بدأ تقديم طلبات الترشيح في انتخابات مجلس الشعب منذ أيام في ظل تطورات سياسية وأمنية تتسم بالاضطراب والتوتر والارتباك أيضا. وهو ما يطرح العديد من الأسئلة حول مصير هذه الإنتخابات وكيف يمكن أن تتم بنجاح وتحقق الهدف منها وهو تشكيل مجلس شعب يكون جديرا بالإنتماء إلي ثورة25 يناير ومعبرا عنها بصدق, ويضم في صفوفه ممثلين حقيقيين لقوي الثورة, بحيث يكون مؤهلا لأداء مهمته الأساسية وهي تشكيل لجنة إعداد الدستور بما يضمن أن تكون هذه اللجنة تعبيرا حقيقيا عن كافة التيارات السياسية والثقافية والإجتماعية وكذلك المنظمات الشعبية والجماهيرية لمختلف فئات الشعب فضلا عن الخبراء الدستوريين والمفكريين بما يضمن أن يأتي الدستور الجديد نتاجا لإجماع الممثلين الحقيقيين للشعب المصري ويكون هذا الدستور بالفعل الأساس المتين لإقامة نظام حكم ديمقراطي يتمتع الشعب في ظله بحقوقه وحرياته الأساسية ويمارس دوره في إختيار حكامه ومراقبتهم وتغييرهم دوريا بإرادته الحرة. تطرح الظروف والأوضاع الراهنة التي تجري في ظلها إنتخابات مجلس الشعب خلال الشهور الثلاثة القادمة العديد من الأسئلة المشروعة يتعين أن نجيب عليها بأمانة وأن نعالج بجديه ما تطرحه هذه الأسئلة من إشكاليات, ويأتي علي رأس هذه الأسئلة كيف يمكن توفير الأمن والأمان للعملية الإنتخابية والمشاركين فيها من مرشحين وأنصار وناخبين بحيث تمر بسلام ودون خسائر بشرية ومادية رهيبة ؟ وتأتي مشروعية هذا السؤال وأهميته مما نشهده حاليا من انفلات أمني في كل أنحاء البلاد يستوي في ذلك المدن الكبري كالقاهرة والإسكندرية وريف الدلتا وقري الصعيد, ولعل ما حدث أمام مبني الإذاعة والتليفزيون في ماسبيرو يوم الأحد الدامي من خسائر بشرية تجاوزت25 قتيلا وأكثر من ثلاثمائة مصاب خير دليل علي أن تخوفنا من إنهيار الأمن أثناء الإنتخابات له ما يبرره فقد عجزت قوات الأمن المدعمة بالشرطة العسكرية عن السيطرة علي الوضع لساعات طويلة وأستخدمت القوة المفرطة في فض المتظاهرين بسبب عجزها عن التعامل معهم بوسائل أخري. ومن يضمن لنا أن مثل هذا الموقف لن يتكرر عندما ينفجر الصراع الإنتخابي بين إثنين من المرشحين في إحدي دوائر الصعيد أو محافظات الدلتا, وكيف يمكن توفير قوات كافية لتأمين العملية الإنتخابية في كل مرحلة. ومن المهم أن نبحث الآن وبكل جدية في كيفية الإستعانة بمنظمات المجتمع المدني وإئتلاف شباب الثورة للقيام بدور أساسي في إقناع المواطنين بسلمية المنافسة الإنتخابية وضرورة تلافي أي إضطرابات أمنية قد تؤدي إلي تأجيل الإنتخابات وما يترتب عليها من تأجيل إصدار الدستور بكل التداعيات التي ستترتب علي ذلك بشأن إستمرار الوضع الإنتقالي الحالي بلا مبرر ويمكن في هذا الصدد أن تتم الإستعانة أيضا بالعائلات الكبيرة في الريف للمشاركة في تأمين العملية الإنتخابية. لا بديل هنا عن تشكيل جبهة مدنية لحماية المنافسة السلمية في الإنتخابات من منظمات المجتمع المدني وإئتلافات شباب الثورة والعائلات الكبيرة في الريف حرصا علي مستقبل البلاد. ومن الإسئلة المشروعة التي تطرحها الظروف والأوضاع التي تجري في ظلها الإنتخابات هل يمكن بنظام الإنتخاب المختلط الذي يجمع بين القائمة النسبية والفردي أن يتشكل مجلس شعب يعبر عن قوي الثورة فعلا ؟ من الواضح أن دوائر الفردي المتسعة للغاية والتي تشمل الدائرة الواحدة محافظة كاملة في عشر محافظات ودائرتان في أربع عشرة محافظة لا يمكن أن يتنافس فيها أي مرشح شاب أو حزبي لا يملك ملايين الجنيهات لأن الدعاية الإنتخابية التي تغطي محافظة كاملة بما تشمله من لافتات ومؤتمرات ومسيرات إنتخابية سوف تتكلف ملايين الجنيهات وتتطلب حشد آلاف الأنصار للمشاركة في هذه الدعاية وكمندوبين عن المرشحين في اللجان الإنتخابية. وربما يستطيع مرشحون من جماعة الإخوان المسلمين ومن السلفيين المنافسة في هذه الدوائر بما يملكونه من أموال وما يتوافر لهم من تنظيم ديني قادر علي حشد الناخبين للتصويت لهم ضد العلمانيين الكفرة حسب قولهم. وهكذا فإن ثلث مجلس الشعب القادم محجوز مقدما لكبار الرأسماليين والمليونيرات والتيار الديني مما يخل بتركيبة المجلس ويؤثر سلبا علي تشكيل لجنة إعداد الدستور. أما السؤال الثالث فهو يتعلق بمصير هذا المجلس من الناحية الدستورية خاصة وأن النظام المختلط قصر ثلثي المقاعد علي الأحزاب السياسية وسمح لها بالترشح علي المقاعد الفردية أيضا. وفي هذا إخلال بمبدأ الفرصة المتكافئة للحزبيين والمستقلين. وقد حاولت الأحزاب السياسية سد هذه الثغرة بالمطالبة بأن يكون الإنتخاب بنظام القائمة علي كل المقاعد ويسمح للأحزاب والمستقلين بتكوين قوائم خاصة بهم كما يسمح لهم بالتحالف في قوائم مشتركة وبذلك لن يكون هناك إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين في حق الترشيح. ولكن ولاة الأمر فضلوا هذا النظام الهجين الذي لن يسلم من الطعن عليه بعدم الدستورية. فماذا سنفعل وماذا سيكون عليه مستقبل البلاد إذا صدر الحكم بعدم دستورية هذا النظام الإنتخابي. ربما يكون هناك سؤال رابع يطرح نفسه بمناسبة إنتخابات مجلس الشعب وهو هل تستطيع اللجنة العليا للإنتخابات ممارسة إختصاصاتها كاملة رغم ما يوجد من قصور في الإمكانيات المتاحة لها ومن المؤكد أن وزارة الداخلية سيكون لها دور أكبر في العملية الإنتخابية في ظل عجز اللجنة العليا للإنتخابات عن القيام بكل إختصاصاتها وهو ما يعتبر إستمرارا للإنتخابات التي أجريت في عهد مبارك, وهناك سؤال خامس عن سلوك الناخبين وهل سيشاركون طواعية في تزوير الإنتخابات بقبول الرشاوي الإنتخابية أو الإستجابة للعصبية العائلية والقبلية أو الإنصياع لدعاوي تقسيم المرشحين بين مؤمنين وكفار ؟ العديد من الأسئلة التي تبحث عن إجابات ولكن المشكلة أن العجلة قد دارت وبدأت أولي المراحل بفتح باب الترشيح دون أن نكون واثقين من أن شروط نجاح الإنتخابات هذه المرة متوفرة. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر