أعلن المستشار علي عوض مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدستورية ومقرر لجنة الخبراء القانونيين لتعديل الدستور, أن اللجنة قد أنهت أعمالها وقامت بتعديل دستور,2012 وفقا للاقتراحات التي وصلتها من الأحزاب والهيئات والأفراد. وأن اللجنة ستسلم تقريرا عن أعمالها الي رئيس الجمهورية تمهيدا لعرضها علي لجنة الخمسين التي تضم ممثلين لفئات الشعب المختلفة تقوم باختيارهم الهيئات المنتخبة لهذه الفئات. وكانت المفاجأة الكبري في تصريحات المستشار علي عوض أن اللجنة تري اجراء انتخابات مجلس الشعب القادمة بالنظام الفردي, ويتجاهل هذا الرأي ما شهده المجتمع المصري من تطورات في العملية الانتخابية قبل وبعد ثورة25 يناير, وما دار من مناقشات حول أفضل النظم الانتخابية المناسبة لمصر في هذه المرحلة. وكانت المناقشات والدراسات التي أجريت خلال الأعوام القليلة السابقة قد كشفت بوضوح أن الانتخاب بالقوائم النسبية هو النظام الأفضل لمصر في هذه المرحلة, حيث تأكد من الممارسة أن الانتخاب الفردي لا يساعد علي تشكيل سلطة تشريعية تعبر بصدق عن كل مكونات المجتمع, وهو يتحيز للطبقات القادرة والغنية, لأنه يتطلب انفاقا ماليا كبيرا تزداد تكلفته دورة بعد أخري, وقد وصلت تكلفة المنافسة الانتخابية في كثير من الدوائر الي ملايين الجنيهات, وقد كشفت خبرة الممارسة أن الانتخاب الفردي يتحيز لرجال الأعمال ومرشحي العائلات الكبيرة والغنية في الريف, وكذلك مرشحو الجماعات الاسلامية التي تستطيع حشد أصوات الفقراء في الريف والمدينة بما تقدمه لهم من خدمات وصدقات ورشاوي انتخابية من خلال الجمعيات الأهلية التي تديرها والعلاقات المباشرة مع الأسر الفقيرة. وتؤكد الدراسات التي أجريت حول التكوين الاجتماعي لمجالس الشعب قبل ثورة25 يناير أنها تضم اغلبية من رجال الأعمال وأغنياء الريف والاخوان المسلمين في مجلس2005, وقد كشفت نتائج الانتخابات في ظل النظام الفردي أن نسبة الخمسين في المائة للعمال والفلاحين أصبحت أكذوبة كبري فمعظم ممثلي هذه الفئات من كبار الموظفين وضباط الشرطة والجيش من الرتب العليا, وهم ليسوا مجرد عاملين بأجر, بل هم من أغنياء الريف والمستثمرين في المدينة. لا تقتصر عيوب النظام الفردي علي عدم تمثيل الفئات الفقيرة والضعيفة في المجتمع والانحياز للأغنياء والقادرين, بل أنه يتعارض كلية مع أبسط قيم الديمقراطية ويحول دون التطور الديمقراطي للمجتمع المصري, لأنه يحرم فئات هامة من التمثيل في السلطة التشريعية خاصة الأقباط والنساء والشباب. الذين لم يتمكن أي مرشح منهم من الفوز في الانتخابات سوي في حالات نادرة للغاية مثل فوز يوسف بطرس غالي وزير المالية في حكومة الحزب الوطني. ولم يفز في الانتخابات أي قبطي سواه. كما لم تفز المرأة سوي بعدد محدود من المقاعد لا يتناسب بالمرة مع حجمها في المجتمع والذي تشكل نصفه تقريبا, ومع دورها الاجتماعي والعلمي والمهني الذي لايقل أهمية عن دور الرجل, وكذلك نشاطها السياسي المتزايد, ومشاركتها القوية في ثورة25 يناير, ولن يتمكن شباب مصر وشباب الثورة من الفوز بأي مقعد قي البرلمان في ظل النظام الفردي رغم أن هذا الشباب فجر ثورة25 يناير وقدم أرواحه فداء لها وناضل علي امتداد أكثر من عامين دفاعا عن هذه الثورة وصولا الي30 يونيو, و26 يوليو لإسقاط سلطة الاخوان التي كانت تقيم دولة استبدادية. وما قدمه الشباب خلال هذه الفترة من شهداء ومصابين وما أسسه من تحالفات كانت الدعامة الأساسية للثورة. سوف يكون هؤلاء الشباب أول ضحايا نظام الانتخاب الفردي فهم لا يملكون الأموال الكافية للانفاق علي الانتخابات الفردية, ولا يتوافر لهم المكانة الاجتماعية أو النفوذ الاجتماعي المستند الي أوضاع عائلية. وهكذا فان الانتخاب الفردي سوف يؤدي الي مجلس شعب شبيه بمجلس2005 مجلس كبار رجال الأعمال والاخوان المسلمين. واذا وضعنا هذه المسألة في سياقها التاريخي فان الأخذ بنظام الانتخاب الفردي يتعارض كلية مع تحقيق أهداف مرحلة التحول الديمقراطي التي تمر بها البلاد حاليا والتي تدور في جوهرها حول الانتقال من النظام السلطوي القائم في عهد مبارك الي نظام ديمقراطي, والذي لا يمكن توفير مقوماته الأساسية بدون بناء نظام ناضج للتعددية الحزبية باعتبارها شرطا أساسيا لتداول السلطة بين مختلف القوي بوسائل سلمية أي من خلال الانتخابات, وتعتبر التعددية الحزبية الركيزة الأساسية لهذه العملية. لأنه بدون الأحزاب السياسية لا يتوافر للمجتمع القوي القادرة والمؤهلة لدفع عملية التحول الديمقراطي, ولأن الانتخاب الفردي يكرس المنافسة علي أساس السمات الشخصية للمرشح فان نظام الانتخاب بالقوائم هو الذي يفتح الباب لتعزيز وتقوية الحياة الحزبية حيث ستدور المنافسة الانتخابية حول برامج سياسية ويتم من خلالها تطوير الوعي السياسي للناخبين وادارة الانتخابات علي أساس المنافسة السياسية, وتمكين الأحزاب السياسية من الوجود في السلطة التشريعية بحيث نضمن التعبير داخل المجلس النيابي عن مصالح مختلف القوي والفئات الاجتماعية, وفي نفس الوقت فان هذه القوائم ستضم المرشحين من الأقباط والنساء والشباب في موقع متقدم بالقائمة, الأول والثاني يضمن لهم الفوز بعدد مناسب من المقاعد في بعض الدوائر الانتخابية, وبذلك نضمن في النهاية سلطة تشريعية معبرة عن كل فئات الشعب وقواه الاجتماعية بما في ذلك العمال والفلاحون الحقيقيون الذين لم يتمكنوا من الفوز بأي مقعد في ظل الانتخاب الفردي. من هنا فان الدفاع الحقيقي عن الثورة وأهدافها وعن التحول الديمقراطي ومقوماته يتطلب رفض النظام الفردي, والأخذ بنظام القوائم في الانتخابات علي كل مقاعد مجلس الشعب. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر