في المحرم من كل عام‏.‏ وكان اضطهاد الخلفاء الأمويين لآل محمد داعيا الي عطف الناس عليهم‏.‏
ثم حدث تطورا أدخله طبيب عيون فارسي كان يشتغل بالسحر والشعوذة وهو عبدالله بن ميمون‏,‏ عندما قال‏:‏ إن الله كان علي الدوام مجسدا في الزعماء الروحانيين أو الأئمة‏,‏ أمثال آدم وإبراهيم حتي علي‏.‏ ولم يكن العالم في يوم من الأيام بدون إمام‏,‏ وليس من الضروري ان يكون هذا الإمام ممن تراه العين‏,‏ وهذا هو ببيت القصيد‏,‏ وعلي ذلك حدث أن انقطعت سلسلة الخلافة من بعد علي بن أبي طالب‏,‏ غير أنه بالرغم من ذلك كان يوجد دائما إمام مختف يتحين الفرصة للكشف عن نفسه أمام العالم‏.‏ وحينما يظهر هذا الإمام إذا بالناس يجدونه المهدي‏,‏ فيصرفون نظرهم عن الخلفاء الذين اغتصبوا السلطة‏(‏ أي بنو أمية ثم العباس‏).‏ وأثناء هذه المدة يكون علي أولئك الذين ينتظرونه أن يعدوا عدتهم من الرجال ويعملوا علي دعوة الناس الي الحق‏.‏
‏*‏ جمعيات سرية‏:‏
وهكذا كانت الدعاية سائرة علي قدم وساق‏,‏ وكانت هناك جمعيات سرية تعمل في الخفاء في العالم الإسلامي‏,‏ لقيت نجاحا علي الأخص في بلاد العرب والموصل وشمال أفريقيا‏,‏ وكان دعاة الشيعة يختارون بعنايه ويدربون علي تعليم المبادئ حتي يهتدي الناس‏,‏ فبالنسبة للعامة كانوا يلقنونهم ما يبدو في ظاهره دروسا مستفادة من القرآن‏,‏ ولو أنها كانت ممزوجة علي الدوام بالإشارة إلي قرب وصول المهدي‏,‏ تلك الشخصية الرائعة الغامضة‏,‏ وأما بالنسبة للمثقفين فكانوا يلجأون معهم إلي المناقشات التي تتناسب مع أفقهم الواسع‏..‏ وكانت أهدافهم سياسية محضة
والأئمة هم‏:‏ علي ثم ولداه الحسن فالحسين‏,‏ وعلي زين العابدين‏,‏ ومحمد الباقر‏,‏ وجعفر الصادق‏.‏ وهنا يحدث انقسام للشيعة الي الإثني عشرية‏,‏ والإسماعيلية نسبة الي الإمام السابع محمد بن إسماعيل‏,‏ ويلقب بالمستور أو المكتوم‏,‏ وبه يبدأ أئمة الدور الثاني الذين لم يكونوا معروفين للناس كافة‏,‏ بل كانوا يعملون في استتار‏..‏
وهؤلاء يلتف حولهم مستجيبوهم الذين يغرقون في حبهم ويغمرونهم بكثير من أموالهم‏,‏ وبذلك استطاع هؤلاء الائمة أن يكونوا مجتمعات إسماعيلية بحته في شتي أنحاء العالم الإسلامي‏.‏ وكانت هذه المجتمعات تموج بالذين يخلصون للأئمة المستورين دون أن يعرفوا أشخاصهم‏.‏ وسبب الستر والتخفي ألا ينالهم ما نال آباءهم وأجدادهم من سجن وقتل‏.‏
وقد ساد القرامطة وهم شيعة بلاد العرب والموصل وسوريا‏,‏ بينما وجد شيعة الفاطميين في بلاد البرابرة‏(‏ المغرب العربي‏)‏ أرضا خصبة لنشر مبادئهم بينهم‏,‏ حتي تمكنوا عام‏910‏ م من الاستيلاء علي الحكم وإقامة خلافة شيعية هناك علي يد عبيد الله المهدي في القيروان عاصمة البلاد التي تسمي الآن تونس‏,‏ ثم استولت اساطيلهم علي أملاك أسرة الأغالبة في تونس‏,‏ وهي الاسرة التي كانت تعتبر قوة بحرية عظمي في البحر المتوسط وكانت تحتل صقلية وسردينيا وكورسيكا ومالطة‏,‏ وهاجمت سواحل فرنسا وإيطاليا‏,‏ وسلبت ونهبت وأحرقت‏,‏ وكان المعز هو الخليفة الرابع‏,‏ وصاحب الفضل في فتح مصر‏..‏
وكان رجلا قادرا نزيها ذكيا وسياسيا بارعا‏,‏ وخطيبا مفوها باللغات اليوناية والعربية والبربرية والإيطالية‏,‏ ثم تعلم لغة السودان بسبب وجود العديد منهم في حبشة‏.‏
‏*‏ قرامطة وإسماعيلية‏:‏
يقول محمد عبدالله عنان‏:‏ استطاع عمر بن الخطاب أن ينظم فتح فارس والشام ومصر‏..‏ ثم جاء عثمان فمهد بضعفه وإثرته وانحراف سياسته إلي إذكاء الخلاف والخصومة‏.‏ وجاء علي من بعده فانفجرت الثورة السياسية وثورة العصبية‏.‏ وظهر الخوارج بمبادئهم المثالية من وراء الثورة السياسية‏.‏ ووقف معاوية بن أبي سفيان يمثل أطماع الزعامة والرياسة والعصبية‏,‏ وخسر علي المعركة لأنه كان أقل دهاء وأكثر شهامة وفروسية من خصومه‏,‏ ثم انتهي الأمر بمصرعه‏,‏ واستتب الأمر لمعاوية‏,‏ وخلصت الخلافة لبني أمية بعد تنازل الحسن بن علي‏..‏ وقد شاءت العناية الإلهية أن تكون الدولة الأموية هي منشئة الإمبراطورية الإسلامية الكبري‏,‏ من الهند شرقا حتي المحيط الأطلنطي غربا‏,‏ وشبه جزيرة إسبانيا‏.‏ وكان مرجع الفضل إلي عبقرية عدة كبيرة من رجال الدولة الأموية‏..‏
كان الأمر منذ البداية يتلخص في معركة السلطان والرياسة‏,‏ وكان علي وبنوه يعتقدون أن أرومتهم الطاهرة ونسبتهم إي آل البيت سوف تضع ميزانها في المعركة لترجحها إلي جانبهم‏,‏ ولكن تبين أن هذا العامل الأدبي الرفيع لم يؤت أثره‏..‏ ومن ثم فقد انتقلت الرياسة‏,‏ أو بعبارة أخري الخلافة والأمانة‏,‏ الي الفريق الأقوي بصفاته السياسية والدنيوية والعصبية‏,‏ إلي بني أمية ثم بني العباسي‏.‏ ولا شك أن الامة كانت تتطلب لقيادتها أولي البأس والحنكة من القادة‏..‏
وقد ظهر منذ البداية أن عليا وبنيه ومن جاء بعدهم‏,‏ لم يكونوا قيادة دنيوية‏.‏ لم يستطيعوا قط خلال أكثر من قرنين أن يخوضوا مع خصومهم معركة ذات شأن‏.‏ وعاش معظمهم في حالة اختفاء وتستر‏...‏ إلي أن بدأت جهودهم الخفية تحدث أثرها‏,‏ في ثورة القرامطة‏,‏وثورة اليمن ثم في حركة عبيد الله الشيعي‏,‏ بعيدا عن الشرق الإسلامي‏.‏ وهي الحركة التي ترتب عليها قيام الدولة الفاطمية‏,‏ والتي يحيط الريب بنسبها إلي آل البيت‏..‏
ورياسة الأمة الأسلامية لم تكن‏,‏ وما كانت لتكون قط‏,‏ ميراثا شخصيا لأسرة بعينها‏..‏ وأن هذه الرياسة والإمامة تذهب في كل زمان ومكان إلي الأكفاء‏.‏
وإن كان القرامطة في البحرين لبثت حينا مواليه للفاطميين‏,‏ وكان الفاطميون وهم في الغرب يعتبرونها جناحهم الشرقي لمدافعة الخلافة العباسية‏,‏ فإنه لما تغالي القرامطة في غيهم وزاد سفكهم‏,‏ وغزوا مكة وفتكوا بالحجاج‏,‏ واقتحموا البيت الحرام‏,‏ واقتلعوا الحجر الأسود‏,‏ غدت العلاقة بينهم وبين الفاطميين منافسة وخصومة‏.‏
‏*‏ المعز والإسكندر‏:‏
دخل جوهر الي العاصمة في طبوله وبنوده وعليه ديباج من ذهب‏,‏ حتي أناخ‏(‏ عسكر‏)‏ في مكان القاهرة المعزية الآن‏,‏ واختط وحفر أساس قصر الحاكم الجديد‏.‏ وبات المصريون في أمن‏,‏ فلما أصبحوا حضروا للتهنئة فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل‏...‏ وقال‏:‏ حفر في ليلة مباركة وساعة سعيدة‏.‏ وأدخل فيه دير العظام‏,‏ ونقل العظام التي كانت فيه إلي دير الخندق فدفنها‏,‏ لأنه يقال أنها عظام جماعة من الحواريين‏..‏
يقول العلامة محمد رمزي‏:‏ ودير الخندق هذا هدم في أيام المنصور قلاوون‏(‏ المملوكي‏)‏ فيما بعد‏.‏ ثم جدد بدله كنيستان‏,‏ إحداهما باسم دير الملاك البحري‏.‏
وذكر ابن إياس أن مدينة الفسطاط لم تعجب جوهر الصقلي‏,‏ فشرع في بناء القاهرة‏,‏ وجمع الفلكيين وأمرهم أن يختاروا لها طالعا سعيدا يضع فيه الأساس‏.‏ فمدوا حبالا علقوا فيها أجراسا وكان لهم إشارة مع البنائين‏,‏ أنهم‏(‏ أي المنجمين‏)‏ إذا حركوا تلك الأجراس يلقون الأساس‏.‏ فبينما هم واقفون في انتظار الساعة السعيدة‏,‏ وقع غراب علي تلك الحبال فتحركت الأجراس ورنت‏,‏ فألقي البناءون الأساس‏..‏ فصاح عليهم الفلكية‏:‏ لا لا القاهر‏(‏ المريخ‏)‏ في الطالع‏,‏ قضي الأمر‏,‏ وأعلموا أن هذه المدينة يملكها الأتراك‏.‏ وكان الأمر كذلك
لكن المقريزي بذكائه يعتبر هذه الحكاية خرافة‏,‏ فقد سبقت روايتها عند بناء الأسكندر لمدينة الإسكندرية وبحذافيرها‏.‏
وقد سمي المعز اسم مدينته بالقاهرة‏,‏ بعدما كانت تسمي المنصورية نسبة الي الخليفة المنصور أبيه‏..‏ وإن كان د‏.‏ سيد كريم يؤكد أن القاهرة كلمة مصرية قديمة‏,‏ أصلها كاهي رع أي موطن الإله رع‏!!‏
عموما فإن جوهر بدأ في بناء قصر الحكم في نفس الليلة التي خط فيها أساس المدينة في يوليو‏969‏ م‏.‏ وفي مارس التالي كان قد تم بناء بوابتين‏,‏ وفي عام‏970‏ 971‏ م أقيم حائط حول القصر‏.‏
‏*‏ قصر الزمرد‏:‏
لما فرغ جوهر من بناء السور‏,‏ أرسل يستحث سيده المعز في الدخول إلي مصر‏.‏ فوصل الأسكندرية سنة‏362‏ ه‏,‏ وفي رمضان من نفس السنة دخل إلي العاصمة‏,‏ ونزل بقصر الزمرد الذي بناه جوهر بسرعة فائقة‏.‏
ويعزو المقريزي سبب بناء القاهرة بهذه السرعة وإحاطتها بسور ضخم إلي خوف الفاطميين من هجوم بني العباس أو القرامطة أو روم بيزنطة‏..‏ كذلك كي يتخذ القاهرة مأوي للمغاربة‏,‏ ويتيح لهم فرصة إقامة شعائرهم الدينية في مأمن عن تعرض أهل السنة لهم بسوء‏.‏وصفوة القول أنه أراد من القاهرة أن تكون معقلا يصد منه خطر المهاجمين‏,‏ ومركزا لنشر عقائد مذهبهم الاسماعيلي‏,‏ مذهب الفاطميين‏,‏ وقد بني الأزهر ليكون مدرسة لهذه العقيدة‏.‏ وأقام قصر مولاه المعز ليتخذه مقرا للحكم ومركزا لنشر الدعوة‏.‏ وهكذا أدار السور اللبن علي مناخه‏(‏ معسكره‏)‏ الذي نزل فيه بعساكره‏.‏
أما الأزهر فقد شرع جوهر في بنائه بعد استقرار المعز‏,‏ وأنجزه في عامين تقريبا من إبريل‏970‏ إلي يونيو‏972‏ م‏.‏ وفي عام‏988‏ صار العلماء يؤمونه من كل صوب‏.‏ وقد أم المعز الصلاة في احتفال الافتتاح الذي أعقب شهر الصوم‏,‏ وألقي الخطبة وعليه مظاهر الورع‏.‏ ثم غادر المسجد في موكب تحف به قواته‏,‏ وفي حراسة أولاده الأربعة المسلحين‏,‏ يتقدمه إثنان من الفيلة‏!.‏
يقول محمد كمال السيد محمد في كتابه عن الأزهر‏:‏ وقد عرف الأزهر في البداية باسم جامع القاهرة‏,‏ ثم لما انتشرت الجوامع سمي بالأزهر نسبة إلي السيدة فاطمة الزهراء‏.‏ وقد أرادوه منطلقا للدعاية للمذهب الشيعي‏,‏ فأشار إبن كلس وزير المعز‏(‏ ثم وزير ابنه العزيز‏)‏ بترتيب رواتب لجماعة من الفقهاء‏,‏ يعملون فيه حلقات تدريس‏,‏ فبني لهم دارا بجانب الأزهر‏,‏ وهذا ما جعل الأزهر أقدم جامعة في العالم باقية للآن‏,‏ تتولي الدولة الإنفاق علي مدرسيها‏.‏
وكان قصر المعز ضخما جدا‏,‏ أشبه بمستعمرة كبيرة‏,‏ يشتمل علي كثير من دواوين الحكومة ودور السلاح‏.‏ وقد أمد بالمياه درءا للحريق‏.‏ كما كثرت فيه الأنفاق السرية والسراديب‏:‏ ولايركب أحد في القصر إلا الخليفة‏.‏ وله في الليل شدادات‏(‏ أي عاملات لخدمة البغلات والحمير الإناث‏).‏ ويركب للمرور في السراديب‏,‏ والطلوع علي الزلاقات إلي أعلي المناظر‏(‏ الاستراحات‏)‏ والأماكن‏.‏ وفي كل محل من محلات القصر فسقية مملوءة بالماء خيفة حدوث حريق في الليل‏.‏
‏*‏ غموض المحروسة‏:‏
وكان للقصر مداخل كثيرة تفضي إلي أروقة متواضعة يقابل فيها المعز الناس‏,‏ لأنه كان يحرص علي الظهور أمام الرعية بالتقشف‏,‏ والجلوس علي اللباد ومن حوله الكتب‏..‏ وعلي وجه الإجمال‏:‏ كانت المدينة مقرا للخليفة ورجاله وعبيده وقواته من المغاربة‏,‏ ولم يكن العامة من أهل مصر يدخلون إليها‏,‏ فلم يكن يسمح لأحد الدخول بدون تصريح‏,‏ حتي السفراء كانوا يترجلون حينما يصلون إلي الأسوار‏,‏ ثم يصلون القصر في حراسة بعض الجند‏,‏ كما كان الحال قي قصر الإمبراطور البيزنطي‏.‏ كانت مدينة ملكية‏,‏ جدرانها مرتفعة‏,‏ محروسة الأبواب‏,‏ تمثل الغموض الذي كان يشغف به الخليفة‏,‏ فسميت المحروسة‏..‏
وكان سمك السور كبيرا يسمح لفارسين بأن يركبا من فوقه متجاورين‏.‏ وكان بوسط المدينة تقريبا ميدان بين القصرين‏,‏ وكان فسيحا جدا يسع عشرة آلاف جندي للاستعراض فيه‏.‏ وكان يفصل مابين قصريه قصر المعز وهو القصر الشرقي العظيم‏(‏ مكان أحد جوانبه الآن خان الخليلي والحسين‏).‏ وقصر آخر سوف يبنيه العزيز ابن المعز‏(‏ ومكان جانب منه الآن مارستان قلاوون‏).‏ وهذا الأخير كان يطل علي بستان كافور الواسع الذي كان يقع فيه بيت الإخشيد‏..‏
ويخصص المقريزي عشرات الصفحات لوصف هذين القصرين‏,‏ فنحن نقرأ عن أربعة آلاف حجرة‏,‏ وعن بوابة ذهبية تؤدي إلي بهو ذهبي‏,‏ واستراحة فخمة يجلس فيها الخليفة فوق عرش ذهبي محاطا بحجابه وأتباعه‏,‏ وكانوا في العادة يونانيين أو سودانيين‏,‏ حيث كان يشاهد احتفالات المسلمين من خلف ستارة ذهبية‏,‏ ونقرأ كذلك عن ردهة من الزمرد بها أعمدة رخام‏,‏ وإيوان عظيم فوقه قبة‏,‏ ورواق يستمع فيه إلي المتظلمين والمتهمين‏..‏
وجميع هذه الانشاءات لم تتم في عام واحد بالطبع أو من حاكم واحد‏,‏ وكان للقصر العظيم وحده عشر بوابات‏,‏ عدا ممر تحت الأرض يصل منه الخليفة إلي الحريم‏,‏ وكان يتبعه حينئذ عدد من الجواري‏.‏ وعند مجيء صلاح الدين الأيوبي كان بالقصر إثنا عشر ألف خادم‏,‏ فإذا ما أضفنا النساء‏,‏ وجدنا أن عدد من يقيمون في تلك القصور كان يصل إلي ثلاثين ألفا
وقد وصف وليم الصوري هذا القصر‏(‏ الذي هو مجمع قصور‏)‏ سنة‏1167‏ م قرب نهاية الدولة الفاطمية‏:‏ وكان قد وفد فارسان من بيت المقدس‏,‏ فقادهما الوزير بنفسه في ردهات غامضة‏,‏ وأبواب عليها حراس سودان أشداء يؤدون التحية بسيوفهم اللامعة‏,‏ ثم فناء فسيح مكشوف محاط بأروقة مقامة علي أعمدة رخامية‏,‏ وكانت السقوف تزينها النقوش الذهبية الجميلة والألوان الزاهية والموزايكو‏,‏ وفي كل مكان النافورات والطيور المغردة ذات الريش البديع‏,‏ وفي قاعة أخري حيوانات مختلفة‏.‏
وفي النهاية وبعد المراسم المعتادة وصلا الي حجرة العرش الذهبية‏,‏ حيث كان يقف عدد كبير من الخدم والأتباع في ملابس فاخرة‏,‏ وهنا أخرج الوزير سيفه وانحني امام الخليفة في خشوع ثلاث مرات‏,‏ وبعد ذلك فتحت ستائر ثقيلة موشاة بالذهب واللآلئ الي الجانبين‏,‏ فظهر الخليفة علي عرشه الذهبي وقد ارتدي ملابسه الفاخرة‏.‏
‏*‏ السيف والذهب‏:‏
وقد قيل لما دخل المعز إلي مصر سأله ابن طباطبا العلوي عن نسبه‏,‏ فجذب نصف سيفه من غمده وقال‏:‏ هذا نسبي‏,‏ ثم أحضر كيسا فيه ذهب وفرقه علي الجند وقال‏:‏ هذا حسبي‏!‏
هذه الحكاية يكذبها د‏.‏حسن ابراهيم حسن لان انتساب المعز الي فاطمة هو مصدر فخره ومصدر شريعة حكمه‏,‏ وان ابن طباطبا هذا الذي سأله مات قبل وصول المعز الي مصر بأربعة عشر عاما‏)‏ المشكلة ان تاريخ وفاة ابن طباطبا مختلف عليه‏!(.‏ لكن المؤكد ان المعز كان يثير حماسة جنوده بالمال ثم المناصب ثم بتخويفهم من الله ومنه‏,‏ وهو لهذا دخل مصر ومعه ألف وخمسمائة جمل موسقة ذهبا ومن القماش والتحف مالايحصر‏!‏
وكان جوهر الصقلي من الذكاء بحيث شق لنفسه بعد الفتح طريقا وسطا بين الإدارة السنية‏)‏ الموجودة قبل وصوله‏(‏ وإدارته الشيعية‏.‏
فبينما تظاهر بالابقاء علي الموظفين المصريين في وظائفهم‏,‏ أشرك مع كل واحد منهم موظفا مغربيا‏,‏ ليتدرب المغاربة علي أعمال الدولة تمهيدا لاحلالهم مكان المصريين‏,‏ ولان بقاء موظف مغربي مع مصري يدفع الاخير الي التقرب للفاطميين واعتناق مذهبهم‏,‏ وقد صادفت هذه الطريقة نجاحا كبيرا‏.‏
يقول ابن تغري بردي ان المعز كان مغرما بقراءة الطالع والتنجيم‏,‏ وحدث أن أخبره جماعة من الفلكيين ان عليه تهديدا شديدا خلال شهور وأيام معينة‏,‏ ونصحوه بالاختفاء في سرادبه تحت الأرض حتي يزول التهديد‏,‏ فأناب عنه ولده نزار‏)‏ العزيز بالله‏(‏ حاكما أثناء غيابه لمعاونة الوزير جوهر الصقلي ثم نزل الي سرداب وأقام فيه سنة‏)122(.‏
يكمل ابن اياس هذه الحكاية الغربية‏:‏ فلما طالت غيبته علي عسكره ظنوا انه رفع الي السماء‏,‏ فكان الفارس اذا نظر الي الغمام ينزل عن فرسه ويقول‏:‏ السلام عليكم يا أمير المؤمنين‏..‏ ولازالوا علي ذلك حتي ظهر من السرداب‏,‏ وهم يحسبون انه كان في السماء
لكن في عهده قامت لمصر حرمة‏,‏ وصارت مستقلة اسما وفعلا‏,‏ والخلفاء الفاطميون يحكمون من مصر الي الفرات ومكة والمدينة شرقا‏,‏ وبلاد المغرب غربا‏..‏ وقد جدد الأمير جوهر ما فسد من جسور وقناطر‏.‏
وقد أكثر المعز من الاحتفالات‏:‏ مثل يوم عاشوراء‏,‏ ومولد علي بن أبي طالب‏,‏ ومولد فاطمة الزهراء‏,‏ والحسن والحسين‏,‏ والخليفة القائم‏,‏ وأول رجب‏..‏ وغيرها‏.‏
كما شارك القبط في احتفالات الغطاس وخميس العهد وعيد الميلاد
وتوفي سنة‏365‏ ه 975‏ م‏.‏
‏*‏ شماعة العنبر‏:‏
حل محله ابنه العزيز بالله‏)‏ نزار أبو منصور‏(‏ الذي استكثر من شراء المماليك الديالمة والمغل‏)‏ المغول‏(,‏ واستقامت أحواله وأظهر العدل وقال المسبحي انه أول من بني الحمامات بالقاهرة المعزية‏.‏
وأقام جوهر الصقلي وزيرا له مدة حتي مات‏,‏ فوجد له من الذهب العين ستمائة ألف ألف دينار‏,‏ ومن الدراهم أربعة الاف ألف‏,‏ ومن اللؤلؤ الكبار واليواقيت أربعة صناديق‏..‏ ومن الثياب الديباج خمس وسبعين ألف قطعة‏..‏
ووجد عنده لعبة من المسك والعنبر الخام‏)‏ شماعة‏(‏ فكان إذا نزع أثوابه البسها عليها‏)‏ فتفوح مسكا وعنبرا‏(..‏ ووجد في داره من المعالق الذهب والفضة ألف ملعقة‏..‏ وسبعمائة خاتم بفصوص ياقوت وماس وزمرد‏,)‏ وأشياء أخري عديدة ثمينة‏(..‏ وهذا كله خارج عن البغال والخيول والجمال والأملاك والضياع‏.‏
يقول لينبول‏:‏
علي ان الذين استفادوا هم الأقباط‏,‏ فحتي ذلك الوقت كان مصيرهم علي الدوام يتوقف علي طبع الحكام العرب والأتراك المختلفين غير أنه بوصول الفاطميين بدأت فترة من التسامح الديني لا عهد لهم به‏..‏ وكثيرا ما بنيت أو أصلحت كنائس في عهدهم‏,‏ وقد كان للخليفة العزيز بالله الذي حكم من‏975‏ إلي‏996‏ م زوجة مسيحية‏,‏ وكان إثنان من إخوتها بطاركة ملكانيين‏,‏ كما كان كل من الأسقف اليعقوبي القبطي افريم والأسقف سفيروس من خيرة أصدقائه
وولي العزيز‏:‏ نسطورس النصراني‏(‏ وزيرا بمصر‏)‏ ومنشا اليهودي‏(‏ وزيرا بالشام‏).‏ فكتبت إليه امرأة تقول‏:‏ بالذي أعز اليهود بمنشا والنصاري بابن نسطورس‏,‏ وأذل المسلمين بك‏,‏ ألا نظرت في أمري؟‏..‏ فقبض عليها وأمر بشنقهما‏!..‏ وحسب قول المقريزي إن ابن نسطورس هلك‏!‏
وكان وزيره هو يعقوب بن كلس‏,‏ وكان يهوديا من أهل بغداد ثم انتقل الي الرملة‏,‏ وجاء مصر وتاجر لكافور الاخشيدي وأسلم‏,‏ ثم قبض عليه بعد موت كافور‏,‏ لكنه هرب الي المغرب‏,‏ والتحق بالفاطميين‏,‏ وعاد معهم‏,‏ وترقي حتي صار وزيرا‏,‏ فاستقامت أمور العزيز بتدبيره الي أن مات‏,‏ فصلي عليه العزيز ودفنه بيده‏.‏
يقول محمد كمال السيد محمد وكان ابن كلس مدينا بستة عشر ألف دينار‏,‏ سددها عنه العزيز بالله علي قبره‏,‏ فما أعظم هذا‏,‏ يتولي شئون المال في الدولة ما يقرب من عشرين عاما‏,‏ مع سعة النفوذ وعلو المكانة ويموت مدينا‏.‏
يضيف أحمد أمين أن ابن كلس كان يأخذ من العزيز في كل سنة مائة ألف دينار‏,‏ ووجد له بعد موته من العبيد والمماليك أربعة آلاف غلام‏!!..‏ وابن كلس هو الذي وضع قواعد الدولة ونظمها‏,‏ وكان له الي جانب ذلك نشاط علمي‏,‏ ربط بين العلم والتشيع‏,‏ وبين التشيع والفلسفة‏,‏ ووضع كتابا في فقه التشيع قال أنه كتبه مما سمعه من المعز والعزيز‏,‏ كان يقرؤه في المسجد ويقرؤه العلماء ويفتون منه‏(127).‏
‏*‏ صائد السباع‏:‏
وفي أيام العزيز فتحت حمص وحماة وحلب‏,‏ وخطب له صاحب الموصل‏,‏ وهو الذي بني القصر الغربي لينضم الي قصور الذهب والظفر والشجرة والشوك والزمرد والنسيم والحريم والبحر‏,‏ وهذه كلها قاعات ومناظر أو استراحات من داخل سور القصر الكبير‏,‏ ويقال لها القصور الزاهرة‏,‏ ويسمي مجموعها القصر‏.‏
وكان العزيز أسمر أصهب الشعر‏(‏ أي ضارب إلي حمرة وبياض‏).‏ أشهل العين‏(‏ فيها إحمرار‏).‏ يعيد ما بين المنكبين‏.‏ قريبا من الناس‏.‏ محبا لصيد السباع‏.‏ وكان أديبا فاضلا‏:‏ بهذا وصفه المسبحي مؤرخ الفاطميين والذي تولي الوزارة بعد موت العزيز‏.‏
وكان مغرما بالأحجار الثمينة‏,‏ فأوجد بدعة جديدة في لبس العمامة الموشاة بالذهب‏,‏ والأحزمة المرصعة بالمجوهرات‏,‏ والمعطرة بالعنبر الأسود‏,‏ والسرج الموشي بالذهب للحصان‏..‏ وكان مثل خمارويه شغوفا بالحيوانات الغريبة‏.‏
والجامع المعروف باسم جامع الحاكم هو الذي وضع أساسه أواخر عام‏990‏ م وأتمه وزيره ابن كلس‏,‏ بحيث كانت تؤدي فيه صلاة الجمعة بعد ذلك بعام‏,‏ أما الزخارف والمآذن فقد انتهي البناء منها في عهد ابنه سنة‏1013‏ م‏.‏
مات العزيز سنة‏386‏ ه‏996‏ م وخلفه ولده منصور أبو علي الملقب بالحاكم بأمر الله وعمره إحدي عشرة سنة‏!..‏ وهو من أعجب شخصيات التاريخ وأغربها‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.